في خطوة تعكس الاستعدادات المكثفة لمواجهات مرتقبة في ليبيا، نفذّت مصر مناورة عسكرية في المنطقة الغربية، بينما تعتزم تركيا إجراء تدريبات جوية وبحرية ضخمة الأسبوع المقبل على مقربة من السواحل الليبية.
وبحسب بيان المتحدث باسم الجيش المصري العقيد تامر الرفاعي، في 9 تموز/يوليو، فإن المناورة كان هدفها التدريب على "القضاء على عناصر المرتزقة من الجيوش غير نظامية"، في إشارة واضحة إلى التنظيمات المسلحة الليبية.
وأشار المتحدث إلى أن المرحلة الرئيسية للمناورة شملت تدريبات جوية على "تأمين أعمال قتال القوات وتقديم المعاونة الجوية بغرض القضاء على عناصر المرتزقة من الجيوش غير النظامية، وتنفيذ رماية لاستهداف مناطق تجمع تلك العناصر ومراكز القيادة ومناطق التكدسات والدعم اللوجستية".
في هذه الأثناء، أعلنت تركيا عن إجراء مناورات في المياه الدولية في البحر المتوسط بمشاركة 17 طائرة حربية و8 قطع بحرية، بهدف تعزيز "قدرتها على السيطرة على المنطقة جواً وبحراً".
وقالت وسائل إعلام تركية إن المناورات المرتقبة ستجري قبالة سواحل ليبيا في ثلاث مناطق مختلفة، لم تحددها، لكن أطلقت عليها أسماء تركية وهي "بربروس" و"ترجوت رئيس" و" تشاكا باي".
ويأتي الإعلان عن هذه المناورات بعد أيام معدودة من زيارة قائد القوات البحرية التركية الأدميرال عدنان أوزبال إلى العاصمة الليبية طرابلس برفقة وزير الدفاع خلوصي آكار.
مؤشرات نزاع محتمل
مع تعهد تركيا بتقديم مزيد من الدعم لحكومة الوفاق للهجوم على سرت وقاعدة الجفرة، قد تتدخل مصر عسكرياً لدعم الجانب الآخر، ما يثير احتمال وقوع صراع خطير بين الجيشين التركي والمصري في الدولة الواقعة شمالي إفريقيا.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حذّر في كلمة له بقاعدة سيدي براني على الحدود الليبية أن سرت والجفرة خط أحمر، متعهداً بدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وقال السيسي أمام حشد عسكري لجنود مصريين: "كونوا مستعدين للقيام بأي مهمة هنا داخل حدودنا، وإذا لزم الأمر، خارج حدودنا".
نفذّت مصر مناورة عسكرية في المنطقة الغربية، بينما تعتزم تركيا إجراء تدريبات على مقربة من السواحل الليبية... عوامل عدة تشير إلى إمكانية تصعيد بين مصر وتركيا في ليبيا، فما هي الظروف والمعوقات اللوجستية والعسكرية بالنسبة للطرفين؟
في 5 حزيران/يونيو الماضي، غرّد مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية أن قاعدة الجفرة الجوية التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، وهي الأكبر في البلاد، ومدينة سرت ذات الأهمية الاستراتيجية، ضمن الأهداف التالية على قائمة خطط حكومة الوفاق الوطني.
وسجلت الوفاق وتركيا تقدماً ضد الجيش الوطني الليبي، في أيار/ مايو الماضي، فجرت السيطرة على قاعدة الوطية الغربية وكسر حصار قوات حفتر لمدينة طرابلس العاصمة.
في 4 تموز/يوليو الحالي، هاجمت طائرات حربية مجهولة قاعدة الوطية، لتدمير منظومات صواريخ دفاع جوي من طراز MIM-23 هوك نشرتها تركيا مؤخراً.
بحسب مجلة "فوربس" الأمريكية: "إذا كانت الأخبار صحيحة، فهي تشير بقوة إلى أن الهجوم نفذته مصر التي تمتلك أسطولاً من تلك الطائرات متعددة المهام منها رافال".
وقالت المجلة الأمريكية إن مقاتلات رافال المصرية تم تجهيزها بصواريخ ستورم شادو جو - أرض بعيدة المدى، ما يعني أنها كانت بالفعل قادرة على استهداف القاعدة مع تجنب أي دفاعات جوية منخفضة أو متوسطة المدى بسهولة نسبية.
واعتبرت المجلة أنه إذا ثبتت صحة استهداف مصر للوطية، فهذا يشير إلى أنها جادة في التدخل مباشرة في الصراع وضمان عدم سقوط الجفرة وسرت، معتبرة أن تدخل القاهرة في المستقبل القريب يمكن أن يعيد حكومة الوفاق إلى الوضع الدفاعي بسرعة، ما لم تقم تركيا بزيادة وجودها العسكري بشكل كبير.
وأبدت تركيا بالفعل استعدادها لإظهار "عضلاتها العسكرية" في ليبيا التي تقع على بعد مئات الكيلو مترات.
في حزيران/يونيو، على سبيل المثال، طارت مقاتلات F-16 التركية عبر البحر الأبيض المتوسط ، وأجرت تدريبات لمدة ثماني ساعات قبالة الساحل الليبي في رحلة ذهاب وإياب لمسافة ألفي كيلومتر، وكان ذلك دليلاً واضحاً على قدرة القوات الجوية التركية على التدخل في الصراع الليبي، وفقاً لـ"فوربس".
في هذا السياق، غرّد حساب "Egypt Defence Review" المعني بأخبار الجيش المصري: "من المُرجّح أن تفعل مصر كل شيء ولكن بمستوى أقل من الدخول في حرب فعلية مع تركيا".
وأضاف: "يمكن أن يكون الانتشار البري في شرق ليبيا، والضربات الجوية المحدودة ضد أهداف حكومة الوفاق الوطني، كافية بالنسبة لمصر، بينما تحاول الإمارات وفاغنر الاحتفاظ بخط سرت / الجفرة".
من جانبه، غرّد الباحث والمحلل السياسي مايكل حنا أنه يتفق مع هذا الرأي، لكن بمجرد أن يندلع التصعيد، حتى في ظل وجود نية محدودة لإشعال الحرب، فلا يمكن السيطرة على هذه الديناميات بالكامل من قبل أي من الأطراف المعنية.
لمن الغَلَبة؟
منذ كانون الأول /ديسمبر الماضي، تحذر تقارير تركية من وجود مخاطر عسكرية كبيرة تهدد القوات التركية، في حال نشرت أنقرة قوة كبيرة في ليبيا، وذلك بسبب الموقع الجغرافي البعيد، والدعم الذي يحصل عليه حفتر من دول إقليمية مجاورة حدودياً، خاصة من القوات البحرية والجوية في مصر، ما يجعل البيئة معقدة ومحفوفة بالمخاطر.
ورجّح تقرير نشره مركز "Defense Intelligence Sentinel" التركي أن يكون تأمين القوات الجوية التركية لمنطقة عملياتها ضد التدخلات المحتملة من الطائرات المصرية أو الإماراتية معضلة أخرى بسبب البعد الجغرافي، مضيفاً أن المسألة الليبية اختبار حقيقي لمدى تلبية جنرالات الجيش التركي لمطالب أردوغان.
"بمجرد أن يندلع التصعيد، حتى في ظل وجود نية محدودة لإشعال الحرب، فإن هذه الديناميات لا يمكن السيطرة عليها بالكامل من قبل أي من الأطراف المعنية"… محللون يحذرون من اشتباك محتمل بين مصر وتركيا في ليبيا
وأشار المركز إلى أن تركيا تمتلك خيارات محدودة في المجال الجوي الليبي، باستثناء نشر أعداد هائلة من الطائرات بدون طيار.
بدورها، اعتبرت "فوربس" أن خيار تركيا هو نشر طائرات F-16 في القواعد الجوية الغربية الليبية مثل الوطية، وهو ما يمكن أن يكون تطوراً كبيراً للغاية، لكن ستظل طائراتها تحت التهديد المستمر بالهجوم عندما تكون على أرض ليبية.
وبحسب المجلة، فإن أي انتشار كبير للقوات الجوية والبرية والبحرية التركية في ليبيا لن يكون كافياً إذا كان الأمر يتعلق بحرب فعلية مع الجيش المصري.
ووفقاً لتصنيف القوة العسكرية لعام 2020 على موقع "غلوبال فاير باور" الأمريكي، تمتلك مصر اليوم جيشاً أقوى من تركيا، حيث تحتل القاهرة المرتبة التاسعة وأنقرة المركز الحادي عشر.
في المقابل، لدى أنقرة ميزة وهي أن طائراتها من طراز F-16 مسلحة بصواريخ "جو-جو AIM-120 AMRAAM" بعيدة المدى، إذا دخلت في معركة جوية.
وتمتلك القاهرة مقاتلات رافال أكثر تقدماً من طائرات "F-4 Phantom IIs " القديمة في الجيش التركي. وفيما تستخدم مصر طائرات "هليكوبتر" آباتشي، لا تزال تركيا تستعين بطائرات "AH-1W Cobras"، وفق "فوربس".
وذكر التقرير أن تركيا لديها دبابات من طراز "Leopard II" الألمانية الصنع ودبابات "M60 Patton " العتيقة، في حين يتسلح الجيش المصري بدبابات من طراز "M1A1 Abrams" أمريكية الصنع ودبابات" T-90 الروسية".
وفي السياق، أشارت المجلة إلى أنه سيتعين على تركيا نقل دروعها الثقيلة من دبابات وغيرها عبر البحر الأبيض المتوسط، في حين أن مصر ستدفع بقوتها عبر الحدود بسهولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...