حرمان مواطنين من حق الانتخاب، وصراع على توزيع مقاعد برلمانية، وحجب نتائج مقرون بعرق المقترعين… تلك هي عناوين رحلة التبو، منذ بداية عهد اعتماد أساليب الديمقراطية عام 2012، إلى عهد محاولة إنعاش مسار الديمقراطية من جديد، وتشكيل ليبيا الجديدة، في 24 كانون الأول/ ديسمبر.
تم تداول المسودة التي قدمتها المفوضية العليا للانتخابات، بخصوص توزيع المقاعد البرلمانية المقسمة حسب الأقاليم الجغرافية (شرق، غرب، جنوب)، في منتصف شهر تموز/ يوليو 2021. وسرعان ما بدأت أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان، والمواطنين، بالظهور منددةً بما وصفوه بالإجحاف، والتمييز العرقي، فور خروج هذه المسودة بتوزيعاتها إلى العلن.
فكانت الحصة الأكبر من الأصوات، من الجنوب الليبي، وتحديداً من التبو؛ أحد أهم الشعوب الأصلية في المنطقة.
المسودة التي خرجت، كانت كفيلة بإشعال رماد النار الهادئة من جديد للتباويين، ما دفعهم إلى الخروج في احتجاجات رافضة للتمييز المتكرر، والمتعمد، من قبل المفوضية العليا للانتخابات.
لماذا يرفض التبو المسودة؟
ربيانة، كانت نقطة الشرارة الأخيرة، إذ لم تشملها المسودة المنشورة، بتقسيماتها للمقاعد البرلمانية، أسوة بسائر البلديات المحيطة، والتي تحمل عدد السكان نفسه.
ولم يتفاجأ سكان المدينة، ذات الغالبية التباوية، لأنهم اعتادوا على هذه السياسات التمييزية التي تستهدف غالبية سكانها، فيُعد عرقهم القاعدة الأساسية لفكرة حصولهم على مقعد، والتمتع بتمثيلٍ برلماني.
وحصلت بلدية أبوانيس، ذات الغالبية العربية، والتي يساوي عدد سكانها عدد سكان بلدية ربيانة، على مقعد، بينما حصلت مدينة مرزق، والتي تعد إحدى المدن المركزية في الجنوب الغربي، على مقعدين، مثلها مثل وادي عتبة التي عوملت كأنها مدينة مركزية، على الرغم من أنها بلدية جانبية. أما بلدية القطرون، فقد حصلت على مقعد واحد فقط. ونجد قاسماً مشتركاً بين البلديات التي حصلت على كراسٍ أقل من المطلوب، وهو انتماء سكانها إلى التبو.
مظاهرات وتحرك مدني حقوقي
في يوم الجمعة 30 تموز/ يوليو، خرجت تظاهرات لأهالي بلدية ربيانة، والكفرة، احتجاجاً على هذه الممارسات، كونها تتعارض مع القوانين المحلية، والدولية، وتعدياً على ممارسة التبو لحقوقهم المدنية، والسياسية، واتهموها بالتحريف، وتحوير الأسلوب السائد تطبيقه في الانتخابات، كما أن التغيير لواقع المنطقة، لم يكن مدروساً، وإقصاءهم كان مقصوداً.
وخرجت أيضاً تظاهرة نسائية تندد بإبعاد النساء، وعدم تخصيص مقاعد للمرأة التباوية، وإقصائها عن المقاعد العامة، وهذا تمييز متقاطع، وفق مفهوم تقاطع أشكال التمييز intersectionality.
تمييز ومشكلات متراكمة
اعتاد السكان من التبو على هذه السياسات، فالمشكلة في التمثيل بدأت منذ عام 2012، في انتخابات المؤتمر الوطني العام، عندما تم إلغاء أكثر من ألف صوت من بلدية الكفرة، بحجة أن التسجيل غير سليم، وهذا كان قبل أن يقترن التسجيل بالأرقام الوطنية، والذي يُعد مشكلة أخرى بالنسبة للشعوب الأصلية في الجنوب. كانت حجة إلغاء الأصوات، أنها غير ليبية، حسب قرار المحكمة الابتدائية في الكفرة، ما انتهى بغياب تمثيل الغالبية التباوية في البرلمان.
ربيانة، كانت نقطة الشرارة الأخيرة، إذ لم تشملها المسودة المنشورة، بتقسيماتها للمقاعد البرلمانية، أسوة بسائر البلديات المحيطة، والتي تحمل عدد السكان نفسه
واستمرت مسيرة نزاع التبو مع المؤسسات في عام 2014، حين قاطعوا انتخابات هيئة صياغة الدستور، بسبب عدم وجود نص يذكر مسألة التوافق مع "الأقليات" العرقية، وساندتهم في ذلك بقية الشعوب الأصلية (الأمازيغ، والطوارق)، في شهر شباط/ فبراير، ومن ثم صوّت التبو، والطوارق، في الانتخابات، في نيسان/ أبريل، أي بعد شهرين من انتخاب بقية الليبيين، بعد تعديل الأساس القانوني، وإضافة مسألة وجوب التوافق مع المكونات ذات الخصوصية اللغوية، والثقافية، وسط مقاطعة الأمازيغ مرة أخرى، سواء بالأعضاء المرشحين، أو بالاقتراع، وجاءت هذه الانتخابات المخصصة للشعوب الأصلية، بعد تعديل المؤتمر الوطني العام لقانون الانتخاب، لإشراك "الأقليات".
آنذاك، كان على المفوضية حجب نتائج الانتخابات العامة في الجنوب، أو إلغاؤها، حتى يصوت التبو على اختيار المقعدين المخصصين لهم، بسبب وجود كوتا خاصة بهم حُدّدت بمقعدين، ويوجد مقعد آخر عام، للأعراق جميعها، حُرم منه التبو، ولكن انتهت النتيجة باعتماد النتائج الانتخابية من دون إشراكهم في التصويت للمقاعد العامة، وهذا إقصاء آخر يُضاف إلى ما سبقه، ويُعد أيضاً مخالفة صريحة لقانون الانتخاب.
في حزيران/ يونيو من السنة نفسها، وعند البدء بالانتخابات البرلمانية، أي اختيار السلطة التشريعية للبلاد، اقتصرت المشكلة على منطقة الكفرة فحسب، حيث تم تخصيص ثلاثة مقاعد للمنطقة، وشارك التبو في العملية الانتخابية وسط مقاطعة الأغلبية العربية، فرفضت المفوضية إعلان النتائج، بسبب غياب الأصوات العربية، وكأنها تكيل بمكيالين. استعمال حجة الحجب، استناداً إلى عرق الفئة المقاطعة، لم تفعله المفوضية عندما تم حرمان التبو من التصويت للمقعد العام، في انتخابات هيئة صياغة الدستور، في آذار/ مارس 2014.
هذا التمييز، وهذا الاضطهاد، مترسبان منذ عهد القذافي، ولا يُعدّان جديدين على التبو، وهنا اكتفيت بالأحداث التي حصلت في العقد الأخير بعد ثورة شباط/ فبراير، فحسب، والتي غيرت النظام في ليبيا، بطريقة راديكالية
ولم يسكت التبو عن قرار الحجب، ولجأوا إلى قضاء محكمة الكفرة، ومن ثم حُولت القضية إلى محكمة أجدابيا، وانتهت بقرار قبول المحكمة للنتائج التي لم تشارك فيها غالبية الأصوات العربية، واضعةً المفوضية التي قررت حجب النتائج، لعدم مشاركة الأصوات العربية، أمام سياسة الأمر الواقع في مسألة قبول قرارهم.
وفي 2015، أي بعد مرور عام على هذه الحادثة، فوجئ التبو بتعيين عضوين من مدينة الكفرة، لم يشاركا في الانتخابات، على الرغم من وجود مرشحين شاركوا فيها، وحصلوا على أصوات، ولكن استُبعدوا من التعيين، لصالح تعيين أشخاص من الخارج. الأمر الذي يُعد تمييزاً آخر مبنياً على العرق، وخرقاً واضحاً يضاف إلى سجل الخروقات للقوانين الانتخابية.
النصوص بين القراءة النظرية والتطبيق الفعلي
نرجع بالوقت من جديد إلى عام 2021، حين كانت ليبيا تستعد لإجراء انتخابات برلمانية، ورئاسية، في 24 كانون الأول/ ديسمبر، من دون وجود قاعدة دستورية وقانونية حتى اللحظة، فتحت المفوضية باب التسجيل، في بداية شهر تموز/ يوليو، وصاحبها ترويج إعلامي يفتقر إلى الشمولية في التمثيل العرقي، بما فيها لغات الشعوب الأصلية، وأشكال الشخصيات الظاهرة في الوسائط البصرية، وجلهم من ذوي البشرة البيضاء، ولا وجود هناك لأي شخصية سوداء البشرة، أو ترتدي "القربون"، أو الـ"أبي"؛ الأزياء الخاصة التي يرتديها رجال التبو ونساؤهم، الأمر الذي جعل البعض يستذكر حقبة النظام السابق؛ حقبة اللون، والشكل، والهوية الواحدة.
هذا التمييز، وهذا الاضطهاد، مترسبان منذ عهد القذافي، ولا يُعدّان جديدين على التبو، وهنا اكتفيت بالأحداث التي حصلت في العقد الأخير بعد ثورة شباط/ فبراير، فحسب، والتي غيرت النظام في ليبيا، بطريقة راديكالية.
عهد ثورات ما سُمّي بالربيع العربي، والمطالبة بالديمقراطية، ومساعي ترسيخ دولة المواطنة، نصت عليه مواد الإعلان الدستوري الذي صاغه، وأعلنه، المجلس الوطني الانتقالي عام 2011، وأبرزها المادة السادسة (آخر مواد الأحكام العامة)، التي نصت على أن "الليبيين سواسية أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفي ما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو المذهب، أو اللغة، أو الثروة، أو الجنس، أو النسب، أو الآراء السياسية، أو الوضع الاجتماعي، أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسرى"، أو المادة السابعة (المادة الأولى في باب الحقوق والحريات العامة)، التي كان نصها كالآتي: "تصون الدولة حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الانضمام للإعلانات، والمواثيق الدولية،
حرمان مواطنين من حق الانتخاب، وصراع على توزيع مقاعد برلمانية، وحجب نتائج مقرون بعرق المقترعين… تلك هي عناوين رحلة التبو، منذ بداية عهد اعتماد أساليب الديمقراطية عام 2012، إلى عهد محاولة إنعاش مسار الديمقراطية من جديد، وتشكيل ليبيا الجديدة
والإقليمية، التي تحمي هذه الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرم الإنسان كخليفة الله في الأرض".
وكون ليبيا إحدى الدول الموقعة على العديد من الاتفاقيات الدولية، ومنها الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة، فهذا يجعلني أفكر كثيراً في مسألة القوانين المحلية والدولية، كنصوص، بين مسألة القراءة النظرية والتطبيق.
ومن الضرورة الملحة، والقصوى، أن تعيد المؤسسات الليبية التفكير في ممارساتها، ومدى مراعاتها لحقوق الإنسان، وترسيخ عدالة اجتماعية تقاطعية، حتى لا تتزايد الأحقاد، ويتراكم التمييز، وتنتهي الأمور بانفجار شعبي موجه ضد هذه المؤسسات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين