نقرأ في كتاب "سقيفة حُبّى" للباحث السوري جورج كدر، عن عادة مصّ بظر النساء عند العرب، إذ يذكر الخبر الذي أمصّت فيها حبّى بظرها لغلام لها، إذ "جلست ذات يوم بين فتيات قريش، فشهقت حتى كادت أضلاعها أن تتحطم، فقلن لها يا أمة، ما لك؟ قالت: قتلت نفساً، فتشاهقن!، ثم قلن أي أمة، وكيف قتلت نفساً؟ قالت خرجت يوماً من الحمام فجلست في المسلخ أتوضأ ومعي بني لابنة لي، ومعه جروله، فأتاني فدخل تحتي فلما رأى حمرة شفري وحري لطعه بلسانه لطعة فاستلذذته، فزاد، فلم أزل أدنو منه وأمكنه حتى أدركني ما يدرك بنات آدم، فخررت عليه فما رفعت عنه إلا وهو ميت، فقلن يا أمة ما هذا عيب، ما هذه إلا مكرمة".
"امصص بظر اللات"
يعلق كدر على الخبر السابق ويفسر أنها ربما كانت عادة أمومية، لنسبة الطفل لامرأة بالتبنّي، تحولت بعدها إلى شتيمة، كان العرب حينها يتبادلونها، كـ"امصص بظر اللات"، كما يُحيلنا إلى معاني المعجم وتفسيرات الباحثين في الجنسانية العربية، لكن ما يهمنا في هذه الحكاية وما لا يذكره كدر، هو "الموت" الذي سببته نشوة البظر ووقع على ملتهم الشفر، الذي فقد حياته إثر إنزال حبّى.
"ما هذا عيب، ما هذه إلا مكرمة"... قبل أن تتحول إلى شتيمة كان "مصّ" البظر إعادة أمومية يتبادلها العرب، فكان يقال "امصص بظر اللات"
لا يوجد ذكر للبظر في تاريخ الجنسانية بصورة واضحة، كونه لم يكتشف إلا في القرن السادس العاشر، وكان غامضاً محاطاً باللذة، في ذات الوقت معيباً كونه، حسب مكتشفه ريالدو كولومبو: "مكان متعة الأنثى، يستثير النساء، لا حين فركه بقضيب فقط، بل أيضاً حين لمسه بإصبع، إذ يتدفق فيه المني أسرع من الهواء بسبب اللذة، حتى لو لم ترد المرأة ذلك.. وسأسميه حُب فينوس Amor Veneris".
لم يكن شكل البظر بأكمله مكتشفاً حينها، وكانت الإشارة فقط إلى القسم الظاهر أعلى الشفتين الكبرى والصغرى، وبقي غامضاً ضمن التراث التشريحي، إذ كان يوصف بقضيب غير مكتمل، لا يؤخذ على محمل الجد قبل علماء النفس الذين وجدو فيه لذة غير ناضجة، كحالة سيجموند فرويد، الذي قرر أنه مساحة للعب الطفولي الذي يتلاشى مع البلوغ لتنتقل اللذة إلى المهبل.
اللذة قرينة الموت
مع تطور علم النفس اقترنت اللذة بالموت، وأصبحت طريقاً سريعاً نحو التلاشي وغياب الوعي، وهنا يظهر خطر البظر، بوصفه عضو لذة صرف، قادراً إن اشتدّ وانتصب وانتفض أن يودي بحياة من يبحث عنه أو يلعب معه، خصوصاً أن الرجال في عجز مزدوج أمامه، هم لا يمتلكونه ولا يجيدون ألعابه، هو منهك لمن لا يتقن مهاراته، فـ"جولييت" في رواية الماركيز دي ساد التي تحمل نفس الاسم، تقول في خضم الباه: "وأنت.. لا تترك بظري، هو حصن الرغبة الحقيقي لدى المرأة، استمنه بقوة، ...أريد شيء أقوى، أريد أن أرتعش معك.. أريد أن أقذف عشرين مرة لو استطعت".
مع تطور علم النفس اقترنت اللذة بالموت، وأصبحت طريقاً سريعاً نحو التلاشي وغياب الوعي، وهنا يظهر خطر البظر، بوصفه عضو لذة صرف، قادراً إن اشتدّ وانتصب وانتفض أن يودي بحياة من يبحث عنه أو يلعب معه
صفات الحرب كـ"حصن" و"موت" إلى جانب ندرة التمثيلات البصرية للبظر في الفن لم تتغير إلا مؤخراً، مع ذلك بقي مصدراً للرعب، خصوصاً أن "شكله" ما زال غامضاً لدى الكثيرين، وتسعى التحركات والأعمال النسوية لجعله ظاهراً للعلن، لكن ما يدلنا على العجز والرعب أمامه هو التعابير اللغوية في النصوص التي لا تستطيع أن تصف بدقة كيفية مداعبته، هو لا يُستمنى، ولا يُرضع، ولا يُحلب، قد يدلّك ويداعب لكن لا صفات خاصة به، ذات الأمر باللغتين الفرنسية والإنكليزية، فتعابير المتعة المرتبطة به مستوردة من الشكل المذكّر للعضو التناسلي، وهنا يمكن أن نفهم العلاقة بين الشكل واللغة والموت، عمق البظر وامتداداه يجعل أساليب المتعة المرتبطة به غامضة، هو ليس في فقط في الخارج، بل هناك داخل خفي يبتلع "الرأس" ويمتص الحياة كحالة غلام حبّى، كما لا يوجد تكنيك دقيق لاستثارته، نعم هناك اللمس لكن أي لمس، وكيف شكله، وهل يختلف من امرأة لأخرى؟
انتصاب البظر
نقرأ في واحد من أشهر الكتب الطبية المعاصرة عن البظر أن الاستثارة البظرية قبل الإيلاج "تؤدي إلى تدفق الدماء في الأجسام الانتصابية، ما يعني ازدياد حجم الجسم البظري، ثم ارتفاع الشفة السفلى، وامتلاء الاجسام الاسفنجية حد انتصاب البظر"، وهذه فقط المرحلة الأولى، لكن المثير للاهتمام أن الاستثارة والمرحلة الأولى تحركها حسب الكتاب "المخيّلة والذكريات الإيروتيكية"، أي أن هناك عناصر لا جسدية تتدخل في العلاقة مع البظر، مخيلة قد ترتبط بالموت الذي قتلت إثره حبّى غلاماً، وهنا يمكن أن تظهر قراءة أخرى للحكاية السابقة، بوصفها متخيّلة قيمتها إيروتيكية وفانتازمية، سردتها حبّى لتفعّل وتستثير مخيّلة من حولها، لتزرع فيهن صورة للرغبة، التي من شدتها لا يكفيها إلا إزهاق روح تخرج من فم الرجل لتدخل في الفرج.
العلاقة بين الموت واللذة سبق التنظير لها من قبل سيجموند فرويد وجورج باتاي، وكأن هناك ميل عضوي لدى الكائن نحو موته، وأشد هذا الموت هو الرحيل تلذذاً، لكن هذه التنظيرات لا تركز على خصوصية البظر، وتعتمد اللذة الذكورية العقيمة، تلك التي تتألف من صور تتم محاكاتها، لا يتم الاكتشاف فيها كونها لا تتراكم، وتشعر دوماً بالتهديد الأخلاقي والسياسي الذي تحركه مفاهيم الهدر والإنجاب، في حين أن تلك اللذة المرتبطة بالبظر استكشافية، بحثية، يتداخل فيها الحسي مع المتخيل، هي " لا-موت"، إحياء أرضي، دوني، مرتبط بالتراب والدماء والفناء ثم الولادة، هي متجددة، يُبعث بعدها الكائن، كحالة صديقات حبّى اللاتي قلن إن ما حصل "مكرمة" لا معصية، وكأن البظر هبة ربانية خفية ،يبدأ الوصول لها بالموت بين الشفاه الكبرى والصغرى، ما يجعل اللذة البظرية مساحة إبداعية تتحرك فيه المخيلة والدماء لخلق الاستثارة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين