كشف تحقيق نشرته صحيفة الغارديان لمراسلتها في دبي كاتي ماكيو، أن السلطات السعودية تجاهلت التحقيق في قضية اختفاء سيدة فلبينية تدعى إديلين إبوردا أستوديلو منذ عام 2015. وتتهم عائلتها - التي تواصلت مع الصحيفة البريطانية - السلطات السعودية بتجاهل قضية الأم الشابة، كونها "فقيرة".
ظلت إديلين البالغة من العمر 36 عامًا (وقت اختفائها) وزوجها كريسانتو، عاطلين عن العمل لمدة ست سنوات في بلدهم الفلبين، وكانت الأمور يائسة، لذلك قررت الزوجة في أوائل عام 2015 السفر إلى الشرق الأوسط للحصول على وظيفة كخادمة، عبر إحدى وكالات التشغيل المتخصصة في إيفاد العاملات المنزليات إلى السوق الخليجي.
وسرعان ما حصلت الأم الشابة على عمل في منزل زوجين بالطائف السعودية. لكن بعد فترة وجيزة اتضح لعائلتها أن الأمور ربما لا تسير على ما يرام.
بمجرد وصولها، صادرت العائلة السعودية هاتف إديلين، ومنعتها من التحدث إلى أسرتها بحريّة، على أن تجري مكالمة واحدة شهرية إلى عائلتها تحت رقابة أصحاب البيت. خلال هذه المحادثات القليلة ، ألمحت إديلين إلى زوجها كريسانتو أنها تتعرض إلى الإيذاء الجسدي.
في إحدى المحادثات، طلبت إديلين التحدث إلى أطفالها. وعندما أدركت أنهم في المدرسة بدأت تبكي. في الخلفية، سمع كريسانتو صراخ امرأة، يبدو أنها من أرباب عمل إديلين، تقول لها: "توقفي! توقفي عن ذلك فوراً!"، ثم انقطع الخط. جرت تلك المكالمة في 26 آب/أغسطس 2015. ومن وقتها/ انقطعت أخبار إديلين.
بمجرد وصولها، صادرت العائلة السعودية هاتف إديلين، ومنعتها من التحدث إلى أسرتها بحريّة، على أن تجري مكالمة واحدة شهرية إلى عائلتها تحت رقابة أصحاب البيت
الاختفاء في الخليج
تعتمد دول الخليج الغنية بالنفط على ملايين المهاجرين من دول في إفريقيا وآسيا ودول عربية فقيرة، للقيام بوظائف منخفضة الأجر في البناء والضيافة والعمل المنزلي. وتعد السعودية هي الوجهة الرئيسية للعمال الفلبينيين في الخارج. لكن البعض، مثل إديلين، لم يعودوا إلى أوطانهم أبداً.
تعمل عاملات المنازل في الخليج بموجب نظام الكفالة، الذي يربط وضعهن القانوني بصاحب العمل. وعلى الرغم من أن مصادرة الكفيل جواز سفر العامل صار تصرفاً غير قانوني الآن في معظم دول الخليج، وممنوع في السعودية منذ عام 2015، لكن عادة ما يستولي أرباب الأعمال على جوازات سفر العمال، ما يمنح صاحب العمل سلطة التحكم في تحركات العاملين. وإذا خرقت عاملة المنزل العقد وغادرت، أو هربت إذا كانت ضحية سوء المعاملة، تُعتبر مجرمة، ولا تتمكن من العودة إلى بلادها أو الالتحاق بعمل آخر كونها لا تملك جواز سفرها.
وأثار نظام الكفالة انتقادات واسعة النطاق من المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، حيث وصفته هيومن رايتس ووتش بأنه "مسيء" و "استغلالي".
وتقول مراسلة الغارديان إنها راجعت أكثر من 40 صفحة من المستندات ورسائل البريد الإلكتروني التي أرسلتها أسرة إديلين لمعرفة مصيرها، لكن العائلة لم تتلق أية إجابة من السلطات السعودية.
الوثائق التي راجعتها الغارديان، "ترسم صورة محيرة" وتكشف أن السلطات الفلبينية ووكالة التوظيف لم تفعلا شيئًا للمساعدة في تحديد موقع إديلين لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، بعد إخبارهم بأنها ربما تعرضت للأذى.
ويظهر أن أول تحرك فلبينى جرى في كانون الأول/ديسمبر 2015، عندما اتصلت القنصلية الفلبينية في جدة بصاحب عمل إديلين، وهو مواطن سعودي تعرف صحيفة الغارديان اسمه، ولكن تم حجبه لأنه لم يتم الاتصال به للتعليق.
بعد تلك المكالمة قدم صاحب العمل السعودي بلاغاً إلى السلطات يفيد بأن إديلين قد هربت في 21 أيلول/سبتمبر 2015 (بعد شهر من انقطاع أخبارها)، وبالتالي يبرِّئ نفسه من مسؤولياته تجاهها.
بموجب نظام الكفالة، سواء كانت ميتة أو على قيد الحياة، تعتبر إديلين الآن مجرمة بسبب الفرار. وتبنت القنصلية الفلبينية في جدة رواية صاحب العمل من دون تحقيق أو مراجعة.
وقالت القنصلية: "إن بلاغ الهروب المقدم من صاحب العمل إلى سلطات الهجرة والجوازات، يعفيه من أي مسؤولية عما سيحدث للعامل الخاضع له. وبالتالي، لا يوجد أساس قانوني لإقامة دعوى ضد صاحب العمل المذكور في هذا الوقت". وصل هذا الرد عبر بريد إلكتروني إلى العائلة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وكانت إديلين - حينها- في عداد المفقودين منذ 15 شهرًا.
تقول مراسلة الغارديان إنها راجعت أكثر من 40 صفحة من المستندات ورسائل البريد الإلكتروني التي أرسلتها أسرة إديلين لمعرفة مصيرها، لكن العائلة لم تتلق أية إجابة من السلطات السعودية
رواية العائلة
لا تعتقد عائلة إديلين أنها هربت، وتقول إنها كانت ستتصل بهم. ويصر أفرادها على أنه "من المستحيل أن تقطع الأم الشغوفة بأسرتها طواعية الاتصال بأطفالها" على مدى السنوات الستة التي اختفت فيها. وتقول إحدى أفراد أسرتها وتدعى لو: "أعتقد أن صاحب عملها قد أساء إليها، إذا ماتت، نود أن نعرف مكانها".
وقال ناشط سعودي عمل على قضية اختفاء إديلين - تحفَّظ على ذكر اسمه-: "في بعض الأحيان، يتعاملون مع هذه الحالات على أنها مجرد قضايا، على الرغم من أن عاملات المنازل بشر، وتتأثر حياتهن وأسرهن"، وأضاف: "كان من الممكن التحقيق فيها (القضية) بشكل أكثر شمولاً".
"الإبلاغ الكاذب عن هروب عاملة منزلية في عداد المفقودين، طريقة يستخدمها أصحاب العمل لتجنب دفع رواتب الخادمات، مع الاحتفاظ بهن وإجبارهن على العمل من دون أجر ولا حقوق (عبودية) من دون عواقب تذكر"
وتذكر روثنا بيغم، باحثة أولى في مجال حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، إنه "ليس من الشائع فقط أن يقدم أصحاب العمل تقارير كاذبة عن الهروب"، ولكن في بعض الأحيان يفعلون ذلك عندما تكون العاملة المنزلية لا تزال في حوزتهم.
وأضافت بيغم إن الإبلاغ الكاذب عن هروب عاملة منزلية في عداد المفقودين، هو أيضاً طريقة يستخدمها أصحاب العمل لتجنب دفع رواتب الخادمات، مع الاحتفاظ بهن وإجبارهن على العمل من دون أجر ولا حقوق (عبودية) من دون عواقب تذكر. وذكرت قضية احتُجزت فيها عاملة منزلية هندية في السعودية وأجبرت على العمل في بيت سعودي من دون أجر أو حقوق لمدة 16 عاماً، إلى أن تمكنت من إيصال رسالة إلى عائلتها.
وأردفت بيغم: "لم يُلق القبض على صاحب العمل في تلك الواقعة بسبب العمل الجبري أو العبودية المنزلية، أو حتى بموجب جريمة صغيرة تتمثل في مصادرة جواز السفر".
بموجب نظام الكفالة، سواء كانت ميتة أو على قيد الحياة، تعتبر إديلين الآن مجرمة بسبب بلاغ صاحب العمل أنها قامت بالفرار
على قيد الحياة؟
كان من الممكن أن يساعد البحث في منزل صاحب عملها بعد فترة وجيزة من اختفائها في تحديد ما إذا كانت على قيد الحياة. لكن الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان تشير إلى عدم إجراء أي بحث حقيقي.
ذكر تقرير في كانون الثاني/يناير 2018 من إدارة التوظيف بالخارجية الفلبينية، أنه تم تقديم طلب لتفتيش المنزل إلى السلطات السعودية في كانون الثاني/يناير2017، أي بعد عامين تقريباً من اختفاء إديلين. ومع ذلك، مر عام بعد تقديم الطلب من دون أن تتلقى الخارجية الفلبينية رداً من السعودية.
لم يرد مركز الاتصال الدولي التابع للحكومة السعودية على أسئلة الغارديان حول ما إذا كان قد قدم المساعدة في قضية إديلين، وما إذا كانت السلطات السعودية تحقق في أية تقارير عن عمال مهاجرين مفقودين.
وتؤكد بيغم أن الحكومات في الخليج لا تجري تحقيقات عن العمال" المفقودين"، مضيفة أن الافتراض هو أنهم هربوا ويعملون كعمال غير موثقين.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إن الأعداد الدقيقة للعمال المهاجرين المفقودين في الخليج غير واضحة.
وتذكر بيغم: "يختفي العديد من العمال كل عام، ويجب على حكومات بلدان المهاجرين الأصلية تتبع ذلك، حتى عندما لا تقوم حكومات الخليج بذلك. إذ أن عائلات المختفين عادة ما يلجأون إلى سلطات بلادهم عندما يفقدون الاتصال بأفراد أسرهم العاملين في دول مثل السعودية".
ووجهت ابنة إديلين رسالة عبر الغارديان، قالت فيها: "أتمنى أن أرى أمي في عيد ميلادي، فستكون هذه أفضل هدية على الإطلاق… أفتقد رعاية أمي، أنا أفتقدها بشدة. نحن لسنا أغنياء، لكن وجود عائلة كاملة كان كافياً بالنسبة لي. إنها أفضل أم في العالم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...