مطرب العمال الذي ساهم بأغانيه في تشكيل وجدان الطبقة الكادحة، وصار أيقونة للغناء الشعبي، حتى أنه أقنع جمهوره بأنه يعيش تلك المعاناة التي يتحدث عنها في أغانيه بالفعل، وأصبح رمزاً للحزن والمعاناة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ هكذا اتفقت الأغلبية على وصف المطرب الشعبي الراحل حسن الأسمر، الذي سعي بأغانيه إلى توظيف الكلمة واللحن لخدمة الطبقة الكادحة.
في قراءته لأعمال حسن الأسمر، في ذكرى رحيله، 7 أغسطس 2011، يقول الناقد الفني أشرف غريب لرصيف22: “برأيي إن النظرة لأعمال حسن الأسمر لا بدّ وأن تكون شاملة أكثر من فكرة حصره في طبقة العمال والكادحين فقط؛ فقد كان يعبر عن الطبقة الشعبية كلها في وقت كانت فيه تلك الطبقة تمرّ بمرحلة انتقالية، فمن بعد المطربين أحمد عدوية وكتكوت الأمير، لم يأتِ أحد يملأ تلك المكانة إلا حسن الأسمر وحكيم، وإن كان الأخير قد اعتمد نمط الطبقة الشعبية الراقية، فقد ركن الأسمر إلى الطبقة العادية التي يمكن أن نلتقيها في حافلة النقل العام أو ورشة أو مقهى شعبي؛ فكان يعبر عنهم بأفضل ما يكون.”
وواصل غريب: "كان ذكياً للغاية، ونجح في اللعب على وتر الشجن، والمصريون كلهم يحبون الشجن. فكانت أغانى حسن الأسمر، خير معبّر عن أوجاع الناس وهمومها وأحزانها، وكانت أقرب إليهم مما تخيل الجميع، خصوصاً وأن أغانى حسن الأسمر ارتبطت بإطلالته، فكان من المطربين الشعبيين القلائل الذين نجحوا كممثلين، ومن خلال تجاربه التمثيلية أصبحت صورته قريبة جداً من الناس.”
أغاني حسن الأسمر شكلت وجدان الطبقة التي غنى لها من العمال والكادحين والبسطاء، وخففت عنهم أوجاعهم ومنحتهم الأمل
يؤكد أشرف غريب أن الجمهور كون وجهة نظره عن حسن الأسمر من خلال أغانيه، واعتقد فعلاً أنه يعاني من المشاكل والهموم، للدرجة التي جعلته "كئيباً” في جميع أغانيه بحسب ما اتفق على وصفه أبناء الطبقة الشعبية، ويعلق: "إحساس حسن الأسمر وصل للناس وكان صادقاً جداً في كل ما قدمه من أغانٍ، ولذلك صدق الكلُّ أنه عانى فعلاً تلك الأوجاع، تماماً كما حدث مع أغاني عبد الحليم حافظ. حسن عرف يلعب على وتر الشجن والحزن، وعرف كيف يقترب من الناس والطبقة الشعبية، التي كانت وقتها محافظة على اتزانها، ولم تكن مغرمة بالنغمة والإيقاع السريع والكلام ذي الإيقاع الواحد، كما يحدث حالياً في (المهرجانات). وحتى اسمه (حسن الأسمر)، شعبي وعادي جداً.”
وعن الاسم أيضاً يؤكد الناقد الموسيقى محمد بركات لرصيف22 أن "الأسمر" كان صائباً وذكياً حين رفض محاولات البعض له في بداية مشواره، لإقناعه بأن يُعدل اسمه أو يغيره، وقال آنذاك: "الغناء ليس بالأسماء، وإلا لكان فريد الأطرش قد فشل. كما أذكر أيضاً أنه رفض كل محاولات الخضوع لعملية تجميل من أجل أن يتخلص من الوحمة التي كانت ظاهرة في وجهه بشكل واضح، وقال له أحد المنتجين في بداية رحلته إنها قد تعطله، وقد تسبِّب له مضايقات هو في غنى عنها، لكنها أصرّ على أن يبقى على شكله كما هو، دون أي تغيير حتى لا يشعر جمهوره الشعبي بأنه انسلخ عنهم، وهذا ذكاء يحسب له بالطبع.”
وإلى جانب الغناء يشير بركات إلى أن حسن الأسمر اكتسب مهارات تمثيلية كبيرة في وقت قصير للغاية، وهو ما جعل المخرجين يتهافتون عليه للمشاركة في أعمالهم، وبلغ رصيده الفنى من الأعمال التمثيلية، سينما ومسرح ودراما تلفزيونية 59 عملاً، وهو رقم كبير فشل حتى بعض الممثلين في تحقيقه، بحسب محمد بركات.
اعتمد حسن الأسمر على تركيبة فريدة أو "خلطة سحرية" ضمنت له النجاح ليبقى ملتصقاً بالطبقة التي يغني لها، ويشكل وجدانها، وهو ما قال عنه الشاعر عنتر هلال لرصيف22: "حسن الأسمر هو الامتداد الطبيعي لأحمد عدوية؛ كان مطلوباً جداً أن يظهر على الساحة وقتها لتغطية مرحلة كان ضوء عدوية قد بدأ يخفت فيها لظروف معينة، فجاء حسن الأسمر ليستحوذ على جماهيرية كبيرة من قبل أبناء الطبقة الشعبية. وأعتقد أن أغنية مثل (كتاب حياتي يا عين) كانت فارقة في مسيرته وفي تاريخ الغناء الشعبي أيضاً، وأراها شخصياً، نموذجاً لنجاح الأغنية بشكل عام.”
أطلق عليه الجمهور: "أمير الأغنية الشعبية"، و"مايكل جاكسون مصر والعرب"
وتابع عنتر عن أغنية "كتاب حياتي يا عين"، التي تعدّ أحد أبرز أغاني حسن الأسمر: "الأغنية جاءت في وقت كان السواد الأعظم من الشعب، وهم الشباب، محبطاً، وكان يحتاج عند ذلك لأغنية تتكلم وتعبر عنه. وأنا شخصياً تعلمت سراً هاماً من تلك الأغنية؛ أنه (لما تيجي تكتب لازم تبقي عارف الناس رايحة فين)… ماذا يؤلمها وما الذي يسعدها.”
ويكمل: "كل الشباب في هذا التوقيت، كان يسعي للسفر إلي العراق على اعتبار أن خطوة كهذه وسلية للهروب من فكاك البطالة، حتى وقعت الحرب بين العراق وإيران واضطرت دولة العراق لتسريح هؤلاء الشباب الذين عادوا إلى مصر يجرون الإحباط جراً، بعد أن خسروا أموالهم وشبابهم وحلمهم، وبالتالي كانوا يريدون أن يبكوا ويصرخوا بجدّ، فجاءت أغنية (كتاب حياتى يا عين) لتنوب عنهم في الصراخ والقهر الذي كان مسيطراً عليهم آنذاك.”
يروي هلال مزيداً من الكواليس: "كنت أسير في الشوارع والمناطق الشعبية آنذاك وكنت أرى الشباب جالسين على عتبات البيوت وإلى جوارهم (كاسيت) تخرج منها أغنية (كتاب حياتى يا عين) بصوت عال. كانت ظاهرة فعلاً، وهناك أيقنت بضرورة وجود حسن الأسمر. لم تكن هذه الأغنية الوحيدة الناجحة له ولكنها كانت الفارقة والنقلة في مشواره."
ويتابع: “الأسمر فهم الطبقة التي غنى لها، وهي التي يمكن أن نصفها بأنها الطبقة (c) من الشعب وهم السواد الأعظم، والتي جاء منها هو؛ فقد كان حرَفياً حتى قبل احترافه الغناء، وما دعمه أكثر في مسيرته كمطرب أنه شارك بالتمثيل في أكثر من تجربة، فقد كان موهوباً بالفطرة وإن كان درس التمثيل لكان نجاحه قد زاد أضعافاً.”
ويضيف هلال: "حسن الأسمر حافظ على نجاحه لمدة 25 عاماً تقريباً، واعتمد تركيية خاصة أو خلطة تقوم على الكلام المدهش واللحن المعبر، وحتى صناع أعماله حافظ عليهم وعلى العمل معهم، مثل الشاعر أمل الطائر والملحن حسن إش إش. أغاني حسن الأسمر، كما يقال، شكلت وجدان الطبقة التي غنى لها من العمال والكادحين والبسطاء، وخففت عنهم أوجاعهم ومنحتهم الأمل. أغانيه كان تغذي الناس بالحزن والبهجة معاً.”
كشف نجله أن والده كان يلحن أغانيه بنفسه ويكتب اللحن باسم آخر حتى لا يطلب أحد منه أن يلحن له
أما الكاتب محمد محي فقال: "حسن الأسمر طرح أول ألبوم له وكان عمره 24 عاماً فقط. وفي العام التالي أصدر ألبومه الثاني. وعندما حقق نجاحه الساحق واللافت اشترى سيارة، وكان أول مطرب شعبي في مصر يشتري سيارة، وأطلق عليه الجمهور المصري لقب (مايكل جاكسون مصر)، لتَقارب الشبه بينهما. غنى الأسمر (كتاب حياتي ياعين)، وفي أثناء الحزن، وأسى الأغنية، أصبحت الموسيقى راقصة، (وما تفهمهش ليه! وما تعرفش هل الكلام ده المفروض الناس ترقص عليه ولا المزيكا دي اتركبت غلط علي الحزن؟!).”
ويضيف محي: “لحسن الأسمر أغانٍ شاعرية جداً مثل (باحلم وأنا صاحي… أنت حبيب عيني)، كما أن له ألبوم بعنوان (ابن القمر)، ولا أعتقد أن يوجد فنان يسمي ألبوماً له بهذا العنوان! أعتقد أن أغنية مثل (لما أقول آه… الناس تقول الله) هي أفضل تعبير عن الانحطاط الإنساني بشكل عام. للأسمر أيضاً أغنية اسمها (طعم الأيام بقى مر)؛ تقول كلماتها: (كفاية قسوة علينا/ كفاية حسي بينا/ دا الحزن علم فينا/ والحال مابقاش يسر)، ولكن مع هذا الكلام الكئيب نجد الموسيقى فارغة من الحزن والانكسار. السؤال هنا أنه لماذا لم يصبح حسن الأسمر أيقونة؟ والجواب كما قال هو: (غريبة يا دنيا أحوالك... يمينك راح على شمالك)."
ويُعد حسن الأسمر من أبرز مطربي الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي، حيث حظي بمباركات شعبية أسهمت في دخوله كل البيوت المصرية ومن أهم أغانيه "كتاب حياتي"، "أعملك إيه"، "أنا أهو وأنت أهو"، و"متشكرين". أما مسلسل "أرابيسك" ومسرحية "حمري جمري" فتبقيان أبرز تجاربه في التمثيل.
أطلق عليه الجمهور عدة ألقاب منها: "أمير الأغنية الشعبية"، "الواد الجن"، و"مايكل جاكسون مصر والعرب"، وروى نجله الفنان هاني حسن الأسمر، أن بداية رحلة والده مع الشهرة بدأت حين كان يغنى في حفل شعبي وسمعه أحد أصحاب شركات الإنتاج وقرر أن ينتج له ألبوماً وتكلف وقتها 300 جنيه، كما أشار إلى أن حسن الأسمر كان يعزف على الأكورديون، ويحب أن يطبخ بنفسه أنواع الأكلات التي يمكن تخيلها، وبعد شهرته لم يتخلّ عن بساطته، وكان يشارك البسطاء جلساتهم على المقاهي الشعبية. كما كشف أنه والده كان يلحن أغانيه بنفسه ويكتب اللحن باسم آخر حتى لا يطلب أحد منه أن يلحن له.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع