يقولون إننا في بداية الانهيار الاقتصادي وإن لبنان لن يتعافى قبل 12 عامًا وإنّ الشعب اللبناني يستحق كل ما يحصل له، لأنه هو نفسه من نصّب الفاسدين أولياءً عليه .
ليلة أمس، وأثناء جلوسه في الظلام، علم الشعب اللبناني أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قرّر رفع الدعم عن المحروقات لأن مصرف لبنان المركزي لم يعد قادرًا على فتح خطوط ائتمان لواردات الوقود أو دعم شرائه. وعلم أيضًا أن أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ومعهم الصحافيون تعرّضوا للضرب المبرح من قبل عناصر شرطة مجلس النوّاب أثناء احتجاجهم أمام قصر الرئيس نبيه برّي في عين التينة. على التلفاز، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن عدم دعمه لقاضي التحقيق في ملف انفجار بيروت، وقال: “هذا المحقق يشتغل سياسة والتحقيق مسيس والمطلوب إعادة الملف الى المسار الطبيعي”.
السائق يعود إلى منزله
تصلنا الأخبار أسرع من قدرتنا على إدراكها والمأساة المرتبطة بها تتشعّب في كل تفاصيل حياتنا. سيتخطّى سعر صفيحة البنزين الـ300 ألف ليرة لبنانية وستصبح القدرة على التنقل رفاهية لا يملكها أغلب الناس.
في سيارة الأجرة يحكي السائق السبعيني أنه أوصل سيدة من منطقة الشوف إلى بيروت بمبلغ 40 ألف ليرة لبنانية. سيتوجّب عليه دفع 15 ألف ليرة منها للمكتب الذي يعمل فيه. يسكت، ومن ثمّ يقرّر العودة إلى منزله فالطرقات التي تقفل يوميًا بسبب الاحتجاجات جعلته ينتظر في الزحمة لساعات وبالتالي أفقدته قيمة عمله لهذا اليوم. يوم غد سيتوجّب عليه الانتظار في الطابور أمام محطّة الوقود لملء خزّانه وخوض نهار جديد من الذل.
التعاسة على وجوه الناس في لبنان لا توصف. الوجع الشخصي الذي كنّا لا نراه صار وجعًا عامًا يجول بيننا
التعاسة على وجوه الناس في لبنان لا توصف. الوجع الشخصي الذي كنّا لا نراه صار وجعًا عامًا يجول بيننا. للانهيار الاقتصادي ملامح تطغى على كل شيء آخر، وللذل تعريف نشعر به حين نفتح البراد ونرى طعامنا قد فسد. حين نحاول أن نستحم وتنقطع المياه. حين نحاول أن نشتري طعامنا ولا نقدر بسبب الغلاء الفاحش.
لم يعد لدينا أحاديث إلا تلك المرتبطة بالمأكل والمشرب والكهرباء والمياه. نتنقّل من منزل إلى آخر، من الجنوب إلى الشمال بحثًا عن ساعات قليلة من الكهرباء لكي نحظى بليلة نوم هانئة فقط.
في يومياتنا نفتقد كل مقوّمات الحياة الطبيعية لأن البلاد صارت غير قابلة للحياة.
"اللّي بيزرع هوا بيحصد ريح"
يبتسم الأصدقاء أحيانًا حين يسهون عن الواقع الذي يقبعون بداخله. يتجمّعون في منزل يتمتّع بإمداد جيدّ من الكهرباء وهناك يضعون مأكولاتهم في البرّاد. تبكي المرأة لأن صاحب المولّد رفع التسعيرة هذا الشهر وبالتالي عليها أن تدفع أربعة ملايين ليرة لبنانية. تبكي لأنها لا تملك المبلغ ولأن راتبها لا يتخطّى المليون ليرة. يكتئب الرجل لأنه فقد مصلحته ولا يريد أن يبدأ من الصفر ولأن النادي الرياضي الذي يقصده أقفل أبوابه بسبب عدم توفّر مادّة المازوت. في أيامه الأخيرة سمح صاحب النادي للزبائن بأن يتدرّبوا على العتم ما داموا يستخدمون أضواء هواتفهم.
في الصيدليات أدوية السرطان مقطوعة وفي المجلس النيابي هناك من يحاولون التفلّت من العقاب. مضت سنة كاملة ولم يحاسب فرد واحد في جريمة مرفأ بيروت. أهالي الضحايا يريدون التصادم مع السلطة لأن الشفاء الوحيد من الصدمة سيكون من خلال الانتقام.
في اللقاءات المليئة بالذعر من القادم، هناك من يبكي وهناك من لا يكترث وهناك من يردّد: “اللي بيزرع هوا بيحصد ريح”
نمشي في العتم. ننام في العتم. المستشفيات بدأت للسبب عينه بنقل الحالات الحرجة إلى مستشفيات تملك مولّداتها الخاصّة كي لا يموت المرضى. كل هذا كان قبل إعلان رياض سلامة ليلة أمس عن رفع الدعم. وبالتالي العتمة ستحل علينا جميعًا.
في اللقاءات المليئة بالذعر من القادم، هناك من يبكي وهناك من لا يكترث وهناك من يردّد: “اللي بيزرع هوا بيحصد ريح”
كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء
ليلة ثورة 17 تشرين/أكتوبر من العام 2019 وفي الضاحية الجنوبية تحديدًا، صرخ الشاب اللبناني عبر بث مباشر أن كربلاء هذا العام يجب أن لا تكون في العراق بل هنا في لبنان، لأن الناس يعيشون الذل يوميًا. كان ذلك قبل كل هذا الذل الذي جاء ليخضعنا.
اليوم، كتب أهالي حي السلم عبر صفحة خاصّة بالمنطقة على فيسبوك: “يعيش أهالي حي الجامعة - مشروع الملاك في ظلام رهيب بسبب عدم توفر المازوت وعدم القدرة على الشراء من السوق السوداء بمبلغ ٣٥٠ ألف ليرة للتنكة.أهالي الحي يناشدون أي شخص بإمكانه توفير المازوت. إذ يشهد الحي حالة من البلبلة وانقطاع المياه وتسكير الأرزاق كاملة. لم يبخل أهالي المنطقة بتقديم دمائهم عند أي معركة وحتى الآن لم تتم المساعدة من أي من المعنيين من أحزاب المنطقة”.
المناشدات نفسها تتكرّر في مختلف المناطق، والناس يتلقّون الرد نفسه. الأحزاب غائبة والدولة غير موجودة.
كربلاء هذا العام يجب أن لا تكون في العراق بل هنا في لبنان، لأن الناس يعيشون الذل يوميًا
أمام قصر الأونيسكو، صباح اليوم، حين حاول أهالي الضحايا إيقاف جلسة مجلس النواب تمت مهاجمتهم وتذكيرهم بأن السلطة أهم منهم.
الجلسة لم تنعقد ولم يتم نقل ملف التحقيقات من القاضي طارق بيطار إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء. والأهالي الذي خسروا أجزاءً منهم في انفجار المرفأ يقدمون اليوم ما تبقى من أرواحهم بهدف تحقيق العدالة في بلد يٌقتل المواطن فيه عبر حرمانه من التحرك ومن الطعام ومن العمل وعبر محاصرته بالظلام وبالذل المستمرين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع