في عام 1943، قامت مجموعة من السيدات السوريات بنقل تجربة الرائدة المصرية هدى شعراوي، إلى العاصمة السورية، تقدمتهن المدرّسة الدمشقية ثريا الحافظ، زوجة الصحفي الشاب منير الريّس.
خرجن من بيوتهن بصمت وهن يرتدين الحجاب كالمعتاد، وعندما وصلن إلى السراي الكبير في ساحة المرجة، كشفن عن وجوههن وخلعنه عن رؤوسهن، ثم خطبت بهم ثريا ووصفت أعداء تحرر المرأة في سورية بأنهم "رجعيون"، وقالت إنهم "عملاء لفرنسا والاستعمار". رد المحافظون يومها برشقها بالبيض الفاسد والطماطم، وطالبوا السلطات المحلية بوضع حد لها ولرفيقاتها، قائلين إن تصرفاتهن تهدد المجتمع الدمشقي المحافظ.
بنت الشهيد
ولدت ثريا الحافظ في دمشق، وقد تعلّمت الثورة من مسيرة أبيها الأميرلاي أمين لطفي الحافظ، وهو ضابط في الجيش العثماني، أعدم شنقاً في ساحة الشهداء ببيروت، يوم 6 أيار 1916، بأمر من جمال باشا، حاكم سورية في زمن الحرب العالمية الثانية.
في عام 1943، قامت مجموعة من السيدات السوريات بنقل تجربة هدى شعراوي إلى العاصمة السورية تقدمتهن ثريا الحافظ. خرجن من بيوتهن وهن يرتدين الحجاب كالمعتاد، وعندما وصلن إلى السراي الكبير في ساحة المرجة، كشفن عن وجوههن وخلعنه عن رؤوسهن
وقد ذاع صيته يومها لرفضه أن يقوم أحد بوضع حبل المشنقة حول عنقه، فقام بلفّه بنفسه، ثم قفز من على الكرسي على المنصة الخشبية لينهي حياته بنفسه، دون إعطاء هذا الشرف إلى سجانه. كانت ثريا في الخامسة من عمرها يوم استشهاد أبيها، وقد عاشت في ظلّه طوال حياته، وعملت على التذكير بحياته ونضاله.
درست في مدرسة دار المعلمات، وتخرجت منها سنة 1928 لتعمل مدرسة لمادة اللغة العربية، ثم مديرة في تجهيز البنات بدمشق. شاركت في معظم المظاهرات النسائية التي خرجت في دمشق ضد الانتداب الفرنسي، وبعد زواجها من منير الريّس، شاركته بتأسيس جريدة "بردى"، التي صدر العدد الأول منها في 23 كانون الأول 1945، وصارت تكتب مقالاً أسبوعياً على صفحاتها، مطالبة بتحرير المرأة من قيد الرجل وإعطائها حقوقها السياسية والاجتماعية، مع إنهاء الحالة الذكورية المهيمنة على المجتمع السوري.
وفي نفس العام، قامت بتأسيس "دار كفالة الفتاة"، من أجل مساعدة الفتيات السوريات المتضررات نفسياً ومادياً من العدوان الفرنسي على دمشق في 29 أيار 1945.
العلاقة مع حسني الزعيم
دُعيت ثريا الحافظ إلى القصر الجمهوري للاجتماع مع الزعيم حسني الزعيم، بعد نجاح انقلابه الشهير على الرئيس شكري القوتلي في 29 آذار 1949. كان الزعيم متأثراً بالرئيس التركي كمال أتاتورك، ويرغب بتحرير المرأة السورية والقضاء على العادات الموروثة في المجتمع السوري، كارتداء الطربوش للرجال والحجاب للنساء، وقد شاطرته ثريا تلك الأفكار.
ولدت ثريا الحافظ في دمشق، وتعلّمت الثورة من مسيرة أبيها الأميرلاي أمين لطفي الحافظ، وهو ضابط في الجيش العثماني، أعدم شنقاً في ساحة الشهداء ببيروت، يوم 6 أيار 1916، بأمر من جمال باشا، حاكم سورية في زمن الحرب العالمية الثانية
تعاونت مع الزعيم في وضع دستور جديد يعطي المرأة حقها الانتخابي، كما قام زوجها، الذي تولّى إصدار صحيفة يومية، بالترويج لأفكار حسني الزعيم وطموحاته، أطلق عليها اسم "جريدة الانقلاب". ولكنها لم تستمر طويلاً بسبب إسقاط حسني الزعيم وإعدامه رمياً بالرصاص في 14 آب 1949، بعد 137 يوم من تقلّده الحكم في سورية.
الترشح للنيابة
عاد بعدها منير الريّس للعمل في جريدته الأصلية، وأكملت ثريا الحافظ في عملها التدريسي حتى سنة 1953، عندما قرّرت الترشح للنيابة في أول انتخابات برلمانية حصلت في عهد الرئيس أديب الشيشكلي. استفادت ثريا من الدستور الذي صدر في عهد حسني الزعيم، ومن دستور عام 1950 الذي جاء فيه بأن "الناخبين والناخبات هم السوريون والسوريات".
أمّا عن حق الترشح فقد ظلّ النص الدستوري ذكورياً، حيث جاء فيه: "لكل سوري أن يرشح نفسه للنيابة إذا توافرت فيه الشروط". تساءل النواب إن كانت عبارة "كل سوري" تنطبق على الإناث والذكور، أم أنها محصورة بالرجال فقط؟
وقد صدر قانون الانتخاب ليؤكد هذا الحق، وخاضت ثريا التجربة الانتخابية سنة 1953 بصفة "مستقلة"، ورفضت الدخول في قائمة الحزبين الوحيدين المشاركين في تلك المعركة الانتخابية، وهما "حركة التحرير العربي" التي كان قد أسسها الشيشكلي، و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذي كان الشيشكلي عضواً فيه قبل وصوله إلى الحكم.
دُعيت ثريا الحافظ إلى القصر الجمهوري للاجتماع مع الزعيم حسني الزعيم، بعد نجاح انقلابه الشهير على الرئيس شكري القوتلي في 29 آذار 1949. كان الزعيم متأثراً بالرئيس التركي كمال أتاتورك، ويرغب بتحرير المرأة والقضاء على العادات الموروثة في المجتمع السوري
تقول ثريا في مذكراتها إنها حصلت على عشرة آلاف صوت من أصوات الناخبين في مدينة دمشق، ولكنها لم تكفِ لإدخالها إلى المجلس النيابي، وقد وقف في وجهها جمهور عريض من المحافظين والمتدينين والمعارضين لإعطاء المرأة السورية هذا الحق. ومع ذلك، فقد دخلت التاريخ كأول سيدة سورية تدخل في معركة انتخابية وتحاول اعتلاء منصب في السلطة التشريعية.
منتدى سكينة
قبلت ثريا نتائج تلك الانتخابات، ولو على مضض، وتفرغت من يومها لإنشاء منتدى أدبي في منزلها، أطلقت عليه اسم "منتدى سكينة"، تيمناً بسكينة بنت الحسين، حفيدة الرسول. وقد أشهر المنتدى في حفل كبير في النادي العربي، وهو من أعرق المحافل الوطنية في سورية، وكان ذلك في 26 كانون الأول 1953، أي بعد أشهر قليلة من هزيمتها في الانتخابات النيابية.
وقد أرادت ثريا أن تقول للناس إن المرأة المقاتلة لا تضعفها أي هزيمة ولا يثنيها عن دربها أي معوقات. وقد حقق المنتدى شهرة واسعة في أوساط المجتمع الدمشقي، ومنه تخرّجت عدة أديبات من أمثال الروائية ألفة الإدلبي، وفيه حلّت المطربة اللبنانية فيروز ضيفة عند زيارتها سورية للمشاركة في معرض دمشق الدولي سنة 1960.
وقد سمح لمنتدى سكينة أن ينمو ويستمر، بسبب الدعم الكبير الذي حظي به من بعض رجالات سورية المتنورين والداعمين لتحرر المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، ومنهم نائب دمشق فخري البارودي، الشاعر بدوي الجبل، مدير إذاعة دمشق الأمير يحيى الشهابي ومدير المكتب الصحفي في القصر الجمهوري، الأديب فؤاد الشايب.
ثريا وجمال
كان ظهور جمال عبد الناصر على الساحة العربية نقطة تحول في حياة ثريا الحافظ، فقد أحبته كثيراً، ووصل بها الإعجاب إلى درجة العشق والهيام. أيّدت ثورته على الملك فاروق في 23 تموز 1952، وشاركت في المقاومة الشعبية الداعمة له خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.
جالت ثريا على شوارع العاصمة السورية مع رفيقاتها وشجّعت الفتيات على حمل السلاح نصرة للجيش المصري، كما أسست جمعية لرعاية الجندي السوري بعد تطوع العديد من الجنود السوريين للقتال في بور سعيد. وعند قيام الوحدة السورية المصرية، كانت ثريا الحافظ من أشد المتحمسين لها ولرئيسها، فقد قادت المظاهرات النسائية التي استقبلت جمال عبد الناصر بالورود عند وصوله دمشق في شباط 1958.
عند قيام الوحدة السورية المصرية، كانت ثريا الحافظ من أشد المتحمسين لها ولرئيسها، فقد قادت المظاهرات النسائية التي استقبلت جمال عبد الناصر بالورود عند وصوله دمشق في شباط 1958
وعند الإعلان عن أول انتخابات نيابية في الجمهورية العربية المتحدة، تقدمت ثريا الحافظ لها وفازت بالنيابة عن دمشق في الاتحاد القومي مع أربع عشرة سيدة سورية، كان من بينهم الأديبة وداد سكاكيني والناشطة سنية الأيوبي، وكلاهما من رواد منتدى سكينة.
ولكن حلم الوحدة لم يستمر وفي 28 أيلول 1961 وقع انقلاب الانفصال الذي قاده الضابط الدمشقي عبد الكريم النحلاوي ضد حكم الرئيس جمال عبد الناصر في سورية. تعترف ثريا في مذكراتها أن هذا اليوم كان الأتعس في حياتها، وعندما مات جمال عبد الناصر سنة 1970، ازداد تشاؤمها منه.
وكان مجموعة من ضباط الحركة قد سهروا في دار ثريا الحافظ قبل ساعات معدودة من وقوع الانقلاب، متظاهرين بكسب ودها عبر حضورهم إحدى أمسيات منتدى سكينة. نزلت إلى شوارع دمشق باكية غاضبة لاعتراض مظاهرة أمام مدرسة الزهراء في سوق ساروجا، ووقفت أمام الجمع الهائج وهم يهتفون ضد عبد الناصر والوحدة، قائلة: "يا قوم... أتسقطون من كنتم بالأمس تهتفون باسمه وتنعتونه بالبطل العملاق الذي لم يأتنا الزمن بمثله منذ عهد الصحابة؟".
في ذلك المساء، اتصل رجل مجهول بثريا، وهددها بالقول: "إذا لم تعجبك انتفاضتنا فتعالي إلى ساحة المرجة لنعلق مشنقتك". ثم قامت قيادة الجيش باستدعائها إلى الأركان العامة لتحذيرها من عواقب استمرارها بدعم الوحدة، وقد اجتمع بها العقيد هشام عبد ربه، وهو من ضباط الانفصال، وكان معها المدرّسة رشيقة العمري، والدكتورة ليلى الصباغ، مديرة مدرسة تجهيز البنات.
ثريا و8 آذار
رفضت تأييد الانفصال وظلّت وفيّة لجمال عبد الناصر حتى النهاية، معتبرة أن كل من وقف ضده هو خائن لسورية والعروبة معاً. وكانت فرحتها عارمة يوم 8 آذار 1963، عندما قامت مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين بانقلاب عسكري على جمهورية الانفصال، يتقدمهم اللواء زياد الحريري.
تم اعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي، وهرب رئيس الحكومة خالد العظم إلى مقر السفارة التركية، حيث حصل على لجوء سياسي من أنقرة. وقد خرجت ثريا الحافظ في مظاهرة أمام السفارة، مطالبة بتسليم خالد العظم، وفي يدها حبل أرادت أن تسحله به، كما فعل العراقيون برئيس وزرائهم نوري السعيد، يوم الانقلاب على الحكم الملكي سنة 1958.
كرمها الرئيس عبد الناصر ودعاها لمقابلته والمشاركة في أعياد ثورة 23 تموز 1963. ولكن وخلال تواجدها في القاهرة، حدث انقلاب جديد في دمشق، وقف خلفه الضابط الناصري جاسم علوان. جاء الانقلاب بعد محاولة البعثيين إزاحة الناصريين عن الحكم، ودارت بينهما معارك طاحنة وسط ساحة الأمويين، سقط خلالها عدد كبير من المدنيين والعسكريين.
وقد ألقت السلطات السورية يومها القبض على زوجها ووجهت له اتهام بالمشاركة في الانقلاب، وقامت أجهزة الأمن باقتحام دار الريّس بحثاً عن ثريا الحافظ، ولكنها لم تجدها. وقد كتبت ثريا يومها متسائلة: "هل كتب لي أن أكون بنت شهيد وزوجة شهيد؟".
ولكن وزير الداخلية في حينها، أمين الحافظ، لم يُصادق على قرار إعدام منير الريّس، وأمر بإطلاق سراحه. ولكن علاقة ثريا ظلّت متوترة مع جمهورية البعث الأولى حتى سنة 1970، عندما وصل الرئيس حافظ الأسد إلى الحكم، فبايعته كما بايعت جمال عبد الناصر من قبله، وصارت تظهر معه في الكثير من المناسبات القومية حتى وفاتها عن عمر 88 سنة 2000. وكانت قد وضعت مذكراتها التي حملت عنوان "الحافظيات" التي نُشرت في دمشق سنة 1978.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون