شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كيف تؤثر الثقة بالنفس على صحتنا الجسدية والنفسية؟

كيف تؤثر الثقة بالنفس على صحتنا الجسدية والنفسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 أغسطس 202105:23 م

ماذا لو قيل لكم/نّ إن هناك دواء "خارقاً" لا يكلّف شيئاً ويساهم في علاج القلق والاكتئاب، بالإضافة لتعزيز الذاكرة، إبطاء الشيخوخة وزيادة الشعور بالسعادة؟

في الحقيقة، إن هذا الدواء "المعجزة" لا يباع في الصيدليات، بل هو موجود داخل كل شخص منّا، تحت مصطلح "الثقة بالنفس".

كيف تلعب الثقة بالنفس دوراً مهماً في تعزيز صحتنا النفسية والجسدية؟

"مفتاح" الصحة النفسية

تشير الثقة بالنفس إلى مدى إيماننا بقوتنا وبمواهبنا وقدراتنا، وتدلّ على الموقف الذي لدينا تجاه نفسنا، هذا يعني مدى إيماننا بأنفسنا لتحقيق أهدافنا.

في حوار أجراه موقع رصيف22، مع الأخصائية في علم النفس لانا قصقص، حول أهمية الثقة بالنفس لتعزيز الصحة النفسية، أوضحت أن الثقة بالنفس هي مفتاح النجاح والسعادة والرضا، مشيرة إلى أن تحلي المرء بالثقة بالنفس يمكّنه من وضع أهداف معيّنة والسعي نحو تحقيقها.

وأضافت لانا: "قد يكون لدى الشخص أفكار خلّاقة وأموال طائلة وقدرات جسدية معيّنة، ولكن في حال لم تكن لديه الثقة بالنفس لاستخدام الموارد الجسدية والنفسية فإن كل شيء يفقد قيمته".

وعليه، أشارت قصقص إلى أن الثقة بالنفس هي سبب جوهري لتحقيق الرضا في الحياة، منوهة بأنها أمر مكتسب ويمكن للمرء أن يحفّز نفسه بطرق معيّنة.

لقد تبيّن أن اعتقاد المرء بأنه قادر على مواجهة التحديات يمكن أن يغيّر البنية المادية لعقله للأفضل ويدفعه لتحسين حياته، وفق ما جاء في كتاب How Confidence Works، والذي يشرح فيه الأستاذ الفخري لعلم النفس إيان روبرتسون، التأثيرات العديدة للثقة بالنفس على الدماغ والجسم.

"قد يكون لدى الشخص أفكار خلّاقة وأموال طائلة وقدرات جسدية معيّنة، ولكن في حال لم تكن لديه الثقة بالنفس لاستخدام الموارد الجسدية والنفسية فإن كل شيء يفقد قيمته"

من عوامل القوة الكامنة وراء الثقة بالنفس أنها تعمل على دوائر المكافأة في دماغنا: عندما نتوقع أن نكون قادرين على تحقيق شيء ما، فإن دماغنا يطلق الدوبامين، وهو ناقل عصبي له تأثيرات طبيعية تعزز السعادة، ما يجعل الثقة "عقاراً فعالاً للغاية في مكافحة القلق"، بحسب ما كتب إيان روبرتسون.

يكتسب الدوبامين تأثيراً أكثر قوة لأنه يشجعنا على وضع نفسنا في مواقف معيّنة يمكن أن تزيد من ثقتنا بنفسنا.

على سبيل المثال، إذا كان المرء واثقاً من أنه ناجح في وظيفته، فسوف يقدم نفسه للترقية، ما سيجعله يشعر بمزيد من الإيجابية تجاه حياته المهنية في المستقبل، أما في حال لم يكن واثقاً من نفسه، فهذا سيعني بأن حياته المهنية سوف تتراجع، ما سيجعله يشعر بثقة أقل في المستقبل.

في سياق متصل، تبيّن أن الثقة بالنفس من شأنها تعزيز الذاكرة، وهو أمر ضروري لضمان صحة الدماغ البشري مع مرور الوقت.

اختبرت دراسة أًجريت في العام 2012 من جامعة إكستر، ذاكرة الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة المتساوية في منتصف الستينيات من العمر، وفي حين تبيّن أن معظم الأفراد المشتركين لديهم مستوى صحي من الذاكرة، إلا أنه تم إعطاء مجموعة واحدة ورقة لقراءتها قبل الاختبار مباشرة، والتي تحتوي على معلومات مصممة لجعل المشتركين يشعرون بثقة أقل بشأن ذكرياتهم.

وقد أدى هذا الأمر إلى تغيير كبير في مدى جودة أدائهم، حيث أجرى أكثر من 70% منهم الاختبار بشكل سيء للغاية، لدرجة أنهم صُنِّفوا على أنهم معرضون لخطر الإصابة بالخرف.

الثقة مع التقدم في العمر

كشف إيان روبرتسون أن التمييز ضد الشيخوخة أو غيرها من أشكال التحيز، مثل التمييز على أساس الجنس أو العنصرية، يمكن أن يقلّل من الأداء الذهني عن طريق تقليل ثقة المرء بنفسه: "إذا كنتم/نّ على دراية بهذه الصورة النمطية أثناء قيامكم/نّ بالمهمة، فسيتم تخصيص قسم كامل من معالجة دماغكم/نّ للتفكير في ذلك. هذا يطرح من عدد الخلايا العصبية المتاحة للذاكرة".

واعتبر إيان أن فقدان الثقة مع التقدم في العمر يمكن أن يضعف الصحة الجسدية، منوهاً بدراسة إيرلندية قامت بقياس سرعة المشي للأشخاص في الستينيات من العمر، كمؤشر على صحتهم في المستقبل، وقد تبيّن أن الأفراد الذين شعروا بأقل ثقة بشأن تقدمهم في العمر، معتقدين أنهم لن يتحكموا في صحتهم أو أنهم سيفقدون استقلاليتهم، رأوا سرعة مشيهم تنخفض بشكل ملحوظ على مدى عامين أكثر من أولئك الذين يتمتعون بثقة بأنفسهم.

استبعد الباحثون العوامل الأخرى المسبّبة لهذا الانخفاض، ووجدوا أن الشعور بالثقة في المستقبل أدى بشكل عام إلى نتائج صحية أفضل. ليس من الواضح سبب حدوث ذلك، ولكن قد يكون ذلك بسبب الافتقار إلى الثقة الذي يؤدي إلى الانهزامية: إذا كنا لا نعتقد أننا أقوياء وقادرون، فلماذا عناء القيام بالتمرين الذي قد يكون حاسماً للحفاظ على استقلاليتنا لاحقاً؟

ومن المثير للاهتمام أن الثقة مرتبطة أيضاً بجوانب أخرى من صحتنا الجسدية.

فقد تبيّن أن مواجهة موقف مرهق ولكن الاعتقاد بأننا لدينا القدرة على النجاح يعزز نظام المناعة لدينا، كما أن الشعور بالثقة بشأن مستوى الأداء البدني يزيد أيضاً من قوتنا وتحملنا، ويقلل من مقدار الانزعاج الذي نشعر به عند دفع أنفسنا إلى الأمام.

الحذر من "الأنا المتضخمة"

حذّر إيان روبرتسون من "الأنا المتضخمة"، موضحاً أن الأطفال الذين لا يواجهون صعوبات في الذاكرة، قد يبنون ثقة كبيرة بأنفسهم لدرجة أنهم يعتقدون أنهم لن يعرفوا مذاق الفشل على الإطلاق، وبالتالي عندما تحدث النكسات التي لا مفرّ منها، فإن ذلك يجعل هؤلاء يجهلون ماذا يتعيّن عليهم فعله، ويشعروا حينها أن العالم من حولهم ينهار.

وعليه، أشار روبرتسون إلى أن الآباء الذين يظهرون "موقفاً صحياً تجاه الفشل" يمكن أن يساعدوا أطفالهم على بناء شكل مستقر وطويل الأمد من الثقة التي لن تتأثر بنكسة واحدة: "أحد أفضل الأشياء التي يمكن القيام بها للأطفال هو عدم القلق بشأن الإخفاقات"، وأضاف: "يجب على الآباء قول أشياء مثل: الفشل شيء نتعلم منه".

الثقة بالنفس هي المفتاح لحياة أكثر سعادة ونجاح، لكونها تلعب دوراً في روتيننا اليومي وتساعدنا في تجربة مستويات أعلى من السعادة والرضا، بخاصة وأن الأفراد الذين يتحلّون بالثقة بالنفس قد يجدون العناصر الإيجابية في أصغر الأشياء ويبذلون الجهود لخلق الحياة التي يرغبون فيها

بدورها، اعتبرت لانا قصقص أن هناك فرقاً كبيراً بين تربية الأولاد على النجاح وتربيتهم على أهمية التحلي بالثقة بالنفس: "عندما نربي الأولاد على الثقة بالنفس، فهذا يعني دعمهم حتى في إخفاقاتهم، ولكن عندما نركز فقط في تربيتنا على أهمية النجاح، فهذا يجعل الأولاد يضعون تصورات وتوقعات عالية قد تؤدي إلى تحطيم ثقتهم بنفسهم، وهذه الدوامة خطيرة".

وفي حين أن الثقة بالنفس تنبع من الطفولة، إلا أنه من الممكن تماماً تحسينها في وقت لاحق من الحياة، إذ هناك عدة طرق للقيام بذلك، من بينها تحديد الخطوات العملية التي سنتخذها لتحقيق هدفنا عندما نتخيّل الأشياء التي نرغب في القيام بها في حياتنا، وهي ممارسة تسمى "التباين العقلي"، بحسب إيان روبرتسون: "عندما تتخيلون/ن هدفاً مرغوباً فيه، فإن عقلكم/نّ يستجيب كما لو كنتم/نّ قد حققتم/نّ تلك النتيجة المتخيّلة من خلال تعزيز شبكة المكافآت في الدماغ. أحياناً قد يتعثر الناس في عدم إنجاز الأشياء تماماً لأن الدماغ يتعامل كما لو أنهم قد حققوها. بدلاً من ذلك، يجب التفكير في الأمور العملية".

إذن، يمكن القول إن الثقة بالنفس هي المفتاح لحياة أكثر سعادة ونجاح، لكونها تلعب دوراً في روتيننا اليومي وتساعدنا في تجربة مستويات أعلى من السعادة والرضا، بخاصة وأن الأفراد الذين يتحلّون بالثقة بالنفس قد يجدون العناصر الإيجابية في أصغر الأشياء ويبذلون الجهود لخلق الحياة التي يرغبون فيها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image