في أفضل حالاتنا كإناث، وعند وجودنا في أماكن مريحة وتواجد كافة المستلزمات حولنا، غالباً ما تشكل لنا العادة الشهرية إرباكاً بسبب ما يسبقها وما تترافق به من آلام جسدية ونفسية.
وإذا تغاضينا عن أنها أحد التابوهات التي لا نتحدث عنها بشكل تلقائي في أحاديثنا اليومية وفي ظل حياة تُسمى "بالطبيعية"، وإن قبلنا فكرة أن الألم شيء مفروغ منه وعلى الفتاة تحمله دون شكوى، وإكمال أعباء الحياة الأخرى وكأن شيئاً لم يكن، وإن تجاهلنا ما يتم تداوله من خرافات ومعلومات مغلوطة حول العادة الشهرية بحد ذاتها، نتساءل عندها، ماذا عن الفتيات والنساء في المناطق المحاصرة أو القاطنات في مخيمات اللجوء؟!
كيف تتدبر النساء اللواتي لا يملكن مأوى ويقطن في الشوارع أو الحدائق أمرهن؟! وماذا عن النساء العالقات على حدود الدول؟! كيف يتعاملنّ مع العادة الشهرية ومستلزماتها وتوابعها؟!
في الظروف الخاصة كالحروب، وفي مخيمات ليس فيها الحد الأدنى من الخصوصية، وغياب المأوى "لأي سبب كان"، الحديث عن الحالة النفسية خلال العادة الشهرية أو ما تتسبب به من آلام جسدية هي رفاهية، نادراً ما نسمع عنها من النساء اللواتي يعشن ضمن تلك الظروف القاسية.
معاناتهن وهمومهن أكبر وأقسى من مجرد ألم جسدي لا يلاحظه أحد، لأنهن لا يملكن المستلزمات الضرورية جداً، كالفوط الصحية أو ما يعوض عنها، بالإضافة إلى عدم وجود أماكن للتخلص منها بعد استخدامها، وعدم القدرة على تبديل الثياب بأخرى نظيفة في كثير من الحالات، إلى غياب الحمامات مع المياه الجارية والصابون لتنظيف أجسادهن.
تعيش الكثير من النساء اللاجئات في خيم، وكثيراً ما يشتكين من أعين المتطفلين التي تحاول اختلاس النظر إليهن وهن يبدلن ثيابهن، ومن الحمامات المشتركة التي تعتبر غير آمنة وغير مريحة، ليس لها أقفال إضافة لقذارتها، وعدم وجود أماكن لنشر الثياب حتى تجف بعد غسلها، بالإضافة الى عدم وجود بدائل كافية من الثياب فيضطررن لارتداء الثياب الداخلية قبل أن تجفّ تماماً، ما يسبب إصابات ببعض الأمراض، كما تعاني الكثير من النساء في تلك الأماكن من التهاب في المجاري البولية أو التناسلية، والتي غالباً ما تُترك دون علاج لأسباب تتعلق بالخجل أو الأولويات.
أشياء كثيرة لا يمكن أن تخطر على بالنا نحن اللواتي لم نعش في المخيمات، تعطل حياة الفتيات والنساء هناك، حيث الحمامات المشتركة في مخيمات اللجوء غالباً ما تكون بعيدة والطرق إليها غير مضاءة ليلاً كما يجب، ما يجبر الفتيات على تجنب استخدامها خوفاً من الاعتداء عليهن أو إحراجهن، بالإضافة إلى الخوف من الثعابين المنتشرة بالأماكن الصحراوية.
في تقرير نٌشر في موقع huffpost، ذُكر فيه "فإن اللاجئات السوريات في لبنان وصفن الحمامات المشتركة بالضيقة والقذرة، وقلن إنهن يفضلن تغيير مواد الحيض في ملاجئهن، رغم أنها لا توفر لهن أي خصوصية"، وقالت إحدى الفتيات المراهقات هناك إن "الجدران التي تُصنع منها الخيام وتفصل بينها عادةً ما تكون مجرد بطانيات وأغطية بلاستيكية شفافة، أي شخص من الخارج يمكنه رؤيتك من خلالها".
كما تتعرض الفتيات للمضايقات والسخرية والإحراج عند الذهاب لأخذ مخصصاتهن من الفوط الشهرية، ما قد يعيق نشاطهم الاجتماعي أو حتى الذهاب الى الحصص الدراسية بعد ذلك.
هذه الحصص الدراسية نفسها من الممكن أن تكون مصدر إحراج وازعاج للفتيات، في صفوف غالبية معلميها من الرجال، عندما يتطرق المعلم خلال دروسه للحديث العلمي عن العادة الشهرية ويبدأ بعض الصبيان بالضحك والتعليقات المسيئة.
وذلك في ظل وجود نقص، أو حتى غياب كامل، للمعلومات لدى الفتيات الصغيرات اللواتي لا يعرفن كيفية التصرف عندما تفاجئهن العادة الشهرية للمرة الأولى، ما قد يعرضهن للسخرية والتنمر بسبب عدم معرفتهن كيفية إدارة مواقف مماثلة.
مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن النقص في مستلزمات الحيض في المخيمات، وحسب الموقع السابق نفسه، تسبب القلق للكثير من الإناث، وهي أماكن التخلص منها بعد استخدامها، وعند سؤال الكثير من السيدات والفتيات الصغيرات تبين أنهن غالباً لا يجدن أماكن فيها الحد الأدنى من الخصوصية لرمي الفوط الصحية أو حتى قطع القماش المستخدمة، لذلك يلجأن أحياناً إلى الذهاب إلى أماكن بعيدة عن أعين الناس لدفنها بالأرض، أو حتى رميها في مجاري الصرف الصحي، ما يؤدي الى انسدادها في الكثير من الأحيان.
في مخيمات ليس فيها الحد الأدنى من الخصوصية، وغياب المأوى "لأي سبب كان"، الحديث عن الحالة النفسية خلال العادة الشهرية أو ما تتسبب به من آلام جسدية هي رفاهية، نادراً ما نسمع عنها من النساء اللواتي يعشن ضمن تلك الظروف القاسية
في الوقت نفسه الذي تحاول الإعلانات التجارية الترويج لمنتجاتها من الفوط الصحية، هناك نساء لا يستطعن الخروج من منازلهن خلال فترة الحيض، وفي حال كن بلا مأوى، قد لا يتحركن من مكانهن خوفاً من أن يرى الناس الدم المتسرب فتلحق بهن "وصمة عار"
ماذا تستخدم الفتيات الفقيرات واللواتي يعشن في ظروف خاصة ولا يستطعن الحصول على الفوط الصحية؟!
في الحالات "الجيدة" يستخدمن الأقمشة أو الثياب القديمة والجوارب. وقد تطرأ المشكلة التي ذكرتها سابقاً وهي عدم وجود أماكن لتجفيفها، خاصة لدى الفتيات اللواتي يعشن في الحدائق أو الشوارع، ما يضطرهن لإعادة استخدامها وهي رطبة وتكون بيئة خصبة للباكتيريا، بالإضافة إلى استخدام الأوراق والأكياس البلاستيكية وقطن تنظيف المكياج.
في الوقت نفسه الذي تحاول الإعلانات التجارية الترويج لمنتجاتها من الفوط الصحية بطرق تشجّع النساء على شرائها، ويتم إقناعهن بأنها مريحة، ويتم التعامل مع حجمها بحيث يمكن اخفاؤها تحت الثياب بطرق مضمونة، وحتى يمكن ارتداء الثياب الزاهية والبيضاء خلال فترة الحيض، هناك نساء لا يستطعن الخروج من منازلهن أو أماكن سكنهن خلال فترة الحيض، وفي حال كن بلا مأوى، قد لا يتحركن من مكانهن خوفاً من أن يرى الناس الدم المتسرب فتلحق بهن "وصمة عار"، ويضطررن إلى ابتلاع السخرية والتعليقات الجارحة التي يطلقها المتنمرون.
في هذا السياق، من الجدير بالذكر أن إحدى المنظمات وبالتعاون مع متطوعين يعملون مع اللاجئين، قامت بإنشاء مصنع صغير لصناعة الفوط الصحية في مخيم الزعتري في الأردن، ودرّبوا بعض اللاجئين على الماكينات التي تم شراؤها، عبر تأمين تبرعات مالية عبر الإنترنت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين