شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا لا نقرأ الأحاديث في سياقها التاريخي؟

لماذا لا نقرأ الأحاديث في سياقها التاريخي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 21 يونيو 202105:17 م

قبل نحو عامين، شاركت في أحد الصالونات الثقافية حيث دار الحديث حول أحقية المرأة في تولي المناصب العليا، بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية. بالطبع، استدعى النقاش الحديث المنسوب إلى النبي: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". دهشتُ حين شهدت، للمرة الأولى تقريباً، اتفاقاً بين المحافظين من ممثلي الجهات الدينية، والمتنورين من ممثلي التيار العلماني، على أن هذا الحديث غير صحيح. كلاهما اعتمد على أساس واحد، وهو أن الحديث المنسوب إلى النبي هو حديث أحادي، ولا يُعتد به تالياً.

همست وقتها في أذن صديقي الجالس بجواري، لو لم يكن الحديث أحادياً، لاتّهمونا بمعارضة السنّة النبوية. وهو ما تذكرته وأنا أقرأ التصريحات التي أدلى بها مؤخراً ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من أن الأحاديث الأحادية لن تكون ملزمة لمنظومة الفقه الإسلامي في السعودية، وأن الملزم هي آيات القرآن الكريم، والأحاديث المتواترة فحسب. والمقصود بالأحاديث الأحادية، تلك التي رواها رجل واحد فقط، ولم تُذكر على ألسنة آخرين، عكس الأحاديث المتواترة التي يرد ذكرها على أكثر من لسان، ما يمنحها مصداقية أكبر وفق منظومة الفقه الإسلامي.

استبعادنا للأحاديث الأحادية، والالتزام بالأحاديث المتواترة، يعني أننا نقيم كل شيء على أساس عدد الرواة، وليس على أساس مضمون تلك الأحاديث

شخصياً لدي مشكلة مع تلك الطريقة في التعامل مع الأحاديث المنسوبة إلى النبي. فاستبعادنا للأحاديث الأحادية، والالتزام بالأحاديث المتواترة، يعني أننا نقيم كل شيء على أساس عدد الرواة، وليس على أساس مضمون تلك الأحاديث.

ولعل القارئ يشاركني في تلك المشكلة، حين يعلم أن الأحاديث التي تندرج تحت بند "متفق عليه"، هي الأحاديث التي أقرّها الإمامان، البخاري ومسلم، فقط. وتالياً، ليس هناك فرق كبير بين الأحاديث الأحادية التي رواها فرد، والأحاديث المتفق عليها التي رواها اثنان.

لكن بعيداً عن تلك التقسيمات العددية، فإن خطورة هذا المقياس الذي يعتمد عليه المحافظون والمتنورون على حد سواء، تكمن في أنه يجعلنا نترك أهم الأسس التي من المفترض أن يتم على أساسها تقييم الأحاديث النبوية في العصر الحالي، وما نأخذه منها، وما نتركه. وأقصد بالأسس وجوب فحص معنى الحديث أولاً، قبل البحث عن عدد رواته، ثم إلى أي غاية يرمي، وما هي أسباب نزوله، والظروف التي أحاطت به حين قاله النبي، وهل ما قاله النبي في عصره يصلح للعصر الحالي؟ واستناداً إلى تلك الأسس، نأخذ ما يفيدنا، ونترك ما عفا عليه الزمن، وبات غير صالح، كما سنأخذ بالأحاديث الأحادية إن كانت تنص على المحبة، والتعاون، والقيم الإنسانية. وسنترك الأحاديث التي تنص على القتل والإرهاب. ففي رأيي، تلك أحاديث غير صحيحة حتى لو اتُفق عليها. إذ ليس هناك دين يدعو إلى الكراهية، والتحكّم بالناس، وترويعهم.

إن خطورة هذا المقياس الذي يعتمد عليه المحافظون والمتنورون على حد سواء، تكمن في أنه يجعلنا نترك أهم الأسس التي من المفترض أن يتم على أساسها تقييم الأحاديث

لن نكون أول من يفعل ذلك. فقد فعلها عمر بن الخطاب، ليس مع الأحاديث النبوية، بل مع آيات القرآن نفسها حين رفض أن تُمنح أموال الزكاة لـ"المؤلفة قلوبهم"، كما نص القرآن الكريم. وقال ما معناه أن هذا كان يصلح للدين الإسلامي في بدايته. لكن الآن، بعد أن ظهر، وسمع به الجميع، لن يكون هناك ترغيب بالمال، ليصبح عمر بن الخطاب بذلك، أول من قرأ القرآن في سياقه التاريخي. كان هذا تعاطيه مع كلام الله المقدس، فما بالك بالأحاديث التي كُتبت بعد وفاة النبي بعقود عدة.

أما الخطر الأكبر، والكارثي بالنسبة إليّ، هو أننا، بانسياقنا وراء مقياس عدد الرواة، وتقسيم الأحاديث إلى أحادية، ومتفق عليها، وهو مقياس وضعه رجال الدين، نؤيد، من دون أن نقصد، ما جاء في الأحاديث الـ"متفق عليها"، كله. وعليه، فإننا نؤيد زواج الأطفال، لأن حديث زواج النبي من السيدة عائشة، وهي طفلة، هو حديث "متفق عليه"، على الرغم من وجود روايات أخرى تشير إلى أنه تزوجها في سن السادسة عشر. كما أننا بانسياقنا وراء هذا المقياس، نؤيد، من دون قصد أيضاً، الحديث المنسوب إلى النبي: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله". وهو حديث يصور من أرسله الله رحمة للعالمين، قائد عصابة يجبر الناس على الإيمان، لا أكثر.

الأمثلة كثيرة على الأحاديث المنسوبة إلى النبي، وتندرج تحت بند "متفق عليها". كما أن هناك أحاديث كارثية منسوبة إلى النبي، وتندرج تحت بند "أحادية". وهو ما يجعلني أقول إن المشكلة ليست في عدد الرواة، ولا يمكن الاعتماد على هذا المقياس لتصديق الحديث، أو لتكذيبه. كما لا يمكن أن ننساق وراءه، لأنه يبدو فخّاً. فحين يقولون لنا: سنجعل الأحاديث الأحادية غير ملزمة. يقولون لنا أيضاً، بطريقة أخرى: لن نقترب من الأحاديث الـ"متفق عليها".

 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image