لا شك أن تعبئة طلب التوظيف ليس أمراً ممتعاً، ولكنه "شرّ لا بدّ منه"، إن جاز التعبير.
ففي البداية، يجب إرسال السيرة الذاتية، والاستعداد لسباق طويل من المقابلات والأسئلة المعقدة أحياناً، وإرسال رسالة شكر عبر البريد الإلكتروني بعد إجراء كل مقابلة، على أمل الحصول على الوظيفة.
ومع ذلك، يبدو أن هناك خطوة عملية عند تقديم طلب التوظيف، قد يعتبر البعض أنه عفا عليها الزمن، ولكنها لا تزال مطلوبة من قبل العديد من المؤسسات: كتابة رسائل الغلاف أو التغطية(cover letter) .
هل يجب إضاعة الوقت في كتابة رسالة التغطية؟
لا يكره الكثير منّا كتابة رسائل الغلاف فحسب، بل غالباً ما يبدو هذا النوع من الرسائل بلا معنى.
فقد أظهر استطلاع أجري في العام 2017 أن 26% فقط من المواطنين/ات الأميركيين/ات يعتبرون/ن رسالة التغطية مهمة في عملية التوظيف، في حين تبدو هذه الرسائل بالنسبة للكثيرين/ات قديمة وأشبه بالسيرة الذاتية المرسلة عبر الفاكس.
يبدو أن هناك خطوة عملية عند تقديم طلب التوظيف، قد يعتبر البعض أنه عفا عليها الزمن، ولكنها لا تزال مطلوبة من قبل العديد من المؤسسات: كتابة رسائل الغلاف أو التغطية(cover letter)
ولكن في الواقع، تمثل رسالة الغلاف "فرصتنا الوحيدة" للتميّز ولإظهار ما بوسعنا تقديمه بطريقة لا يمكن وصفها بالكامل في السيرة الذاتية أو في ملف التعريف الخاص بنا على الإنترنت.
وعليه، من المدهش القول إن رسائل التغطية قد تكون مهمة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
لطالما قيل إن مثل هذه الرسائل تضيف قيمة معيّنة على السيرة الذاتية، لكونها تعرض شخصيتنا، ومن خلالها يمكن أن نشرح مدى اهتمامنا بالوظيفة، ولكن هذا هو بالضبط السبب الذي يجعل بعض الأفراد يجدون صعوبة في كتابتها، انطلاقاً من زعمهم أن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً لصياغة رسالة واحدة، ومن ثم يحتاجون إلى وقت أطول لتعديلها أو كتابة رسالة جديدة لكل طلب وظيفة.
هذا وقد تكون كتابة رسالة الغلاف أمراً شاقاً بشكل خاص إذا لم تكن الكتابة موطن قوة الشخص المتقدم إلى الوظيفة.
وفي حين أنه من الأسهل فهم دافع بعض المؤسسات لطلب رسالة الغلاف في الوظائف الإبداعية، غير أن هذا الطلب يبدو غريباً بعض الشيء في حال كانت الوظيفة تتطلب مهارات تقنية محددة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قضاء ساعات في كتابة المسودة قد يشعر المرء بمزيد من الإرهاق، مقارنة بتطبيقات أبسط وأسهل على غرار LinkedIn والذي يتطلب نقرة واحدة لاضافة كل المعلومات المطلوبة.
في الحقيقة، غالباً ما يكون من غير الواضح سبب طلب شركة معينة كتابة رسائل الغلاف في مرحلة التقديم الأولية، لا سيما وأن العديد من أصحاب المؤسسات يقرّون صراحةً بأنهم لا يقرؤون هذه الرسائل، كما أن العديد من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لفحص السيرة الذاتية بحثاً عن كلمات رئيسية، ثم تتخلص منها إذا لم تكن تلك المصطلحات المستهدفة موجودة.
وعليه، في مثل هذه الحالة، قد يسأل البعض: لماذا نكتب رسالة تغطية لطلب قد يتم رفضه حتى قبل أن يصل إلى الشخص المعني؟
بذل بعض الجهد
يرى الخبراء أنه ليس هناك من وقت أكثر أهمية من الوقت الراهن لتضمين رسالة تغطية قوية مع طلب التقدم إلى الوظيفة، وذلك نظراً لأن كتابة خطاب لائق ومفصل هي خطوة تدل على أننا نبذل بعض الجهد للحصول على الوظيفة: "أنا أنظر إليها كنوع من وضع المكياج قبل المقابلة"، بحسب ما قالت كريستي لوشر، كبيرة محاضري الإدارة في جامعة تكساس، لموقع بي بي سي.
وتعتبر رسائل الغلاف مهمة أيضاً لأنه يمكننا استخدامها لشرح أي ثغرات وتمييز أنفسنا عن الآخرين.
في الواقع، يعد شرح دوافعنا أمراً مهماً بشكل خاص إذا كنّا نحاول تغيير مهنتنا، فعلى سبيل المثال، في حال تقدمنا لوظيفة إبداعية بعد أن كنّا نعمل سابقاً في بيئة مؤسسية طوال حياتنا المهنية، فإن الهاجس الذي قد يسيطر على ذهننا: كيف يمكننا إقناع أصحاب العمل بأننا مبدعون حقاً؟
في هذا السياق، يعتبر الخبراء أن استخدام لغة مقنعة وتضمين أمثلة ملموسة في رسالة التغطية سيفي بالغرض.
ويمكن لهذه الرسالة أن تساعد بشكل استباقي في الإجابة عن الأسئلة التي قد يطرحها الشخص المسؤول عن التوظيف، وبالتالي زيادة فرص الحصول على مقابلة فعلية.
هذا ومن المهم معرفة أن الشركات لا تتعامل مع رسالة الغلاف على قدم المساواة، ففي حين أن بعض أصحاب العمل يولون أهمية كبرى لهذه الرسالة لتحديد المهارات ولمس الشغف الموجود لدى المتقدم إلى الوظيفة، فإن البعض الآخر يريد ببساطة تضمين هذه الرسالة مع السيرة الذاتية، كإشارة إلى أن المرشح/ة لم يتقدم/تتقدم بطلب لمجرد أنه/ا يمكنه/ا القيام بذلك بنقرة واحدة.
لماذا نجد صعوبة بالغة في كتابة رسالة الغلاف؟
نعلم جميعاً مدى صعوبة كتابة رسالة الغلاف التي قد تجعلنا نتقدم على جميع المتقدمين/ات للوظيفة، في ظل سوق عمل تنافسي يتطلب أحياناً الجلوس لساعات أمام شاشات كمبيوتر في محاولة لكتابة تلك "التحفة الفنية".
بالطبع، نحن لا نكتب هنا سيرة ذاتية، بل نحاول الحصول ضمنياً على موافقة الآخرين، والأصعب أننا لا نعرف من يقرأ كلماتنا ومن هم المنافسون/ات.
كشف بحث أجراه عالم النفس مارك سنايدر وزملاؤه في أواخر السبعينيات، إلى أي مدى نميل إلى تلبية توقعات الآخرين منّا، سواء كانت جيدة أو سيئة.
في تفاصيل الدراسة، تفاعل 51 رجلاً مع مجموعة من النساء عبر ميكروفون وسماعة رأس.
وقبل المحادثة، تم إعطاء الرجال صورة تعود لأنثى "جذابة" (صنفها آخرون سابقاً بدرجة ثمانية من عشرة للجاذبية) أو صورة "غير جذابة" (المرتبة الثانية من عشرة)، واللافت أنه أثناء المحادثة، اعتقد الرجال أنهم يتحدثون إلى المرأة التي سبق وأن شاهدوا صورتها.
ركز الباحثون على سلوكيات النساء، وقد اتضح أن النساء اللواتي يملن إلى الظهور على أنهنّ محبوبات وودودات أكثر هنّ اللواتي تحدثن إلى الرجال الذين اعتبروا صورتهنّ جذابة.
بعبارة أخرى، لم يقتصر الأمر على قيام الرجال بتوصيل أحكامهم دون وعي، ولكن النساء التقطن هذه التفاصيل الدقيقة وغيّرن سلوكياتهنّ وفقاً لذلك.
وبالمثل، إن وصف أنفسنا على الورق، بينما نحاول بشكل أعمى أن نرقى إلى مستوى توقعات الآخرين، يجعل الأمر يبدو وكأنه "كذبة" كبيرة.
وبالنسبة للكثيرين منّا، فإن السبب الرئيسي الذي يجعلنا نجد صعوبة بالغة في الكتابة عن أنفسنا هو أنه من السهل جداً المماطلة، لا سيما وأننا لسنا متأكدين من كيفية تصوير أنفسنا للغرباء، ونشعر بالاشمئزاز عندما يتعين علينا التحدث عن أنفسنا.
في الحقيقة، نميل إلى المماطلة في الأشياء التي تسبب لنا عدم الراحة، وعلى الرغم من أنه قد يبدو أمراً يصعب الاعتراف به، إلا أن المواقف التي نضطر فيها للكتابة عن أنفسنا يمكن أن تكون مخيفة بالفعل.
يرى الخبراء أنه ليس هناك من وقت أكثر أهمية من الوقت الراهن لتضمين رسالة تغطية قوية مع طلب التقدم إلى الوظيفة، وذلك نظراً لأن كتابة خطاب لائق ومفصل هي خطوة تدل على أننا نبذل بعض الجهد للحصول على الوظيفة
ونظراً لكون الحصول على مهنة أحلامنا هي بمثابة صفقة كبيرة، هناك بعض النصائح للمساعدة في التغلب على خوف كتابة رسالة الغلاف:
-تجاوز الضغط النفسي والبدء في الكتابة من دون مماطلة.
-السماح لشخص مقرّب بقراءة رسالة الغلاف قبل إرسالها، فهذا الأمر يساعد في الحصول على رأي موضوعي حول أسلوب الكتابة، وعلى نظرة الآخرين لنا.
-التعامل بإيجابية مع طلب كتابة رسالة التغطية، بخاصة وأن هذه الخطوة قد تضمن فرصة الحصول على الوظيفة.
وبهدف كتابة رسالة تغطية جيدة، ينبغي التوقف عند بعض النقاط الأساسية:
-"ستايل" الكتابة: بحسب الخبراء، فإن طول خطاب الغلاف والخط الذي نستخدمه مهمان. وهذا ليس لأسباب جمالية فقط. يمتلك مدراء التوظيف تفضيلات محددة في تنسيق خطاب الغلاف، ويقومون بإصدار حكم مرئي على طلب الوظيفة في ثوانٍ.
من حيث الطول، صفحة واحدة أو أقل هي الأفضل، كما تبيّن أن الخط الصحيح يمكن أن يكون له تأثير كبير على سهولة قراءة خطاب الغلاف.
في أحد الاستطلاعات، اختار 70% من المشتركين/ات Times New Roman كأفضل اختيار لهم/نّ، يليه خط Calibri و Arial، أما في المركز الأخير فجاء خط Comic Sans.
تجنب الأخطاء الإملائية: في عصر تسهل فيه التكنولوجيا تحرير المستندات، لا يوجد عذر للخطأ المطبعي. بحسب استطلاع، كشف 76% من المشتركين أنهم يرفضون تلقائياً خطاب الغلاف إذا كان فيه أخطاء إملائية.
في هذا الصدد، يمكن الاستفادة من العديد من أدوات التدقيق النحوي وأدوات التحرير المتوفرة مثل Grammarly أو ProWritingAid. التي تعمل على اكتشاف الأخطاء النحوية والإملائية، مع العلم بأنه لا يوجد بديل للمحرر البشري، لذا من المهم التأكد من تدقيق الرسالة قبل إرسالها، هذا ويمكن حتى الطلب من صديق/ة أو أحد أفراد الأسرة مراجعتها لإلقاء نظرة نهائية.
تضمين الكلمات الرئيسية ذات الصلة: من المهم تضمين الكلمات الرئيسية المستخدمة في إعلان الوظيفة، بخاصة وأن معظم أصحاب العمل يستخدمون برامج كمبيوتر تقوم بمسح طلب الوظيفة وتصفية المتقدمين غير المؤهلين، وبالتالي إذا فشل المرء في تضمين الكلمات الرئيسية الصحيحة، فقد يتم رفض طلبه قبل أن يراه المسؤول عن التوظيف.
الكذب: إن اللجوء إلى الكذب في رسالة التغطية لتحسين المؤهلات هي فكرة سيئة وراية حمراء، لكون اكتشاف الكذبة لا يهدد خسارة الوظيفة فحسب إنما يسيء إلى سمعة الشخص.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...