"أنها تبحث عن ربع ساعتها من الشهرة فقط"، هذا كان تعليق أغلب الرجال على عمل الفنانة البرازيلية جوليانا نوتاري، "ديفا" الذي يمثل فرجاً عملاقاً، بطول 33 متراً.
تضم اللغة العربية وغيرها من اللغات أيضاً كمية لا بأس بها من الأسماء الدالة على عضو المرأة الأنثوي، والتوصيفات والتوريات الأخرى التي أضافتها اللهجات العامية أيضاً بحيث ينافس عدد أسماء الفرج عدد أسماء الله الحسنى، لكن تشريحياً، يبدو أن لا أحد منا نظر إليه فعلاً، ودقق في تفاصيله بحيث يكون قادراً فعلاً على "رسمه" في مخيّلته أو على الورق، بأكثر من "شق" أو "حفرة سوداء" غامضة تستطيع أن تبتلع العضو الذكري، بل وتقضمه.
"إنه لغز مطلق، هذا الشيء الذي تحملينه بين فخذيك"
قرناً بعد آخر، استمرّ الفرج في إلهاب مخيلة الذكور وإثارة مخاوفهم بنفس الوقت، بعد أن نسبوا كل السلطات التي استطاعوا الاستيلاء عليها إلى أنفسهم، وبقيت "قوّة الولادة"، هذه الإمكانية الخارقة التي لم يستطع الرجال امتلاكها، فأصبح المهبل، موضع اشتهاء وكراهية، ينوس وصفه بين "أصل العالم" كما جاء في لوحة الفنان الفرنسي غوستاف كوربيه، أو "حفرة الشيطان"، رغم أن اللوحة/الفضيحة التي حتى الآن تمتنع بعض مواقع الإنترنت عن نشرها، لا تظهر الفرج إلا غامضاً، غائباً داخل غابة من شعر العانة الكثيف، لا أثر للعضو الأهم الذي يحمله: البظر.
خلال إحدى محاكمات السحرة، في عام 1593، اكتشف قاضي التحقيق، وهو رجل متزوج، لأول مرة وجود "البظر"، كان هناك بروز صغير من اللحم، مثل الحلمة، وطوله نصف بوصة، فقال القاضي بعد أن رآه للوهلة الأولى: "إنها حلمة شيطان"، وحكم على المرأة بالموت لأنها ساحرة ومن أتباع الشيطان، فقط لامتلاكها "بظراً" لم يره قاضي التحقيق قبلاً.
استمرّ الفرج في إلهاب مخيلة الذكور، بعد أن نسبوا كل السلطات التي استطاعوا الاستيلاء عليها إلى أنفسهم، وبقيت "قوّة الولادة"، الإمكانية الخارقة التي لم يستطع الرجال امتلاكها
حتى النساء يجهلن فروجهن، إذ إن المواد الإباحية تعزز "جنسية المهبل" وبالتالي انعدام الأمن الأنثوي النموذجي، فتظن النساء أن أعضاءهن قبيحة، والأهم أنها مشوّهة، وأن القضيب الذكري هو الأصل، وهو ما يرتبط بالفخر بينما يحيل الفرج الأنثوي إلى العار والنقيصة.
في اليابان، يتم سنوياً الاحتفال بمهرجان "كانامارا ماتسوري" أو مهرجان "القضيب الحديدي"، يتم فيه صنع مصاصات سكرية على هيئة قضبان ذكرية مع رؤوس حمراء شهية، في البلد الذي تغذّي صورة فتياته التلميذات الأدب الإباحي ورسوم الكوميكس الجنسية "المانجا"، يتم الاحتفال بمهرجان للقضيب ولا يحق للبائعين أن يعرضوا مجسمات للعضو الأنثوي في واجهات محالهم، كما يتم تغطية فرج المرأة في الصور والإعلانات حتى الجنسية منها، بينما لا يتم تغطية قضيب الرجل أو يغطى رأسه فحسب بنجمة لامعة.
منذ القرن السابع عشر، ومع الاكتشافات الجغرافية العديدة، عاد المسافرون من الهند وإفريقيا بعشرات القصص التي تغذّي أسطورة المهبل، الذي هو وحش بأسنان تقضم القضيب، ونفس هذا الخوف الأسطوري من "الكائن" الماكر الذي يختفي بمهارة تحت غابة كثيفة من "شعر العانة".
شاعت هذه الفكرة كثيراً، لدرجة انتشار أسطورة عن مملكة مسيحية "خارج بلاد فارس وأرمينيا" يعهد فيها بليلة الزفاف لشخص آخر غير العريس، شخص جريء وقوي واعتاد على المخاطر، ذلك أن ثعباناً ساماً يسكن "فروج النساء" ويلدغ من يحاول ولوجها.
في العديد من الثقافات تم استخدام نفس المصطلحات للربط بين فعل الأكل وفعل الجنس، واستخدمت بعض الفواكه والخضروات كرموز جنسية عززت هذا التصوّر البهيمي، والخيال الجماعي عن المهبل "ذي الأسنان الحادة" الذي يمضغ "قضبان" الرجال، وبالتالي عن المرأة ملتهمة الرجال، تلميذة الشياطين.
في الأساطير الهندوسية يريد الشيطان آدي، حفيد بارفاتي وشيفا الانتقام لوالده الشيطان أنداكا الذي أصابه شيفا، فيسلّح مهبل بارفاتي بأسنان حادة لتقضم قضيب شيفا.
الفكرة نفسها تم العمل عليها لمواجهة حالات الاغتصاب المتزايدة في إفريقيا، فاخترعت الدكتورة سونيه إليرز Sonnet Ehlers في عام 2005، نوعاً من الواقي الأنثوي ذي المسامير الشائكة، الذي يؤذي القضيب ويسمح للمرأة بإثبات تعرّضها للاغتصاب.
"إن جنس المرأة المحبوب، أو المدعوم، أو المصحح، أو الأخلاقي، أو المشوه، أو المكروه، لم يتوقف أبداً عن تغذية خوف النساء، وإشباع أوهام ورغبات الرجال من الأكثر شهرة إلى مجهولي الهوية، ومن الأضعف إلى الأقوى".
خلال إحدى محاكمات السحرة، في عام 1593، اكتشف قاضي التحقيق، وهو رجل متزوج، لأول مرة وجود "البظر"، كان هناك بروز صغير من اللحم، مثل الحلمة، وطوله نصف بوصة، فقال القاضي: "إنها حلمة شيطان"، وحكم على المرأة بالموت لأنها ساحرة ومن أتباع الشيطان
نتعلم إلى أي مدى على مر القرون، على الرغم من التغيرات في العادات والتقدم في الطب (اكتشاف حبوب منع الحمل، قانون مكافحة الإجهاض)، كان الجنس الأنثوي موضوعاً لجميع الرغبات، ولكنه كان أيضاً موضوع جذب الخوف والنفور وأيضاً وبالتأكيد في أغلب الأحيان، مصدراً للنهي بكل أنواعه.
يتضح أنه بصرف النظر عن المجلات الطبية أو العلمية، لا أحد يتحدّث بسهولة عن الفرج أو المهبل، وهي الكلمات التي تبدو في عريها القاسي عدوانية للغاية. سيفضل الفنانون التعبير عنه على شكل 'شق مائي مقدس'، مروراً بـ 'حبة المشمش' أو 'الفريزة الصغيرة'، إلى لفظ 'القطة' الشهير باللغتين الإنكليزية والفرنسية (بالعربية أيضاً)"، تقول ديان دوكريت في كتابها "لحم ممنوع".
خطورة التحديق
ومن جانب آخر، كانت فكرة خطورة "التحديق" في الفرج، منتشرة في العالم الإسلامي، لأن ذلك يسبب "العمى". فـ"إظهار الكـ** خطير، ويخيف حتّى الشيطان" كما يقول عمار المأمون في مقالته في رصيف22 "حديث الشفاه".
قال ابن قدامة في "المغني": "ويكره النظر إلى الفرج، فإن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت فرج رسول الله قط، رواه ابن ماجه، وفي لفظ قالت: ما رأيته من رسول الله ولا رآه مني".
عن عتبة ابن عبد السلمي قال، قال رسول الله: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرّد تجرّد العَيْريَن، رواه ابن ماجة. وعن ابن عباس قال، قال رسول الله: إذا جامع أحدكم زوجته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى. وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله: إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس.
بالرغم من أن علماء الفقه لا يقبلون بهذه الأحاديث ويوردون طائفة أخرى منها بجواز النظر، كالأحاديث التي تتحدث عن استحمام النبي مع نسائه، مع وجوب "الرؤية" خلال الاستحمام، إلا أن مجرّد ورودها يعني أن الفكرة كانت موجودة، وربما تكون الخشية من مهبل المرأة عنصراً مشتركاً بين كلّ ذكور الأرض.
يبدو مكمن الخطورة هنا ليس فقط في مكان التحديق بل أيضاً في التحديق نفسه، إذ ينطوي على "وقاحة" الاستفسار والمعاينة، التفحّص والاختبار، أي عدم التصديق إلا بالتفحّص طويل الأمد، وهذا لا يجوز مع "التسليم" الذي لا يمنح فرصة للتساؤل، فإما أن تصدّق "وصفه اللغوي" الذي قدمه الدين بوصفه منبع الشرور و"حفرة الشيطان" أو تخرج من التسليم الكلي إلى التشكيك ومن ثم "المروق".
يشكل المهبل عنصراً غائراً، كهفاً غامضاً يخاف منه الذكور، كما يخافون من المغائر والأماكن المظلمة والأنفاق المبتلّة التي تقطر سقوفها بالـ"سائل"، بينما لشكل القضيب الواضح، البارز، كناية عن الكشف والظهور والعلنية، وقعاً أقلّ خشية. مقابل الرجولة العلنية، البارزة، كالجبال و"الأشياء"، هناك الغامض، الداخلي، الغائر، الناقص، الفراغ، الأجوف (لوسي إيريجاري تفصل هذا التصور)، الذي يبتلع، ولا يشبه من يدخله مرّة من يخرج منه، كأنه يغيّر الداخل إليه، كنهر هيراقليط.
مثير المتاعب
لم يكن الفرج على هذه الشاكلة دوماً من إثارة المخاوف والرعب، كان يمتلك أهمية دينية كبيرة عند الإغريق والمصريين، يروي هيرودوت (وهي رواية ليست توثيقية بالضرورة)، أن النساء في مصر كنّ يرحبن بالحجّاج الذين يأتون نهر النيل بعرض فروجهن، وفي اليونان، كان الفرج نذير شؤم، لكن يمتلك قيمة طقسية أيضاً ففي أيام السبت الكرنفالية كانت النساء تخلعن سراويلهن ورموز الفروج تلصق حولهن ويأكل الجميع كعكاً على شكل فروج النساء.
الخطورة ليس فقط في مكان التحديق بل أيضاً في التحديق نفسه، إذ ينطوي على "وقاحة" الاستفسار والمعاينة، أي عدم التصديق إلا بالتفحّص طويل الأمد، وهذا لا يجوز مع "التسليم" الذي لا يمنح فرصة للتساؤل
تظهر الآثار المختلفة الموجودة للعضو الأنثوي في العديد من البلدان أنه لم يكن حاضراً فقط كرمز للخصوبة والطبيعة بل أيضاً كرمز للمواساة والحماية من الأعداء، هناك أسطورة يابانية حيث تحرم آلهة الشمس الغاضبة أماتيراسو العالم من الضوء فتقوم الإلهة آمي نو أوزومي بإضحاك السماء من خلال إظهار مهبلها.
"ثم نسي العالم الحديث الفرج الذي توغلت فيه القضبان، واضعاً سراويل داخلية على مخيلته وجاعلاً من المهبل غياباً للقضيب ووعاء بلا محتوى وتقعراً خالياً من المعنى وصحراء ثقافية"، كما يقول ديفي كافيجليولي في مقالته "عندما كان الفرج أسطورياً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...