قبل انطلاق موسم دراما رمضان الماضي، بدأت الأخبار تزف إلى جمهور أحمد حلمي بشرى جديدة، مفادها أن نجمهم قرر أخيراً أن يقتحم عالم الدراما التلفزيونية، من أوسع أبوابه، وأنه قرر أن يقدم السيرة الذاتية للكاتب الكبير نجيب محفوظ في تجربة درامية اختار لها اسماً مبدئياً، بحسب المواقع الفنية التى تناقلته: "النجيب".
هلل جمهور حلمي للخبر، فيما وقف على الجانب الأخر من تلك التهليلات والمباركات فريق آخر عبّر عن مخاوفه من تلك التجربة؛ أولاً لأن حلمي نفسه لم يوفق في تجاربه السينمائية الأخيرة، بحسب أرقام الإيرادات، وثانياً لأن تجارب السير الذاتية في مصر لم تحقق النجاح الذي طالما انتظره الجمهور وأبطال تلك التجارب.
ذلك ما جعل من مخاوف هؤلاء أمراً منطقياً، دفعنا نحو النقاد وأهل الفن لنسألهم: هل يغامر أحمد حلمي بتجربة كتلك، وهل يمكن أن يؤدي فشلها إلى تراجع أسهم أحمد حلمي وربما القضاء عليه كنجم طالما جاءت بداياته مبشرة ومربحة على المستويين النقدي والجماهيري، وحتى في شباك الإيرادات قبل أن تصدم تجاربه السينمائية الأخيرة جمهوره بفشلها في نفس الشباك؟
الناقد الفني كمال القاضي أجاب على هذا السؤال لرصيف22 وقال: "في البداية لا بدّ من التنبيه إلى أن الأعمال الدرامية والسينمائية القائمة على تسجيل السيرة الذاتية تمثل أهمية كبرى كونها توثق المشوار الخاص بالشخصية المعنية بتفاصيله الكبيرة والصغيرة، وفي ذلك استفادة تاريخية وإبداعية وثقافية بالطبع، حتى وإن لم يكن هناك مردود ربحي، لأن مثل هذه الأعمال من المفترض أنها لا تستهدف الربح لأن قيمتها الفعلية أهم من ذلك."
وتابع القاضي: "ثم إن السيَر الذاتية السينمائية والدرامية لم تفشل في عمومها فهناك فيلم (ناصر 56)، و(أيام السادات)، و(ناجي العلي)، ومسلسلات (أم كلثوم) و(إمام الدعاة)، و(أسمهان)، كلها ناجحة بالمقياس الفني والتاريخي، وهي مطلوبة وضرورية لحفظ الذاكرة الوطنية كيفما كانت المعالجة التي قد نختلف عليها. وأتصور أن توثيق حياة نجيب محفوظ سينمائياً أو درامياً سيكون له اعتبار كبير، خاصة إذا تم الاعتناء بالكتابة لأنها الأصل في الترتيب الأبجدي للعمل الفني."
"المشكلة الكبرى أنه خلال كتابة السيَر الذاتية يجد المؤلف نفسه بين مشاكل قانونية وأزمات مع الورثة، وأيضاً الجمهور، الذي يرفض أن يرى من يحبُّ بصورة غير مرضية"
ووجه القاضي نصيحة مهمة للنجم الكبير أحمد حلمي وقال: "عليه أن يدقق جيداً في تفاصيل التجربة لأن نجيب محفوظ شخصية عالمية وله خصوصية إبداعية، وبالتالي التعامل مع شخصيته توثيقياً لابد أن يكون مدروساً. وقد نجح نور الشريف قبل ذلك في تقديم شخصية توفيق الحكيم في فيلم (عصفور من الشرق) لأنه كان واعياً بالقيمة الإنسانية والثقافية للشخصية."
"ومن وجهة نظري أرى العودة للسير الذاتية خطوة مهمة شريطة أن تكون التجربة على المستوى اللائق، ولتحقيق ذلك لا بد من سيناريو جيد وإنتاج وفير ومخرج محترف محيط بواقع نجيب محفوظ الأدبي والاجتماعي والفكري والفلسفي، فإذا توافرت هذه الشروط نجح العمل بامتياز."
ويرى الكاتب والروائي محمد عبدالقادر، أن حلمي يخوض مغامرة كبرى، مشدداً على أنه كان بحاجة إلى تقديم نفسه للجمهور أولاً على الشاشة الصغيرة بتجربة بعيدة عن السيَر الذاتية، التي لم ينجح منها إلا القليل في مصر."
وتابع: "سبق وشهدنا (خناقات) كثيرة بين صناع الأعمال الفنية التي تتناول السيرة الذاتية لفنان ما أو شخصية عامة، وبين أسرته، التي تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، تماماً كما حدث مع مسلسل (أسمهان)، الذي واجه مشاكل كثيرة من قبل عائلة أسمهان، آل الأطرش، الذين اعتبروا المسلسل يسيء للعائلة، مؤكدين أن شخصية (فؤاد الأطرش)، شقيق أسمهان، ظهرت غير متزنة، أما شخصية الأم فتمّ تصويرها على أنها لا يهمها سوى جمع المال."
"الغالبية اهتمت بتقليد حركات الشخص بدلاً من الغوص في شخصيته"
يكمل عبدالقادر لرصيف22: "أنا شخصياً أرى أن الأزمة في تناول تلك الأعمال، تدور حول هذا التدخل، لأن الأسرة لن توافق طبعاً على إظهار بعض من المشاهد التي تراها مؤثرة على شعبية صاحبها، ومن غير المنطقي أن نرى هذه الشخصية أقرب إلى الملاك على الشاشة. ونتيجة ذلك خروج عمل يمجّد في صاحبه بدلاً من التعاطي معه كشخصية درامية لها ما لها وعليها ما عليها، ناهيك طبعاً عن تركيز البعض من صناع تلك الأعمال على الشكل فقط دون المحتوى، بمعنى أنك ستجده يصب كل تركيزه على أن تخرج شخصية الممثل بنفس ملامح الشخصية الأصلية، وكأن هذا فقط ما يضمن نجاح العمل."
ويضيف: "هذه المرة، وفي تجربة حلمي، لدينا شخصية تاريخها زاخر بالنجاحات والإنجازات وحتى الأحداث، وهو ما يجعل من الدور والعمل إجمالاً، تجربةً شاقة لا بد أن يحسب لها حلمي جيداً، وأعتقد أنها ستحتاج منه إلى وقت طويل، ربما يتجاوز عامين أو ثلاثة. أما تقديمها في عام واحد فأعتقد أنه سيكون ضرباً للعمل كله في مقتل."
بدوره يشدد الناقد الفني أحمد سعد الدين على أن أحمد حلمي ممثل جيد جداً، ويختار أدواره بعناية. وبالنسبة لتقديم تجربة سيرة ذاتية لنجيب محفوظ فهي شخصية ثرية جداً، فيها الكثير من الدراما، وحياته فيها تفاصيل كثيرة، بعيداً حتى عن الكتابة، وهي مغرية لأي ممثل ليتصدى لتقديم شخصيته على الشاشة."
"ليه السير الذاتية بتفشل في مصر؟" يجيب سعد الدين على هذا السؤال قائلاً: "المشكلة كلها خاصة بالسيناريو، خاصة أن أهل الشخص اللي بيتعمل عنه سيرة ذاتية بيبقوا عايزينه ملاك ومفيش ملاك على الأرض، ومن هنا بيفشل المسلسل بسبب الخلافات الكثيرة جداً مع أهل صاحب السيرة وحصل من قبل مع مسلسل (سعاد حسني) وغيره."
"أنا مشفق على أحمد حلمي من تجربة كهذه يمكن أن تهبط به من سابع سما إلى سابع أرض "؛ هكذا بدأ المخرج أحمد عبدالراضي حديثه لرصيف22، مضيفاً: "حلمي رفع سقف التوقع عند الجمهور بتقديم تحفة فنية، وإن كنت أتوقع ألا تحظى بالنجاح الكبير الذي ينتظره الجمهور، وربما فعلاً تقضي تلك التجربة على شعبيته المتراجعة منذ فترة بسبب فشل إيراداته الأخيرة."
"شخصية نجيب محفوظ ثرية جداً، حتى بعيداً عن الكتابة، وهي مغرية لأي ممثل ليتصدى لتقديم شخصيته على الشاشة"
ويتابع: "أغلب مسلسلات السير الذاتية فشلت لأنها لم تلبِّ طموح الجمهور، في معرفة حياة صاحب السيرة بشكل دقيق، والغالبية اهتمت فقط بتقليد حركات الشخص بدلاً من الغوص في شخصيته. وأذكر هنا ما حدث مع مسلسل (أبو ضحكة جنان) الذي تناول قصة حياة إسماعيل يس، فرغم أن من أخرجه هو نجله ياسين، ومن كتبه هو أحمد الإبياري ابن صانع أسطورة ياسين الكوميدية، أبو السعود الإبيارى، إلا أن المسلسل فشل بشكل لم يتوقعه أحد، لأن بطله، أشرف عبد الباقي، اهتم بالشكل فقط، وبتقليد إسماعيل يس، كما أن الجمهور لم يتقبل أن يرى نسخة من إسماعيل يس الذي عشقوه بهكذا تفاصيل."
الكاتبة ميار مجدي ترى أن المعضلة تكمن في "الورق"، وتقول لرصيف22: "المشكلة الكبرى أنه خلال كتابة مثل هذا النوع من الأعمال يجد المؤلف نفسه بين مشاكل قانونية وأزمات مع الورثة، وأيضاً الجمهور، الذي يرفض أن يرى من يحبُّ بصورة غير مرضية، أو أن يكشف له المسلسل عن جوانب سلبية لم يكن يعرفها في صاحبها وهو ما يصيبه بالإحباط. ولأن بعض المؤلفين يتخوفون من رد فعل الجمهور في حالة كتلك نجد أقلامهم مهزوزة تجرى فقط على الإيجابيات دون غيرها."
وتمضي في حديثها لتقول: "مع تراجع أعمال السير الذاتية ومع فشلها لم يعد لدى المنتجين الحماس الكافي لتقديم مزيد منها، خصوصاً وأنها باتت صعبة التسويق، ومن المؤكد أن المنتج لن ينتج مسلسلاً يكلفه الملايين ليخسر في النهاية، فأحد أهم أسباب نجاح تلك الأعمال هو اختيار الشخصية المناسبة، ووجود ما يستحق في حياتها أن نسرده في عمل فني. أنا مثلاً سمعت أنه سيصنع مسلسلاً عن حياة (أوكا) و(أورتيجا)، ومع كامل احترامي لهما، أتساءل ماذا عملا أصلاً من أجل أن يصنع مسلسلاً عن حياتهما؟"
واختتمت ميار: "أعتقد أن نجاح تجربة سيرة ذاتية تحتاج من صناعها إلى أن يدرسوا مشاريعهم جيداً وينفّذوها بشكل ممتاز، وأن يكون بها جديد يجذب المشاهد الذي أصبح إرضاؤه أمراً صعباً للغاية في ظل ما نعيشه من تقدم وما تعجّ به المنصات الإلكترونية من أعمال مهمة يومياً. وإذا كان لي أن أنصح حلمي فأقول له (بلاش التجربة دي) لأنها سوف تؤثر عليه بالسلب."
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...