تسببت زيارة مفاجئة لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى العاصمة الليبية طرابلس، في موجة غضب عارمة بين الناشطين الليبيين.
الزيارة التي وصفها البعض بأنها ذات طابع استعماري، تمت من دون التنسيق مع الجانب الليبي، إذ كان في استقباله الجنود الأتراك المتواجدون في ليبيا، والسفير التركي، من دون أي وجود للجانب الليبي أثناء الاستقبال، أو أي مراسم رسمية.
الاستقبال الذي حدث داخل قاعدة معيتيقة الجوية في الـ12 من حزيران/ يونيو الجاري، جعل الخلافات تشتد بين الصفوف السيادية المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الرئاسي، خصوصاً مع وجود داعمين للزيارة، وآخرين يرفضونها جملة وتفصيلاً.
يعلل الداعمون لهذه الزيارة وجود رئيس أركان الجيش الليبي التابع للجناح الغربي في البلاد ضمن اجتماع الوفد لكونه سلطة عليا عسكرياً، ويُعدّ وجوده إثباتاً لعدم انتهاك السيادة.
أمّا المعسكر الرافض لهذه الزيارة، فيجزم بأنها رسالة واضحة، قبل برلين2 المزمع عقده في الـ23 من حزيران/ يونيو الجاري، لإخبار العالم بأن الوجود التركي لن ينتهي قريباً، وخروج القوات التركية ليس بنداً مطروحاً للنقاش، خصوصاً بعد التصريحات المباشرة التي أطلقها آكار في إشارة إلى حفتر بأنه ومواليه، المشكلة التي تواجه مسار الاستقرار الليبي. يُذكر أن اجتماع برلين يأتي لاستئناف المباحثات السياسية التي نتج عنها ما يعرف اليوم بحكومة الوحدة الوطنية، وأيضاً لمتابعة الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إجراؤها في الـ24 من كانون الأول/ ديسمبر القادم، ودعمها.
تاريخ الزيارة يُعدّ إنذاراً جدياً بأن مغادرة القوات التركية لن تكون قريبة، وهذا ما يضع الاتفاق السياسي الذي بُنيت على أساسه ملامح المرحلة القادمة في خطر، خصوصاً مع وجود حفتر في المعسكر المقابل، وتعنّته المعتاد في تنفيذ الاتفاقات
تركيا التي تكرر دوماً عبر ممثليها، من وزراء ودبلوماسيين، أن وجود قوات تابعة لها على الأراضي الليبية، ما هو إلا لدعم المسار الديمقراطي في ليبيا، وتعزيز استقرار ليبيا وسيادتها، وحمايتهما. وتستند تركيا في حجتها إلى الاتفاقية البحرية لترسيم الحدود التي أبرمتها مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. والاتفاقية التي لاقت استهجاناً واسعاً في الأوساط السياسية المحلية في ليبيا، والإقليمية، أصبحت اليوم "كارت" ضمان ترفعه السلطات التركية، وداعموها، داخلياً وخارجياً، في وجه كل من أراد الضغط لمغادرة القوات التركية ليبيا.
إلى أين وصلت جهود الـ5+5؟
عقب إخماد نار الحرب الأخيرة التي عاشتها ليبيا بين قوات خليفة حفتر، والمعسكر الغربي بقيادة قوات الوفاق، شُكلت لجنة ما يعرف بـ"5+5"، من الفصيلين المتناحرين، لتنطلق المباحثات لرسم خط التماس الذي استُقر عليه في مدينة سرت الليبية، وأيضاً الإشراف على وقف إطلاق النار، وإعادة هيكلة القوات العسكرية في ليبيا، وتوحيدها.
"وتيرة عودة العنف في ليبيا ستكون أشد، إذا ما فقدت ليبيا البوصلة في هذه المرحلة للتوجه إلى الانتخابات، ومع عودة الخطاب التحريضي، وعمليات الخطف، والإخفاء القسري، وتجدد النشاط المسلّح في أجزاء متفرقة منها"
اليوم، وبعد مرور قرابة عام على انطلاق المباحثات التي ما زالت مستمرة، تعجّ مدينة سرت وما يحيط بها، بالفصائل المختلفة من القوات الأجنبية، وعلى رأسها القوات التركية. وعلى الرغم من مناشدات وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بضرورة خروج القوات الأجنبية كلها من الأراضي الليبية، إلا أن ردود الأفعال تأتي دوماً عكس التوقعات، إذ يعدّ الجناح الإسلامي في ليبيا المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، وحزب العدالة والبناء الليبي، والقياديين السياسيين أمثال رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ووزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، أن وجود القوات التركية ضمان لاستمراريتها، ودعم لبقائها. وبالعودة إلى التاريخ، فقد كان هذا الجناح هو المحرّك الأساسي، والمسبب الأول لإبرام الاتفاقية التي هي اليوم أمر واقع على الليبيين.
أين عبد الحميد الدبيبة مما يحدث؟
يلتزم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الصمت المطبق في الخلاف الحاصل حول الزيارة التركية غير الموجودة على جدول أعماله، والتي تم تجاوزه فيها، ومن دون أن يكون حاضراً. ويصنّف البعض صمته على أنّه حذر من الوقوع في شباك الخلافات السياسية التي ليس الآن وقتها، مع اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري والقانوني الذي ستجرى وفقه الانتخابات القادمة التي في أوّل قائمة أعمال حكومته، فيما يصنفه المعارضون لفكره، والمتبنّون لموقف حفتر، في إطار قبوله بما يحدث، خصوصاً بعد زيارته تركيا في نيسان/ أبريل الماضي، عقب تسلمه مهامه كرئيس للحكومة. الدبيبة الذي يواجه تحديات عدّة، يحاول التركيز على موقفه في الملفات الأبرز على طاولة حكومته قصيرة المدى.
ما الأثر الذي ستخلّفه الزيارة التركية
تاريخ الزيارة يُعدّ إنذاراً جدياً بأن مغادرة القوات التركية لن تكون قريبة، وهذا ما يضع الاتفاق السياسي الذي بُنيت على أساسه ملامح المرحلة القادمة في خطر، خصوصاً مع وجود حفتر في المعسكر المقابل، وتعنّته المعتاد في تنفيذ الاتفاقات، إذ يبرر حفتر دوماً تحركاته العسكرية بحجة مخالفة الاتفاق من الطرف المقابل، ولكون خروج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية مطلباً ينفذ على الأطراف جميعهم، من دون استثناء، ويشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي مع إصرار تركيا على موقفها من إجبارها على المغادرة. من جهة أخرى، تنذر ردود الأفعال الانقساميّة التي حصلت داخل كل من حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الرئاسي، بانشقاق الصف الذي لربما يؤثر في سير عملية الاستحقاق السياسي القادم، وقد ينعكس سلباً على المحادثات القادمة، سواء في برلين، أو في ملتقى الحوار السياسي المقرر إجراؤهما هذا الشهر.
ثمة تصورات عدّة لما يمكن الإقدام عليه لإجهاض مشروع انتخابات 24 كانون الأول/ ديسمبر من قبل الأطراف التي لها مصلحة في ذلك، ولعلّ الأول من تموز/ يوليو يكون النقطة الفاصلة في هذا الخيار لمعرفة ما إذا كانت العودة إلى المربع الأول ستصبح واقعاً حتمياً، أم لا
سيناريوهات محتملة لما هو قادم
تواجه ليبيا هذه الأيام فترة انتقالية حساسة مع اقتراب موعد إصدار القاعدة القانونية والدستورية في الأول من تموز/ يوليو القادم، وهي خطوة حاسمة في مسار الاستقرار السياسي.
المحلل السياسي محمد الجارح يشرح الموقف لرصيف22 قائلاً: إنّ وتيرة عودة العنف في ليبيا ستكون أشد، إذا ما فقدت ليبيا البوصلة في هذه المرحلة للتوجه إلى الانتخابات، ومع عودة الخطاب التحريضي، وعمليات الخطف، والإخفاء القسري، وتجدد النشاط المسلّح في أجزاء متفرقة منها. وما هي إلا مسألة وقت حتى تتضح ملامح الأيام القادمة، وأين ستكون المحطة التالية، خصوصاً بعد التفجير الذي أقدمت عليه داعش في مدينة سبها (750 كلم جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس)، والذي استُهدفت فيه نقطة تفتيش أمنية تابعة لقوات حفتر، أسفرت عن مقتل ضابطين من أفراد البحث الجنائي، وإصابة خمسة آخرين، في خطوة استباقية من داعش لإثبات وجودها، ولفت نظر المجتمع الدولي، والمحلّي الليبي، إلى أنها لن تضيّع فرصة للوقوف في وجه تأسيس الدولة الليبية، وإعلان استقلالها وسيادتها.
داعش التي جمّدت نشاطها طوال العام الماضي، تعود في توقيت مفصلّي لترفع سقف الصعوبات المحلية، فيما تقوم بعض الجماعات المسلحة الموالية لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري بأعمال عسكرية تستهدف من خلالها أبرياء في مدينة العجيلات الواقعة غرب العاصمة طرابلس على مسافة 80 كلم، مثبتةً هي الأخرى اشتراكها وداعش في إفشال المساعي الجاهدة للذهاب إلى صندوق الاقتراع، والخروج من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة البناء.
ثمة تصورات عدّة لما يمكن الإقدام عليه لإجهاض مشروع انتخابات 24 كانون الأول/ ديسمبر من قبل الأطراف التي لها مصلحة في ذلك، ولعلّ الأول من تموز/ يوليو يكون النقطة الفاصلة في هذا الخيار لمعرفة ما إذا كانت العودة إلى المربع الأول ستصبح واقعاً حتمياً، أم لا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين