"كيف صارت الفوطة "كماليات" والدورة الشهرية أساس لتستمر الحياة؟
كيف، وقت نزف اقتصادنا وانهارت ليرتنا، بكل دم بارد دعموا الكاجو والشفرة، ع أساس الدورة موضة مش بيولوجيا؟"
هذه الصرخة التي تطلقها النساء في لبنان في وجه الحكومة بعدما أصبح الثلثان منهن غير قادرين على شراء مستلزمات الدورة الشهرية.
الحملة التي تأتي بعنوان "نشفتولنا دمنا" تستند إلى نتائج أول دراسة ميدانية تقدر حجم الضرر الذي لحق بالنساء في لبنان في ما خص الوصول إلى منتجات النظافة الصحية ومستلزمات الدورة الشهرية بسبب الارتفاع الحادّ في الأسعار والمترتب على أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها البلاد في تاريخها الحديث مع فقدان العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها.
وجدت الدراسة التي أجرتها شركة "ستاتيكس لبنان"، لصالح جمعيتي "في ميل" و"بلان انترناشيونال"، أن 76% من النساء في لبنان يجدن صعوبة في الحصول على هذه المستلزمات الضرورية، ما يعكس كيف بلغت أزمة "فقر الدورة الشهرية" في البلاد مداها وسط تحذيرات، من أضرار صحية جسدية ونفسية وإنجابية خطيرة على الفتيات والنساء.
وقد ارتفع سعر علبة الفوط الصحية في لبنان إلى 40 ألف ليرة. يعني هذا أنه إذا كانت الأسرة تضم ثلاث سيدات، فإن كلفة الفوط الصحية فقط لهن تبلغ 120 ألف ليرة في الشهر، في حين أن الحد الأدنى للأجور 670 ألفاً.
كانت الدراسة تهدف إلى تحديد العوامل المؤثرة على إدارة الدورة الشهرية لدى النساء والفتيات، وفهم تداعيات الأزمة الاقتصادية والصّحية عليهن وعلى السلوكيات المتبعة خلالها. علاوة على تحديد نسب من يعانين "فقر الدورة الشهرية"، على حد توصيف 35% من العينة، ويعني عدم القدرة على الحصول على مستلزمات الدورة الشهرية.
من بين 1800 أنثى جرى التواصل معهن عبر الهاتف، قُسمت المشاركات إلى ثلاث فئات عمرية: (بين 12 و18 سنة) و(بين 19 و30 سنة) و(بين 31 و45 سنة). وإلى ثلاث فئات من حيث الجنسية: 1200 أنثى لبنانية، و400 أنثى سورية، و200 أنثى فلسطينية، بشكل يراعي التوزيع السكاني المناطقي والنوعي.
#نشفتولنا_دمنا صرخة النساء في وجه الحكومة… 76% من النساء والفتيات في لبنان يجدن صعوبة في الوصول إلى منتجات النظافة الصحية ومستلزمات الدورة الشهرية بسبب الارتفاع الحادّ في الأسعار
محدودات الدخل أكثر تضرراً
أبلغت غالبية العينة، 76.5%، عن صعوبة الوصول الى هذه المنتجات فيما لاحظت 79% من المشاركات تغيراً في عادات استهلاك منتجات الدورة الشهرية في محيطهن. علماً أن الارتفاع الجنوني للأسعار أجبر غالبية السكان على تغيير الكثير من عاداتهم الاستهلاكية.
لكن الدراسة بيّنت أن الارتفاع الكبير في أسعار الفوط الصحية أضر بشكل خاص بـ85.5% من السوريات، مقابل 74.6% من اللبنانيات. بشكل عام، قالت 37.1% من المشاركات إنهن يعانين للحصول على الفوط الصحية.
ووجدت الدراسة ارتباطاً تصاعدياً بين الضرر من الأزمة والكفاح للحصول على الفوط الصحية من جهة، وانخفاض دخل الأسرة من جهة ثانية. الأسر ذات الدخل المنخفض كانت أكثر تأثراً (59.5% من الأسر التي يقل دخلها الشهري عن 675000 ليرة، و41.8% ممن يراوح دخلها الشهري بين 675000 و1.5 مليون ليرة).
ولجأت نسبة كبيرة، 41.8%، من النساء والفتيات إلى تقليل الفوط الصحيّة المستخدمة خلال الدورة الشهريّة عبر استخدام الفوط لفترة أطول (ترتفع النسبة إلى 60.5% في أوساط السوريات) بينما 87.9% غيّرن سلوكهنّ الشرائي لمنتجات الدورة الشهريّة عن طريق شراء ماركات أخرى مثلاً.
مع استفحال أزمة "فقر الدورة الشهرية… قال 12% من المشاركات في الدراسة إن الدورة الشهرية أصبحت "مصدر إزعاج" لهن، في حين وصفها 1.3% بأنها "لعنة" #نشفتولنا_دمنا
آثار صحية نفسية وجسدية
ووجدت الدراسة أثراً مباشراً للأزمة على صحة النساء والفتيات الجسدية والنفسية إذ أصبحن عرضة للتأثر نتيجة صعوبة الوصول إلى منتجات الدورية الشهرية وبحثهن عن بدائل ينطوي بعضها على مخاطر صحية.
أبلغت 36% من المشاركات عن أعراض جسدية بسبب عدم تمكنهن من شراء حاجيات الدورة الشهرية ومنتجات النظافة. في الأثناء، عانت 43% من النساء والفتيات مستوى معيناً من القلق والتوتر تبعاً للأزمة. لوحظت الآثار الصحية على اللبنانيات والسوريات على السواء، وإن بدرجات متفاوتة.
ربما هذا ما دفع 12% من المشاركات إلى وصف الدورة الشهرية بأنها "مصدر إزعاج" لهن، في حين وصفها 1.3% أخريات بأنها "لعنة".
تقول لرصيف22 لما نجا، مديرة مشاريع الصحة الجنسية والحقوق الجنسية والإنجابية في "بلان انترناشيونال"، إن الآثار الصحية لارتفاع أسعار الفوط الصحية بشكل يفوق قدرة النساء على توفير احتياجاتهن منها، واضطرارهن إلى استعمال الفوطة فترة أطول، واستخدام ماركات أقل سعراً وجودةً وغيرها من الحلول غير الآمنة، خطيرة للغاية.
وتضيف: "كل هذا يؤثر سلباً على صحة النساء البدنية والإنجابية، بدءاً من حدوث التهابات في الجهاز البولي وصولاً إلى العقم"، مضيفة: "تتأثر الصحة النفسية للنساء والفتيات أيضاً. تندرج حالاتهن النفسية من الميل إلى العزلة والشعور بالقلق الدائم والخوف من الانخراط في المجتمع لا سيّما أن الدورة الشهرية لا تزال ‘وصمة‘ وممنوعاً ظهورها".
وهي تحذر من أن تدهور الوضع الاقتصادي إلى الحد الذي أصبح معه همّ الأسر تأمين الغذاء وليس احتياجات الدورة الشهرية ترك النساء والفتيات في لبنان مع شعور بعدم الأمان إزاء قدرتهن على توفير الفوط الصحية برغم أنها حاجة بيولوجية وليست رفاهية.
وتشير نجا إلى ضرر اقتصادي كبير يتعلق باضطرار المرأة إلى عدم الذهاب للعمل /الدراسة أو ممارسة حياتها الطبيعية خشية افتضاح دورتها الشهرية وظهور الدم على ملابسها" مع الوسائل البديلة للفوط الصحية.
وترى أن الفئة المعنفة من النساء في وضع أكثر هشاشة لصعوبة مغادرتهن المنزل وعدم قدرتهن على مطالبة الرجال، معنفيهن، بتوفير هذه المتطلبات الصحية الضرورية.
كذلك تحذر من اضطرار فتيات وسيدات لاستخدام الجرائد والأقمشة القديمة أو حتى السراويل المتعددة الاستخدام دون تعقيمها بشكل مناسب، مبينةً أنها قد تسبب أمراضاً خطيرة.
من الحلول البديلة الآمنة، برأي نجا: "كأس الحيض وإن لم يكن من الوسائل الشائعة الاستخدام في المجتمعات العربية حتى الآن بسبب الفكرة المغلوطة حول ارتباطه بغشاء البكارة. والفوط المتعددة الاستخدام والتي تصنّع غالباً من القماش".
أبلغت 36% من المشاركات عن أعراض جسدية، وعانت 43% من مستوى معين من القلق والتوتر بسبب عدم تمكنهن من شراء حاجيات الدورة الشهرية ومنتجات النظافة
وتشدد على أنها جميعاً تتطلب "التعقيم والنظافة" وإلا أدت إلى أضرار صحية عدة، منها الالتهابات والعدوى للأعضاء التناسلية. وتنبه إلى صعوبة وضع اللاجئات السوريات اللواتي يواجهن أزمة في الوصول إلى المياه الدائمة والنظيفة.
حلول مقترحة للأزمة
تعقيباً على النتائج، تقول الناشطة النسوية علياء عواضة، المديرة التنفيذية بالشراكة في "في ميل"، لرصيف22: "حين أجرينا الدراسة توقعنا نتائج كارثية لأنه أمر نعيشه ونتعامل معه على أرض الواقع، لم نُفاجأ. والسبب الثاني لتوقعنا هو اعتياد إقصاء النساء وقضاياهن في كل مشكلة تواجه لبنان إذ لم تكن احتياجات النساء يوماً أولوية، برغم أننا طالما طالبنا بأن تكون النساء - والأطفال كأكثر الفئات تهميشاً وتضرراً- في قلب أي جهود رسمية لمواجهة الأزمات".
وتضيف: "النساء غير مرئيات في لبنان بحكوماته المتعاقبة، وهلأ عم ندفع الثمن" وتلفت: "لا تزال الدورة الشهرية تابو في دولنا العربية. ونعرف أن الفتيات يخجلن من الحديث عن هذا الموضوع، ما يفاقم المشكلة إذ يلجأن في المقابل إلى البحث عبر الإنترنت لعدم وجود تثقيف حول هذا الموضوع في المدارس أو في الأسرة".
قالت 74% من المشاركات إنهن لا يشعرن بالراحة عند الحديث عن الدورة الشهرية مع الذكور عامةً. وترتفع النسبة إلى 77% حين يتعلق النقاش حولها مع الأب أو الأصدقاء.
وتوضح عواضة أن هذه دراسة "إحصائية" فقط، وأن حملتهم تتضمن دراسة أخرى سياسية تحليلية، مشيرةً إلى أن أولى التوصيات التي يطالبون بها بناءً على الدراسة الميدانية، هي "أن تقوم الحكومة بتوفير جميع مستلزمات الدورة الشهرية باعتبار ذلك حقاً أساسياً وليس امتيازاً لأنه يتعلق بالكرامة الإنسانية".
وتقترح في هذا الصدد "توفير مستلزمات الدورة الشهرية، ودعم أسعارها وتخفيض الضرائب عليها وتوزيعها مجاناً عبر المراكز الصحية الحكومية، خاصةً أن الدراسة كشفت أن نسبة كبيرة ممن يعانين عدم القدرة على توفير الفوط الصحية هن من الشريحة المجتمعية المحدودة الدخل".
وتنبه عواضة إلى أن "في ميل" تقوم بدورها كمنظمة مجتمع مدني في تنظيم حملات المناصرة وتوزيع الفوط الصحية مجاناً، مستدركةً بالقول "لكن، لا نستطيع القيام بدور الدولة لأن الدولة هي المسؤولة عن توفير هذه المواد وهي التي تتحكم بأسعارها وينبغي أن تتحرك إزاء تلك الأزمة الجديّة".
وتعتبر عواضة أيضاً أن التوعية حول الدورة الشهرية بالمناهج التعليمية، كموضوع بيولوجي غير مخجل، أمر ضروري "لأن جزءاً من المشكلة ناجم عن الثقافة المجتمعية وطريقة التربية وصمت الفتيات".
وتشدد: "نحن مع أي بديل يحفظ كرامة النساء. نطالب بتأمين كل البدائل وتُعطى المرأة الفرصة لتقرير ما يناسبها دون فرض أي حل عليها بذريعة الأزمة المالية". وتضيف نجا إلى اقتراح عواضة: "ما فيني أفرض على سيدة أو أجبرها أنو تستبدل الفوطة الصحية اللي طول عمرها بتستخدمها بفوط متعددة الاستعمالات. يمكن تكون غير مرتاحة لتجربة هذا الخيار".
أخيراً، تتمنى عواضة أن تسهم نتائج الدراسة في زيادة التوعية حول مشكلة فقر الدورة الشهرية في لبنان، وإن أقرت بأن تعدد الأزمات في البلاد قد يعرقل جهودهم، خاصةً أن "كثيرين لا يستوعبون خطورة الأزمة وأثرها المباشر على صحة المرأة الجسدية والإنجابية… لا يدركون أن الفاتورة الاستشافئية قد تكبد أضعاف كلفة توفير هذه المستلزمات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون