شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
اللاجنسية في عالمنا العربي

اللاجنسية في عالمنا العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 21 أغسطس 202101:32 م

يُعد الحديث عن الجنس "عيباً"، في مجتمعاتنا العربية، وغالياً ما نشعر بالخزي، والإحراج، عندما يخبرنا أحدهم عن علاقاتهم، وانتماءاتهم الجنسية. ماذا عن اللاجنسية؟ وماذا يعني أن تكون لا جنسياً في مجتمع محافظ، وتقليدي؟

لا تزال الأبحاث التي تدرس الجنس في العالم، شحيحةً، وغير متجددة. وفي العالم العربي، لا يزال كثيرون من الباحثين والباحثات، في علوم الجندر والجنس، يعانون من إيجاد مصادر علمية باللغة العربية، تتحدث عن هذه المواضيع، وأنا واحدة منهم. إذ لا توجد أي دراسات علمية باللغة العربية، عن الجنس، وأبعاده، وعلاقته بالمجتمع، والسياسة، والاقتصاد، والدين، والأخلاق، والهوية، الخ...

وعند الحديث عن اللاجنسية، فإن معظم ما كُتب عن هذا الموضوع، كان باللغة الإنكليزية. فكيف لنا أن نفهم معناها، وأبعادها، وعلاقتها بالسلوك الإنساني، وعلاقتها بالمجتمع، في مختلف مراحلنا العمرية. وإذا كنت لا جنسياً، في مجتمع لا يحب سماع ما يخالفه، فإلى من تلجأ، لفهم ما تمر به؟

لم أجد سوى كتاب واحد يتحدث عن اللا جنسية، باللغة العربية، وهو بقلم آلاء ياسين طه، الناشطة العراقية الشابة التي أعلنت انتماءها، وتوجهها اللا جنسي، عبر منصة تيديكس بغداد عام 2018.

تحدثت آلاء، في خطابها، عن الوحدة التي شعرت بها، وقلة وعي المجتمع، وجهله، وعن العوامل التي دفعتها إلى دراسة ما كانت تمر فيه، واكتشاف الحقيقة في النهاية. كما وضّحت أن الجنس لا يعني الشيء نفسه للجميع، وأن العلاقات العاطفية الرومانسية موجودة من دون الجنس.

ولأن 6 نيسان/ أبريل 2021، يُعد أول يوم عالمي للاحتفال باللا جنسية، دعونا نلقي الضوء على هذا الموضوع بالعربي، ونثير التساؤلات حوله.

اللاجنسية

اللاجنسية تعني عدم الانجذاب الجنسي، والشخص اللا جنسي هو الذي لا يشعر بانجذاب جنسي نحو أيٍّ من الجنسين. بمعنى آخر، وكما تعرّفه شبكة الظهور والتعريف اللا جنسية the Asexual Visibility and Education Network ، فالشخص اللا جنسي هو الذي لا ينجذب إلى الناس جنسياً، ولا يرغب في التصرف بناءً على الانجذاب نحو الآخرين، بطريقة جنسية. وقد يشعر بانجذاب جنسي في النادر، أو تحت ظروف معينة.

يُعد الحديث عن الجنس "عيباً"، في مجتمعاتنا العربية، وغالياً ما نشعر بالخزي، والإحراج، عندما يخبرنا أحدهم عن علاقاتهم، وانتماءاتهم الجنسية. ماذا عن اللاجنسية؟ وماذا يعني أن تكون لاجنسياً في مجتمع محافظ، وتقليدي؟

هناك ما يقارب 1% من اللاجنسيين في العالم، وفقاً للعالم أنتوني بوغارت، أحد كبار العلماء في هذا الموضوع. وإذا تم إحصاء 1% من الأعداد السكانية في الوطن العربي، نجد أنها تبلغ 3،590،000 شخصٍ من أصل 359 مليون مواطن، استناداً إلى كتيب اللاجنسية لآلاء طه.

ماذا تعني الألوان في علم اللا جنسيين؟

تم إقرار علم اللاجنسية، من قِبل شبكة الظهور والتعريف اللاجنسية AVEN ، في عام 2010، وهو يتمثل بالألوان التالية: الأسود، والرمادي، والأبيض، والبنفسجي.

الأسود يرمز إلى اللاجنسي، الذي قد يكوّن علاقاتٍ رومانسية، أو عاطفية، ولكن من دون انجذاب جنسي، بينما يرمز الرمادي إلى اللاجنسيين الرماديين، وإلى النصف جنسيين، الواقعين بين الجنسية واللاجنسية. أي قد يبني الشخص اللا جنسي الرمادي انجذاباً جنسياً نحو الآخر، في النادر، وحسب ظروف معينة. أما النصف جنسيّين، فهم الذين بإمكانهم اختبار شعور الانجذاب الجنسي، بعد تكوين رابطة عاطفية قوية مع شخصٍ ما. أما بالنسبة إلى اللون الأبيض، فهو يمثل الحلفاء الجنسيين الداعمين للا جنسيين. وأخيراً البنفسجي الذي يرمز إلى المجتمع.

اللاجنسية والهوية

كثيرون من اللاجنسيين لم تكن لهم دراية بالمصطلحات العلمية التي تساعدهم على وصف هويتهم، وانتماءاتهم الجنسية، واللا جنسية. ما يصعّب ذلك، هو عدم توافر المعلومات الكافية عن فهم شعور اللا جنسية، سواء عالمياً، أو في الوطن العربي، كما ذُكر سابقاً. وفي العلاقات الرومانسية، على سبيل المثال، ولأن الجنس عادةً ما يكون جزءاً متوقعاً في العلاقة، بل ومن المعتاد أن يُنظر إلى الانجذاب الرومانسي، والجنس، على أنهما واحد، قد يكون من الصعب على الشخص أن يدرك أنه لا جنسي. وعادةً ما يتم إنكار اللا جنسية في المجتمع، لأنهم يعتقدون بأن من يصرح بأنه لا جنسي، هو شخص كاذب، وعديم الخبرة، أو ربما مريض. فغالباً ما يُنظر إلى الانجذاب الجنسي على أنه سمة من سمات الإنسان، في كل مكان.

وقد تعتقد أقلية من الشبان والشابات، في مرحلة معينة من مراحل نموهم، واكتشافهم لحياتهم الجنسية، بأنهم لاجنسيون، خاصةً أن عالمنا العربي يعدّ من يكبت المشاعر الجنسية (للمرأة أكثر من الرجل)، القدوة، ويعيب من كانت لديهم تساؤلات عن الجنس، كلهم، ما يؤدي إلى عدم فهم التغييرات التي يمر بها الشاب/ة، ويدفع بهم إلى التفكير في أنهم لا جنسيون.

تعتقد أقلية من الشبان والشابات، في مرحلة معينة من مراحل نموهم، واكتشافهم لحياتهم الجنسية، بأنهم لاجنسيون، خاصةً أن عالمنا العربي يعدّ من يكبت المشاعر الجنسية (للمرأة أكثر من الرجل)، القدوة، ويعيب من كانت لديهم تساؤلات عن الجنس

هل يمكن للا جنسيين الزواج، والارتباط، وتكوين علاقات رومانسية، على الرغم من عدم رغبتهم في الجنس؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب توضيح أن النشاط الجنسي بشكل عام، ليس أبيض، أو أسود. يجب أن نتخلص من فكر مجتمعنا "الساذج" الذي، في الحقيقة، يخاف من مصارحة نفسه عند الحديث عن الجنس.

تشير الأبحاث العلمية، إلى أن الانجذاب الجنسي البحت، والانجذاب الرومانسي، لهما تأثيرات مختلفة على كيمياء الدماغ، وعلى استخدام أجزاء مختلفة من الدماغ. في عمله حول اللا جنسية، يشرح أنتوني بوغارت، كيف أن هذا يأتي من مراحل مختلفة من العملية التطورية. بالنسبة إلى الأشخاص اللا جنسيين، فقد يواجهون انجذباً، وقرباً رومانسياً، من دون الحاجة إلى الاتصال الجنسي بشريكهم. وقد يطمح البعض إلى تكوين علاقات عاطفية/ رومانسية، بل وتكوين أسرة، والإنجاب، مثلهم مثل أي إنسان يريد تكوين أسرة. ومع ذلك، لا يعني بالضرورة استمتاعهم بالجنس.

وهناك حالات يشعر خلالها اللاجنسيون بالمتعة الجسدية، من الأنشطة الحسية، ولكن ليس الجنسية. قد يشمل ذلك أشياء مثل الاحتضان، أو التقبيل، أو أشكال أخرى من الاتصال الجسدي، أو العناق، والتي لا ترقى إلى مستوى الجنس، بينما لا تزال تفي باحتياجاتهم.

في دراسة هولندية هدفت إلى استكشاف قصص حول اللا جنسية بين النساء، عبر مواضيع شملت: الهوية اللا جنسية، والتجربة الذاتية للجنس، والنشاط الجنسي، والتجربة الذاتية للحب، والعلاقات بالشريك، وجد الباحثون تبايناً كبيراً في:

(أ) تجربة الجنس والعلاقة الجسدية، و(ب) الحب والعلاقات. إذ أوضحت بعض النساء المشاركات في الدراسة، أن الانخراط في الجنس، كان يعتمد بشكل أساسي على الرغبة في الامتثال لرغبات الشريك. في حين لم يحبذ البعض الآخر فكرة تكوين أي علاقة، سواء أكانت جنسية، أو رومانسية. وأخيراً، توصلوا إلى أن كثيرات من النساء المشاركات فصلن بين الحب والجنس. (إلين فان هودينهوف، ولوك جيجس، وجاي تسجون، وبول إنزلين، 2015).

كثيرون منا يعتقدون بأن اللا جنسي هو شخص بارد، ومعقد، أو مضطرب نفسياً؛ وذلك ليس صحيحاً بتاتاً. فاذا كنت شخصاً لا جنسياً، فأنت طبيعي تماماً. عدم انجذابك إلى شخص آخر، سواء أكان من الجنس نفسه، أم من الجنس المغاير، لا يعني أنك مضطرب نفسياً، ولا جسدياً

في حين لم تحبذ بعض المشاركات فكرة تكوين علاقة، سواء رومانسية أو جسدية، عبرت أخريات عن أنهن يحببن أن يكون لديهن شريك. إذ أشارت إحدى المشاركات إلى أنها ترغب في تجربة الوقوع في الحب. وعند الحديث عن كيف ستبدو العلاقة المثالية بالنسبة إليهن، تمنت غالبية المشاركات أن تكون هذه العلاقة من دون عنصر جنسي، أو حتى علاقة مع شخص آخر لا جنسي. وذكرت إحدى المشاركات أنها تحتمل إقامة علاقة مع شخص يريد العناق والتقبيل فحسب، ولكن لديها أيضاً رغبة منخفضة في ذلك. (إلين فان هودينهوف، ولوك جيجس، وجاي تسجون، وبول إنزلين، 2015).

قد يكون إنشاء العلاقات، من أصعب التحديات التي يمر بها اللا جنسي، لقلة وجود الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المجموعة. ومع ذلك، هناك العديد من الأشخاص اللا جنسيين المتزوجين، أو المرتبطين. أتخيل أن الوضع هذا يتطلب العديد من التضحيات، والكثير من التواصل، والكثير من الحب. فحقاً، الحب لا يعني الجنس، وقد تُبنى علاقات حميمية ورومانسية من دونه.

ماذا عمّن لا يفكر في الزواج، لعدم رغبته في تكوين علاقة، سواء أكانت جنسية جسدية، أو حتى رومانسية؟

سوف يُشكَّ في أمره، ويُسخر منه، بل وستتساقط عليه الاقتراحات، و"الحلول"، من الاتجاهات جميعها. بالنسبة إلى الرجل العربي، سيتم التشكيك في رجوليته، ودعوته لتعاطي الحبة الزرقاء، وغيرها من العقاقير الطبية، وربما الحلول العشبية الطبيعية، لإيقاظ الدافع الجنسي عنده. أما بالنسبة إلى المرأة، فستُرغم على الزواج لا محالة. وإذا انتهى بها الأمر مع شريك لا يفهم حالتها الجنسية، فستُضرب، وتُهان، وتتعرض للعنف الجسدي، والنفسي، والاغتصاب الزوجي.

كثيرون منا يعتقدون بأن اللاجنسي هو شخص بارد، ومعقد، أو مضطرب نفسياً؛ وذلك ليس صحيحاً بتاتاً. فاذا كنت شخصاً لا جنسياً، فأنت طبيعي تماماً. عدم انجذابك إلى شخص آخر، سواء أكان من الجنس نفسه، أم من الجنس المغاير، لا يعني أنك مضطرب نفسياً، ولا جسدياً. اللا جنسية لا يجب أن تجنبك تكوين صداقات، وعلاقات، سواء أكانت عاطفية، أم لا (هناك لا جنسيون مرتبطون، ومتزوجون أيضاً). اللا جنسية ليست معياراً لتقييم أهميتك في المجتمع. تذكّر أن اختلافك عن الجميع، لا يعني قصورك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard