شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قداسة أم

قداسة أم "نجاسة"؟… حمّامات بيوت العيلة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 22 يونيو 202106:08 م

قديماً كان الناس يشعرون بالخصوصية أكثر في "الخلاء"، تلك الأماكن البعيدة عن المدن، والتجمعات البشرية، حيث يقضي الإنسان حاجته، ليس فقط مخلفات عملية هضم المعدة، ولكن أيضاً خيالاته الجنسية، وحتى الروحانية.

لطالما ارتبطت تلك الأماكن بوجود الجان الشرير، واعتبرها فقهاء الإسلام السني أماكن نجسة ملعونة، وأوصوا الناس بترديد: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"، عندما تطأ أقدامهم "الخلاء".

من ناحية تطورية، فإن تلك الأماكن، التي كانت تحوي خراء الإنسان، برائحته الكريهة، شديدة التقزز، صرفت  الحيوانات المفترسة عن أماكن وجود البشر، خاصة آكلي اللحوم من كائنات الغاب والصحارى.

وكان المراهق البدائي يتخيل في تلك الخلوات، ويكتشف الاستمتاع الذاتي، وقوة الصورة العقلية، ذلك حدث في فترات موغلة في القدم، قبل اكتشاف المعدن، ونشوء المدن، في الصحراء أو الغابة وأماكن الطمي، وشُبهت زخات المطر على الطمي ودورها في بزوغ النباتات، بقطرات ماء الرجل في المرأة، والخصوبة، وتشكل الجنين.

في عصورنا الحديثة، تتحول الصورة الاستعارية للجنس إلى مسمار أو كائن صلب يخترق الجدار، بدلاً من المطر المختلط بالطمي، ومع اختراع الحمامات، بات مكان التبول هو ذاته مكان الاستمتاع الذاتي، والمملوء بأساطير مخيفة عن وجود الجان الشرير.

"أنا مش مبولة".

يشكو محمد (33 عاماً) مصري مقيم في قطر، من المنوفية، أنه عندما يمارس الحميمية مع صديقته، بلا مشاعر، وكلمات حب، تتأفف صديقته، وكثيراً ما تغضب، صارخة فيه: "أنا مش مبولة".

كانت بدايات الاستمتاع الذاتي لمحمد وأصدقائه في فترات المراهقة في الحمام، المكان الأكثر خصوصية وأمناً في المنزل، ولطالما غرق في خيالاته الجنسية الأولى أمام المرحاض، "لم تكن صديقتي مخطئة في إحساسها، ولكن ما العمل؟ هكذا تشكلت مشاعرنا الجنسية في الأساس، لا نمارس الاستمتاع الذاتي في الصحراء أو الغابة أو الأماكن المملوءة بالطمي مثل زملائنا في القرى الريفية، حيث يشكل الغيط "الحقل"، مكاناً خاصاً وآمناً"، يقول لرصيف22.

"رأيت شيطانة"

أحياناً تمتزج الخيالات الجنسية في الحمام بالأساطير الشعبية، تماماً مثلما حدث مع مازن (22 عاماً) الذي يدرس في السنة النهائية بجامعة القاهرة، ويعمل والده في التدريس، ووالدته ربة منزل.

في بيت الأسرة الصغير، مارس مازن الاستمتاع الذاتي في الحمام لمدة خمس سنوات، يتذكر تلك اللحظة الأولى قائلاً لرصيف22: "أخبرني أحد الأصدقاء عن موقع إباحي، وكانت أول مرة أراه في حياتي، ونزل شيء بين قدمي، وإحساس غريب باللذة".

ويضيف: "وجدت بالحمام ملاذاً آمناً، السرية، والراحة، والمتعة في فعل ما أحببته، ظللت هكذا عامين".

عاد صديق له من أمريكا، ليكتشف معه بعداً آخر في الحمام، بدا له مجنوناً، وهستيرياً، ولكنه ساحر أيضاً، قال له "هقولك سر، أنا بكلم حد في الحمام، بيخليني أعمل كل اللي نفسي فيه، ويجبلي بنات الحمام أمارس معاهم، ومن غير ماحد في البيت يشوفهم".

أخذ مازن الوصفة من صديقه، وهي من شموع ورسومات وطلاسم، وطبقها مازحاً، في يوم جمعة، اليوم الذي تغيب فيه الأسرة بكاملها لزيارات عائلية. يقول: "فجأة لم أشعر بشيء، ساد الظلام الدامس، وانطفأت الشموع، عدت للوعي بعدها بساعتين لأجد نفسي نائماً على أرض الحمام، فلعنت صديقي الذي خدعني، ودفعني إلى أن أشتري شموعاً من مصروفي الصغير".

في تلك الليلة، رأى مازن في نومه فتاة. يروي: "شكلها غريب ومرعب لدرجة بشعة، تتقرب، وتبتسم ابتسامة مخيفة وهي تقول لي أنا عاوزاك، وبدأت تخربشني، وشعرت بألم على صدري، وبتقزز، كنت كالمشلول، وعندما استفقت كنت أرى ابتسامتها المرعبة في عدة أماكن".

"هكذا تشكلت مشاعرنا الجنسية في الأساس "أمام المرحاض"، لا نمارس الاستمتاع الذاتي في الصحراء أو الغابة أو الأماكن المملوءة بالطمي مثل أصدقائنا في الأرياف، حيث يشكل الغيط "الحقل"، مكاناً خاصاً وآمناً"

فسر ذلك بأنه مس شيطاني، وأكثر من ذكر بعض آيات القرآن، وشيئاً فشيئاً اختفت صاحبة الوجه المخيف.

حالة رؤية الوجوه المرعبة، سواءً في الفضاء أو على وجوه الأصدقاء، يختبرها السكارى أيضاً، ومعتادو عقاقير الهلوسة، وبعض الفلاسفة يفسرون ذلك أنه نمط بدائي من أنماط الوعي، قبل تعلم الإنسان لغة الكلام المنطوقة، واعتماده بعض الهلاوس البصرية كطريقة في فهم الطبيعة والأشياء، وتتجلى في النوم العميق، والتأمل، وبعض المشاعر الحادة، ولا علاقة لها بالشياطين.

"أكره الحمام"

لم تعد الحمامات مكاناً خاصاً، وآمناً، مع ازدحام القاهرة، والأقاليم على ضفة نهر النيل، فيمكنك الآن أن تسمع حديث من يتكلم داخله، ويمكن أن تشعر بمواقيت دخوله وخروجه من الحمام، حيث يفضل العديد من الأسر بناء الحمام في منطقة وسطى من المنزل قبالة المطبخ وغرفة النوم والصالة معاً، حيث يمكن حتى للضيوف أن يروا الداخل والخارج من الحمام.

لذا، تسبب الحمام في كثير من الشجار، المرتبط بالرقابة على المرأة، البنت والأخت والزوجة، وتسبب أحياناً في طلاقات، مثلما حدث مع حسين (44 عاماً)، موظف حكومي من محافظة الجيزة.

ارتبط حسين بامرأة في إطار "زواج الصالونات"، تعارف سطحي مقام على أساس السمعة، وحسن المظهر، وحلم بحياة روتينية، هادئة، لا مكان فيها للمفاجآت، تشبه وظيفته.

كان يرى نفسه محظوظاً، فزوجته أصغر منه بعشر سنوات، ومر على زواجه 15 عاماً بلا مشاكل، وله ثلاثة أطفال، ماذا يريد أكثر من ذلك؟

بدأ في آخر عامين، يلاحظ تغيراً على سلوك زوجته، تجسد في ارتباطها بالهاتف، والنقر عليه، ثم تطور الأمر إلى دخولها المتكرر للحمام، واستغراقها وقتاً أطول من اللازم بشكل مستمر، يقول: “كنت أصحو من نومي ليلاً لأجدها في الحمام”.

"أصبحت العادات السرية والعلاقات الحميمية بين الأزواج وحتى السكس فون في الحمام، لأنه المكان الأكثر خصوصية، وأُضيفت إليه طقوس السحر أو حتى جلسات التأمل واليوغا”

أحس ذات ليلة باحتياجه للتبول، وهرع إلى الحمام، وقبل أن يطرق سمع أنينها الجنسي، انتظر ملياً ليتأكد أنها تحادث شخصاً آخر.

اقتحم عليها الحمام، فهربت بقميص نومها، وارتدت أزياءها، وفرت إلى منزل أحد أقاربها، ولم يرها حتى الآن، حررت ضده محضر “عدم تعرض” لخشيتها من انتقامه، ولكنه اكتفى بحضانة الأولاد، والطلاق.

تغيرت علاقة حسين بالحمام بعد ذلك، بات يكرهه بشدة، ولا يدخله إلا لما تقتضيه الضرورة، ولا ينظر حتى إلى وجهه في مرآته.

مكان مقدس

تعقد إحساسنا بالحمام، بتعقد نضجنا، وحياتنا النفسية والاجتماعية، هكذا أفكر عندما أتذكر أحاسيسي الأولى عنه، كان بالنسبة لي في طقولتي التي عشتها بالسعودية مكاناً فاخراً للعب، أستحم كالبطة، وأصدر أصواتها، وأتزحلق على الأرض الرخامية، وفيه أستخدم مرطبات الجسم وعطوره.

وعندما عدت إلى القاهرة، صدمت بحمام بيت جدتي، الذي انتقلنا للسكن فيه، كان أصغر، ولا يوجد به حوض استحمام والسخان معطل.

 "المنور"، أسمع فيه أصوات فئران وزواحف.

أصبحت لا أطيقه، خاصة بسبب تلك النافذة المخيفة التي تطل على مكان واسع، مكب نفايات، نسميه "المنور"، أسمع فيه أصوات فئران وزواحف.

تزامن ذلك مع انتقالي من مرحلة الطفولة إلى بدايات الإحساس بالرغبة، كنت خجولة جداً، كان يطل كسائر الحمامات في بيوت صديقاتي على الصالة، حيث يجلس الضيوف وينتطرون، فكنت أحياناً أؤخر حاجتي حتى يخلو المنزل من الضيوف.

وكان حدثاً كبيراً بالنسبة لي، عندما رأيت ابنة عمتي في منزلها تخلع ملابسها أمام الحمام وليس داخله، ضحكت عمتي وقالت هذه عادتنا.

تشير ريتا مالاتشي، أستاذة مساعدة في علم الاجتماع بجامعة مومباي، إلى أهمية التطورات في المجتمع، ودورها في تغير مشاعرنا حيال الحمام، ليصبح المكان الأكثر خصوصية، وفيه تبزغ الأفكار الجديدة والمبتكرة للفنانين والرسامين والممثلين وغيرهم، "هنا اكتشفوا من يكونون لأول مرة في حياتهم"، تقول.

وتضيف: “تطور الأمر مع تطور الأزمنة، وأصبحت العادات السرية والعلاقات الحميمية بين الأزواج وحتى السكس فون يتم ممارسته في الحمام، لأنه أمر خاص جداً لا يجب حتى اكتشافه عن طريق الخطأ، وأُضيفت إليه طقوس السحر أو حتى جلسات التأمل واليوغا”.

في الهند، التي أعيش فيها الآن، على عكس القاهرة، لكثير من الأسر حمامان، حمام خاص بالضيوف، وآخر لأصحاب المنزل، لأن هناك أشياء يجب أن لا يراها الغرباء.

تقول ريتا مالاتشي، محددة هوية الحمامات في الهند، لرصيف22: "هو مكان مقدس يجب أن لا يدخله غريب”.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image