تتفق المصادر التاريخية الإسلامية على أن النبي محمد تعرّض لعشرات محاولات الاغتيال، في كل من الحقبتين المكية والمدنية. ويذهب الاعتقاد الإسلامي الشائع إلى أن الرسول كان محمياً من قِبل الله، وذلك في كل ما يخص أمور الدعوة والتبليغ، استناداً إلى الآية رقم 67 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
إجمالاً، قيل إن محاولات الاغتيال التي تعرّض لها النبي دبّرتها ثلاث فئات رئيسة: "المشركون"، اليهود، و"المنافقون" الذين اندسّوا ظاهرياً بين صفوف المسلمين وإنْ بقيت قلوبهم ممتلئة بكراهية الإسلام.
خطط "المشركين" لاغتيال الرسول
كانت أشهر محاولات "المشركين" لقتل الرسول تلك التي تزامنت مع بدء رحلة الهجرة إلى يثرب. يذكر ابن هشام (ت. 218هـ)، في كتابه "السيرة النبوية"، أن كبار رجالات قريش من أمثال عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبي سفيان بن حرب، وطعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم بن عدي، والحارث بن عامر بن نوفل، والنضر بن الحارث، وأبي البختري بن هشام، وأبي جهل عمرو بن هشام، اجتمعوا في دار الندوة، ليتباحثوا في أمر انتشار الإسلام، خصوصاً بعدما هاجر الكثيرون من المسلمين إلى يثرب والحبشة، ولم يبقَ في مكة إلا عدد قليل منهم.
بحسب الرواية، قدّم كل زعيم من الزعماء مقترحاً مختلفاً للقضاء على الدعوة الإسلامية، وتركزت معظم المقترحات على استهداف النبي، إذ دعا البعض إلى حبسه، ودعا آخرون إلى نفيه أو قتله، وكانت جميع تلك المقترحات تُقابَل بالرفض من قبل جمهور الحاضرين، حتى قام أبو جهل واقفاً وقال: "والله إنّ لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد... أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل –الدية- فعقلناه لهم".
تتفق الروايات على أن جميع الحاضرين أيّدوا تلك الخطة، خصوصاً بعدما أثنى عليها الشيخ النجدي المجهول الذي ترأس الاجتماع، والذي يذكر ابن هشام أنه كان إبليس/ الشيطان نفسه وقد تخفى في هيئة شيخ وقور.
بعدها، انطلقت مجموعة من المتآمرين إلى منزل النبي، ووقفوا أمام الباب وانتظروا خروج الرسول لقتله. وبحسب ابن هشام، أخبر جبريل النبي بالمكيدة التي دُبّرت له، فاستدعى ابن عمه، علياً بن أبي طالب، وقال له: "نم على فراشي، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم"، ثم خرج النبي من باب المنزل، وأخذ حفنة من التراب في يده، ورمي منها على رؤوس المتآمرين، وكان يقرأ وقتها الآيات الأولى من سورة ياسين، فغفلوا وأُغشيت أبصارهم ولم يشعروا بمرور النبي وسطهم، ولما أفاقوا مما هم فيه، مرّ عليهم أحد الأشخاص وأخبرهم أن النبي خرج من بيته منذ مدة طويلة، فاقتحموا المنزل ووجدوا أن علياً هو الذي ينام في سرير النبي، فخاب مسعاهم وبدأوا في البحث عنه.
محاولات اغتيال الرسول ظلّت قائمة أثناء رحلة الهجرة نفسها. يذكر ابن هشام أن سراقة بن مالك الجعشمي، وهو أحد الأعراب ممن كانوا يسكنون على الطريق بين مكة ويثرب، لما سمع بأن قريش وعدت مَن يقتل الرسول بمئة ناقة، جدّ في البحث عن الرسول وأبي بكر حتى وجدهما، فلما أراد أن يقتلهما عثرت به الفرس التي يركبها لأكثر من مرة، فعرف أن الرسول محمي من قبل الله عز وجل، فأنصرف من حيث أتى.
محاولات "المشركين" لاغتيال النبي لم تتوقف عند ذلك الحد، بل استمرت لسنوات بعد استقرار النبي في المدينة المنورة. على سبيل المثال، ورد في كتاب "دلائل النبوة" لأبي بكر البيهقي (ت. 458هـ)، أن زعيم قريش، أبا سفيان بن حرب اتّفق مع أحد "المشركين" على اغتيال الرسول، وأن هذا "المشرك" كتم سرّه ورحل إلى المدينة وسأل عن الرسول حتى وجده بين جماعة من أصحابه، وكان قد أخفى خنجراً في ملابسه، عزم أن ينقض على الرسول في أول فرصة سانحة، ولكن فشلت خطته بسبب فراسة الرسول ويقظة أصحابه الذين تمكنوا من القبض على الرجل وشل حركته.
محاولات اليهود لاغتيال الرسول
تتحدث بعض المصادر عن الاستهداف اليهودي المبكر للرسول، والذي وقع منذ الأيام الأولى في حياته، ومن ذلك ما ذكره ابن سعد (ت. 230هـ)، في كتابه "الطبقات الكبرى"، عن أن أم النبي لما دفعته إلى حليمة السعدية لترضعه، أخبرتها بما رأته ساعة ولادته، من أن نوراً عظيماً خرج منها ليضيء قصور الشام، فلما أخذت حليمة النبي ورجعت به إلى قومها، وجدت بعضاً من أحبار اليهود، وكانت تعرف أنهم من أصحاب العلم والتأويل، وأنهم قادرون على تفسير تلك الرؤيا الغريبة، فحدثتهم بها وقالت إنها أم هذا الطفل الرضيع، وإنها حلمت بكذا وكذا، فلما سمعوا كلامها "قال بعضهم لبعض: اقتلوه"، ثم سألوها إذا كان هذا الطفل يتيماً، فكذبت عليهم، وقالت: "لا. هذا أبوه -وأشارت إلى زوجها- وأنا أمّه. فقالوا: لو كان يتيماً لقتلناه". وتضيف الرواية أن حليمة السعدية ابتعدت عن هؤلاء اليهود، وقالت: "كدت أخرّب أمانتي".
إجمالاً، قيل إن محاولات الاغتيال التي تعرّض لها النبي دبّرتها ثلاث فئات رئيسة: "المشركون"، اليهود، و"المنافقون" الذين اندسّوا ظاهرياً بين صفوف المسلمين وإنْ بقيت قلوبهم ممتلئة بكراهية الإسلام
تتحدث المصادر الإسلامية أيضاً عن وقوع محاولات يهودية أخرى لاغتيال الرسول في المدينة المنورة، وتحديداً إبان عمليات الغزو التي شنّها المسلمون على القبائل اليهودية التي كانت تسكن في يثرب.
على سبيل المثال، وردت أخبار عن محاولتين قام بهما يهود بني النضير في العام الرابع من الهجرة، الأولى ذكرها محمد بن عمر الواقدي (ت. 204هـ)، في كتاب "المغازي"، إذ قال إن الرسول توجّه مع مجموعة من أصحابه إلى بني النضير ليطلب منهم المساعدة في دفع دية بعض القتلى، وذلك بحسب البنود الواردة في صحيفة المدينة، وإن اليهود أظهروا الموافقة، وقالوا للرسول "نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، قد آن لك أن تزورنا وأن تأتينا، اجلس حتى نتشاور ونصلح أمرنا في ما جئتنا به"، فلما جلس الرسول مع أصحابه بجوار أحد المباني، اجتمع حيي بن أخطب، زعيم اليهود، مع كبار قادة قومه وحرّضهم على اغتنام الفرصة لقتل الرسول، وكان مما قاله لهم: "يا معشر يهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة... فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي هو تحته فاقتلوه... فإنه إن قُتل تفرق عنه أصحابه، فلحق مَن كان معه من قريش بحرمهم، وبقي مَن كان ها هنا من الأوس والخزرج، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوماً من الدهر فمن الآن...". وبحسب الرواية، أخبر الوحي الرسول بتلك المؤامرة، فخرج ورجع إلى المدينة دون أن يعرف أحد، وبعدها وقعت غزوة بني النضير رداً على تلك المؤامرة، وأُجبر بني النضير على الخروج من المدينة، بينما قُتل حيي بن أخطب بين مَن قُتلوا من رجال اليهود.
أما المحاولة الأخرى التي رُوي أن بني النضير قاموا بها لاغتيال الرسول، فيذكرها أبو الحسن الواحدي النيسابوري (ت. 468هـ)، في كتابه "أسباب النزول"، في سياق تناوله للآية الثانية من سورة الحشر {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر...}، وذلك عندما يذكر أن سادات قريش بعثوا إلى يهود بني النضير يستنهضونهم لقتال النبي، فلما اجتمع اليهود للتشاور في تلك المسألة، اتفقوا على الغدر بالرسول، وبعثوا إليه أن يخرج مع ثلاثين رجلاً من أصحابه ليجتمع بثلاثين رجلاً من أحبارهم وعلمائهم، ليتشاوروا جميعاً في أمور الدين لعلهم يتحولون إلى الإسلام، ولما تلاقى الجمعان، قال اليهود لبعضهم البعض "كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟"، واتفقوا أن يرسلوا إلى النبي ليطلبوا منه أن يخرج إليهم في ثلاثة فقط من أصحابه، على أن يخرج له ثلاثة من كبار علمائهم، "فخرج النبي في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها -وهو رجل مسلم من الأنصار- فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير الغدر برسول الله، فلما كان من الغد غدا –النبي- عليهم بالكتائب فحاصرهم وقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء".
ذهب كثيرون من الصحابة إلى القول بأن الرسول توفي مقتولاً، وإن وفاته لم تكن وفاة طبيعية، وممّن يُحكى عنه ذلك الصحابي عبد الله بن مسعود
أما أشهر المحاولات المنسوبة ليهود لاغتيال الرسول، فكانت تلك التي جرت وقائعها عقب انتصار المسلمين على اليهود في غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة، والتي روى ابن كثير الدمشقي (ت. 774هـ) أخبارها في كتابه "البداية والنهاية"، فذكر أن زينب بنت الحارث اليهودية، وهي ابنة أحد زعماء اليهود الكبار الذين قُتلوا على يد المسلمين في خيبر، أرادت أن تنتقم من الرسول، فأحضرت شاة وسممتها "وأكثرت في الكتف والذراع، لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله"، ثم أرسلت بتلك الشاة إلى صفية بنت حيي بن أخطب، والتي تزوجها الرسول بعد غزوة خيبر، فلما دخل الرسول بيت صفية ومعه صاحبه بشر بن البراء بن معرور، قُدمت إليهم الشاة "فتناول رسول الله الكتف وانتهش منها، وتناول بشر عظماً فانتهش منه، فلما استرط (ابتلع) رسول الله لقمته، استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله: ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أني نُعيت فيها".
الكثير من الروايات ذكرت أن أثر السم الذي تناوله الرسول في هذا اليوم تسبب في وفاته، بعد ما يقرب من الأربع سنوات، إذ ينقل محمد بن إسماعيل البخاري (ت. 256هـ)، في صحيحه، عن عائشة بنت أبي بكر، أن النبي كان يقول لها في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري -شريان في الجسم- من ذلك السم". ولهذا، ذهب كثيرون من الصحابة إلى القول بأن الرسول توفي مقتولاً، وإن وفاته لم تكن وفاة طبيعية، وممّن يُحكى عنه ذلك الصحابي عبد الله بن مسعود، إذ ورد عنه قوله "لأن أحلف تسعاً أن رسول الله قُتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يُقتل، وذلك أن الله عز وجل جعله نبياً واتخذه شهيداً"، وذلك بحسب ما يذكر أحمد بن حنبل (ت. 241هـ)، في مسنده.
مؤامرة العقبة... أشهر خطط "المنافقين" لاغتيال الرسول
على الرغم من كون نبي الإسلام قد تعرّض للعديد من محاولات القتل والاغتيال على مدار سنوات حياته التي تعدّت الستين عاماً، فإن محاولة اغتياله في العقبة التبوكية في العام التاسع من الهجرة، تبقى إحدى أهم تلك المحاولات وأكثرها جدلاً على الإطلاق.
وردت قصة مؤامرة العقبة في العديد من المصادر التاريخية الإسلامية، ومنها على سبيل المثال كل من صحيح مسلم بن الحجاج (ت. 261هـ)، وتاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري (ت. 311هـ)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت. 630هـ).
بحسب هذه المصادر، لمّا خرج الرسول لقتال الروم وحلفائهم في شمال شبه الجزيرة العربية، وجد أن جيش الروم وحلفائهم تفرّق ولم يثبت للقتال، فرجع الرسول بمَن معه إلى المدينة. ولمّا وصل المسلمون إلى مكان يسمى بالعقبة، وهو على طريق تبوك-المدينة، وجدوا أن أمامهم وادياً واسعاً، وبجواره ممر جبلي ضيق، لا يتسع إلا لعدد قليل من المسافرين، ولهذا أمر الرسول المسلمين جميعاً بالمرور من الوادي، بينما اتّخذ هو طريق العقبة، واصطحب معه كل من حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر.
بحسب المصادر، أرسل الرسول من قبله منادياً فنادى في الجيش "إن رسول الله يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله العقبة"، وفي أثناء مرور الرسول بالعقبة، اجتمع 12 رجلاً ملثماً من أفراد الجيش، واتفقوا مع بعضهم البعض على قتل الرسول، وذلك من خلال صعود العقبة ورمي بعض الأحجار على دابته حتى تنفر وتسقط من فوق الجبل.
تُستكمل الرواية بأن جبريل أخبر الرسول بتفاصيل تلك المؤامرة، وأنه لما اقترب هؤلاء المتآمرون من دابة الرسول، بادر حذيفة بن اليمان بضرب دوابهم بعصاه، فهربوا بسرعة وقد خافوا من انكشاف أمرهم.
وتذكر المصادر أن الرسول أخبر حذيفة بأسماء هؤلاء الرجال، وأخبره بأنهم من المنافقين الذين يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فلما سأله حذيفة عن سبب عدم قتلهم، رد عليه الرسول "أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إنّ محمداً وضع يده في أصحابه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع