شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحلاج... أقرب للفلسفة وأبعد عن الحقّ

الحلاج... أقرب للفلسفة وأبعد عن الحقّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 30 يوليو 202110:06 ص

لم يعد الحلاج أبو مغيث مجرّد متصوف، أو مهرطق أو خارج عن الملّة، فالهالة التي تحيط بالحسين بن منصور (885-922م) جعلته أقرب إلى شخصية خرافية، يحار القارئ والباحث أمامها، فطواسينه أشبه بالتعاويذ السحرية، وشعره تحول إلى ما يشبه النبوءات، وكم الدراسات حول الحلاج وصورته وتاريخه تركتنا أمام حلاجـ(ين)، قبيلة من رجال يجتمعون في شخص تعددت أوجهه وأسماؤه، ليقف الواحد محتاراً طارحاً سؤالاً ساذجاً: كيف نقرأ الحلاج؟ وضمن أي سياق؟

يناقش الباحث سيار الجاشي -Sear El Jaichi في كتابه "الصوفية الفلسفية المبكرة- الأفلاطونية الجديدة في فكر الحلاج"، مؤلفات الحسين بن منصور بوصفها جزءاً من التراث الفلسفي العربي-الإغريقي، داعياً إيانا لتجاوز قراءة لويس ماسينون، وصورة الحلاج كـ"شهيد الصوفية"، الصورة التي هيمنت لفترة طويلة على قراءة الحلاج، كمتصوف راح ضحية الاختلافات في فهم ما "يقول".

لم يعد الحلاج مجرّد متصوف، أو مهرطق أو خارج عن الملّة، فالهالة التي تحيط بالحسين بن منصور جعلته أقرب إلى شخصية خرافية، يحار القارئ والباحث أمامها، فطواسينه أشبه بالتعاويذ السحرية، وشعره تحول إلى ما يشبه النبوءات

قراءة الحلاج من وجهة النظر السابقة محاولة للتحرّر من البلاغة الشعرية في نصوصه، وتحريرها من غموضها "الصوفي"، ومحاولة لتجنب سطوة الأحداث والغرائب المحيطة به، هذه القراءة تجعل الحلاج أكثر قرباً من العقل، بصورة أدق، تضعه ضمن "منهج" يمكن عبره أن "نفهم" ما يحاول قوله، والأهم تجيب عن سؤال، هل هناك فكر "حلّاجي"؟

يتعامل الكتاب مع "شذرات" الحلاج كأسلوب للتعبير الفلسفي، لا مجرد شطحات صوفية أو حذلقات شعرية، متجاوزاً الانتقادات التي توجّه إلى ما هو منحول على الحلاج أو يشك في أًصله، ربما، سلّم بذلك، من وجهة نظر ترى أن هذه الكتلة من النصوص يقال إنها تنتمي لشخص اسمه الحلاج، أصلية كانت أم منحولة، تخفي وراءها ما هو فلسفي، وهذا ما يثير الحفيظة الأكاديمية، لكنه يفتح الباب أيضاً أمام الأسئلة النقدية، التي يتساوى أحياناً ضمنها المنحول مع الأصيل.

يحاول الكتاب قراءة الحلاج عبر أربعة موضوعات على علاقة مع التفكير الأفلاطوني الجديد وهي:

العلاقة مع "الصفات"

يثير موضوع صفات الله وعلاقتها مع كيانه وقدمه واحدة من أكبر المشكلات في تاريخ "علم الكلام" في الثقافة العربية، وهنا يظهر الحلاج بداية بوصفه منصاعاً للتقليد/ التيار الذي يتبنى عدم القدرة على إدراك أو وصف "الإلهي"، فاللغة قاصرة، سواء صرّحت أو لمّحت، ما يجعل اللغة الصوفية لدى الحلاج على مسافة من "علم الكلام" ومسافة من "اللغة الصوفية"، هذه المسافة لا تنفي اللغة كأداة، بل تفعّل وظيفتها كسبيل نحو الإلهي، أو عتبة في طريق الإشارة إلى نوره.

كم الدراسات حول الحلاج وصورته وتاريخه تركتنا أمام حلاجـ(ين)، قبيلة من رجال يجتمعون في شخص تعددت أوجهه وأسماؤه، ليقف الواحد محتاراً طارحاً سؤالاً ساذجاً: كيف نقرأ الحلاج؟ وضمن أي سياق؟

وسيط اللغة إذن عاجز عن إدراك وحدة الله وصفاته، فكيفما "نطق" من "يتكلم" فهو عن الله وفي الله، و"التنزيه" هنا لا يعني النفي، بل قصور كل الخطاب الإنساني عن الإحاطة بالله، فعلاً واسماً وحرفاً، خصوصاً أن تنزيه الله بالمعنى التقليدي يعني تحويله إلا " لا كائن" بالمعنى الإنساني، وهنا نفهم التنزيه من وجهة نظر أخرى، هو نفي للصفات التي ينطقها البشر بسبب عجزها عن الإحاطة به، لا نفي لوجوده نفسه إن عجزت الصفات واللغة.

في جدوى السببية

هل الله علّة الكون أم العكس؟ تختلف الإجابات عن هذا السؤال باختلاف التيار والملة، ناهيك عن محاولات بناء سلال سببية في محاولة لإثبات أن الله أصل العالم وعلته، كما نقرأ لدى بعض "المتكلمين"، لكن مفهوم السببية والعلّة يظهر بصورة مختلفة لدى الحلاج، فـ"الخلقُ" نتاج تأمل وتفكر الله في نفسه، فـ"تجلى" الكون وظهر أمام الله.

يمكن قراءة شذرات الحلاج عن السببية كانتقاد للقول بأن الله علّة الكون، وأيضاً انتقاد للتيار العقلاني الذي يرى أن الله يتجلى في الكون، ولا داعي للتبصر عميقاً، بل يكفي إحكام العقل حسب ما نقرأ لدى الغزالي، إلا أن تجاوز نظام السببية والعقلانية لا يعني انتفاء الله، الإشراك به أو لزوم لوجوده، فالله هو العلّة والمعلول، وحاضر أيضاً خارج هذه الثنائية، فدعوى "أنا الحق" التي أطلقها الحلاج، لا تعني حلوله في العلّة، بل ربما، وهنا رأيي الشخصي، الوقوف في موضع شبهة بين الاثنين، يلتبس أحدهما على الآخر حد "الاتحاد".

العشق الإلهي

هذا الموضوع يتكرر في تراث الصوفية، لكن، من وجهة نظر الحلاج، هو حب لله لأجل الله، إي حب منزّه عن كل وسيط أو جدوى أو طمع، الأهم، هو ليس حباً بين خالق ومخلوق، بل عشق ووجد وتجل، كلها مجموعة من العلاقات فيها خلاص الإنسان وعودة إلى الأصل الإلهي، أي هي ارتقاء وعودة إلى الأصل، ربما، إلى التأمل الأوّل لله في ذاته، وهذا ما يتشابه مع الأفلاطونية الحديثة، ودرجات الارتقاء التي تمر بها المخلوقات وعلاقتها مع النور الإلهي، التي تميل نحوه حد الانتهاء إليه.

ضمن التقليد الأفلاطوني الجديد، تظهر صورة النبي محمد لدى الحلاج بوصفه ذا دور كوني، هو تجسيد للحكمة الكونية الربانية، وهذا ما نقرأه في "طاسين السراج"، حيث يشبّه الحلاج محمداً بالنور

في شأن النبي أو الحقيقة المحمّدية

ضمن التقليد الأفلاطوني الجديد، تظهر صورة النبي محمد لدى الحلاج بوصفه ذا دور كوني، هو تجسيد للحكمة الكونية الربانية، وهذا ما نقرأه في "طاسين السراج"، حيث يشبّه الحلاج محمداً بالنور، ويضيف أنه كائن سابق على الكون كما نقرأ:

"أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم، همته سبقت الهمم ووجوده سبق العدم واسمه سبق القلم..."، فمحمد مشارك في النور الذي يضيء الكون في تشابه مع الأفلاطونية الجديدة، وتجلي لحظة "الاتحاد" مع الإلهي، فهو "الدليل والمدلول"، وكأن وجود محمد نفسه علامة على النور الرباني وإمكانية الاتحاد معه ولو في شطحة أو غشوة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard