شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ألا تستريحين قليلاً يا ماهينور

ألا تستريحين قليلاً يا ماهينور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 5 أغسطس 202112:07 م
تصفحت فيسبوك، فوجدت اسمها. إنها هي، ماهينور المصري. عادت بعد عامين، كما هي، تشعر بالذنب لكونها نجت من السجن، وتطلب الحرية للجميع، وتقول إنها لا تستطيع الشعور بالحرية. الكثيرون ممن تعرفهم، وممن لا تعرفهم، ما زالوا في السجن. تقول: "قلبي مع كل جدع، وكل مظلوم مقفولة عليه زنزانة. قلبي مع أهلنا في فلسطين، ولبنان، وفي كل مكان في العالم فيه نضال لحقوق البشر. قلبي لسه قادر يصدق أن كل صعب له نهاية، وكل ليل له آخر". سألت نفسي: ألا تستريحين قليلاً يا ماهينور؟

يرتبط صوت سيد درويش عندي دائماً بها. أتذكر هتافها: "بلدي يا بلدي... والسلطة خدت ولدي". أتذكر بداية علاقتي بها عام 2010، حين رأيت صورة لها كُتب عليها: "حد أدنى للأجور للي عايشين في القبور". كنت حينها فتاةً خجولةً، ومكتئبةً من أوضاع البلد. ثم وقع مقتل خالد سعيد الذي غير حياتنا تقريباً. رأيتها في مظاهرات الإسكندرية، تصيح في وجه الأمن، وتقول: "يسقط يسقط حسني مبارك... دم خالد تاري وتارك". كنت أتساءل دوماً: مَن تكون هذه الفتاة الشجاعة، التي تخرج في المظاهرات، وتطلق النكات على "الفيسبوك"، وتسخر من كل شيء، حتى من نفسها. كنا متحمسين للجمعية الوطنية للتغيير، وللتوقيعات التي شنها د. محمد البرادعي. لكن ماهينور كانت ترى أن التغيير الجذري يجيء بدعم العمال، وأنه لا حل سوى الثورة الاشتراكية.

ماهينور كانت ترى أن التغيير الجذري يجيء بدعم العمال، وأنه لا حل سوى الثورة الاشتراكية.

وفي عام 2011، سمعتُ عن أحد الاعتصامات في مدينة الإسكندرية، فأرسلت إليها رسالة عبر فيسبوك: "ماهينور أنا عايزة أشوفك"، فأرسلت هي رقم هاتفها، ورأيتها في الاعتصام. رأيت فتاة منطلقة، خفيفة الظل، يحبها الجميع، وقبل ذلك كله، تعي جيداً ماذا تفعل. ففي العمل العام، تجد أشخاصاً متسلقين، وآخرين امتهنوا العمل العام طمعاً في وظيفة، أو حتى في ظهور تلفزيوني، وآخرين جلّ ما يريدونه هو الحصول على مساحة لمصادقة الفتيات، كون الفتيات اللواتي "يمارسن العمل العام"، متحررات. لكن ماهينور كانت شيئاً آخر.

في هذا اليوم، سرنا إلى مديرية أمن الإسكندرية، وكانت "ماهي"، كما يطلق عليها أصدقاؤها، تطمئن عليّ، كما تطمئن على الجميع. إنها المحامية ماهينور المصري التي وُلدت في الإسكندرية، في كانون الثاني/ يناير عام 1986، والعضوة في حركة الاشتراكيين الثوريين، والتي قررت مبكراً أن تغوص في مجال حقوق العمال، وتحضر اعتصاماتهم، وتنقل أخبارها عبر الفيسبوك، وتؤازرهم.

رأيت ماهينور مرة أخرى في عام 2012، في أثناء ذهابنا مع قافلة إلى غزة، لمؤازرة أهلها أثناء القصف الإسرائيلي في عملية عُرفت باسم "عامود السحاب". بتنا ليلة شديدة الصعوبة في مستشفى الشفاء. وفي رحلة العودة، وبمجرد وصولنا إلى القاهرة، سمعت ماهينور عن اشتباكات في شارع محمد محمود، فقررت النزول للمساعدة. هكذا هي ماهينور التي لا تهدأ، ولا تستريح. تعلمت من ماهينور المحامية الاشتراكية أن الدولة كيان طبقي، وأنه حتى السجن يتسم بالطبقية، والمساجين "الأفقر" يقومون بخدمة المساجين "الأغنى". لم يتوقف نضالها في السجن، فكانت تنقل استغاثات المسجونات، وتطالب بتحسين أوضاعهن، بل وتقوم بالإضراب عن الطعام من أجلهن.

في إحدى جلسات المحكمة، لم تتحدث عن نفسها، أو عن مشكلاتها، بل تحدثت عن السجينات الأخريات، اللواتي يقبعن معها في السجن، وعن معاناتهن

بعد فشل الثورة، قرر كثيرون من النشطاء الكف عن الانخراط في العمل العام، لكنها لم تفقد الأمل، واستمرت في حضور جلسات المعتقلين. يقول عنها الكاتب نائل الطوخي: "قريت قريب مقالة لإدوار الخراط بيتكلم فيها عن تأثره بالفكر المسيحي الشرقي، (وخصّص الشرقي بالتحديد)، اللي قدر يربط الإله والإنسان في نفس الشخص. ودا ردد صدى فكرة جوايا عن إن كل إنسان فيه جزء إلهي، وجزء إنساني، وعلى حسب هو بيختار يربى جواه أنهي جزء. إذا كان دا صح فماهينور واحدة من أكتر الناس اللي قررت تربي عندها الجزأين دول سوا. المناضلة المسيسة اللي قدرت تروح في أوسخ حتة في السياسة: اعتصامات العمال وإضراباتهم، وهي الحاجة اللي مش سكسي خالص، مقارنة بمظاهرات الحرية والديمقراطية، والمقاتلة العنيدة مقتحمة أمن الدولة. أشجع بنت في مصر كما قيل عنها...".

في نيسان/ أبريل الماضي، وخلال فترة سجنها، قرأت منشوراً عنها يقول إنها، في إحدى جلسات المحكمة، لم تتحدث عن نفسها، أو عن مشكلاتها، بل تحدثت عن السجينات الأخريات، اللواتي يقبعن معها في السجن، وعن معاناتهن، وطالبت بتحسين أحوال السجن، وتوفير الرعاية الطبية. وعندما أخبرها القاضي أنه سوف يفرج عنهم، ويخرجها، أخبرته أنها موافقة. أعلم أنها لا تحب المدح، وتخجل منه، لكني لا أرى في موقفها سوى الوصف الذي يطلقه عليها أصدقاؤها "سانتا ماهي". أُخبر إحدى صديقاتي أنني أرى ماهينور قديسة فعلاً. فأنا لا أستطيع تحمل السجن، ولو لدقيقة، بينما تعرضت هي للسجن مرات عدة، في أثناء حكم السيسي فقط. وكما هو معروف، فقد تعرضت للسجن في أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك، والرئيس السابق محمد مرسي، وحتى الرئيس المؤقت عدلي منصور، لأنها صادقة في ما تفعل، وهي تقول دائماً إنه ليس لدينا خيار سوى الاستمرار في الدفاع عن حقنا، وحق غيرنا في الحرية، لأن الناس تستحق الأفضل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image