تخيل ألا يكون لك الحق في تسمية ولدك، وأن تقرّر الدولة ما هو الاسم المناسب وغير المناسب لك، دون تقديم أسباب منطقية، متجاهلة حقك كأب في الاختيار.
تلك الأزمة العجيبة يعاني منها الأمازيغ في الجزائر، حيث تحوّلت بعض الأسماء إلى خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه.
"لم تكتمل فرحتنا بتانيلا، بعد رفض إدراج اسمها في الحالة المدنية بسبب اسمها الأمازيغي"
لعبيدي عبد المجيد (46 سنة) يعمل كمفتش في التأمينات، بمدينة عنابة شرق الجزائر، تحدّث لرصيف22 عن أزمته مع اسمه ابنته، قائلاً: "لم تكتمل فرحتنا بتانيلا، بعد رفض إدراج اسمها في الحالة المدنية بسبب اسمها الأمازيغي"، وتحوّلت حادثة ابنته تانيلا، البالغة من العمر الآن أربعة سنوات ونصف، إلى قضية رأي عام.
يعود سبب رفض مصالح الحالة المدنية لبلدية عنابة، تسجيل اسم الفتاة تانيلا، حسب والدها، لاستنادهم إلى نصّ التعليمة الوزارية المؤرخة في أيار/مايو 2016، والتي تتضمن 300 اسم أمازيغي، مناصفة بين إناث وذكور، مسموح بها، حيث لا تنص اللائحة على اسم "تانيلا"، الأمازيغي الذي يعني "طائر اليمامة"، وهو القرار الذي اعتبره لعبيدي غير قانوني، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بتعليمة وليس بمواد دستورية معمول بها في الإطار الرسمي.
علاقة الأمازيغ بالدولة الجزائرية هي علاقة مركّبة وشديدة التعقيد، لكن يظل اسم الطفل حقاً خالصاً لأبويه، لا يجوز مشاركتهم فيه من قبل السلطة، أيّاً كانت المبرّرات والدوافع
وعلى هذا الأساس، توجّهت عائلة الفتاة تانيلا لخوض معركة القضاء الإداري بهدف افتكاك الاعتراف القانوني باسم ابنتهم، وبعد حكم واستئناف ماراثوني، أنصف مجلس الدولة في نيسان/أبريل الماضي الفتاة، وتقرّر إدراج اسمها قانونياً، إلا أن مصالح الحالة المدنية لبلدية عنابة واصلت رفضها تسجيل الفتاة، رغم قرار المجلس القاضي بإدراجها في لائحة الحالة المدنية.
إثر ذلك، قام المحامي المكلف بالقضية، كسيلة رزقين، بإنذار البلدية أول أمس، عن طريق المحكمة الإدارية، وذلك بفرض عقوبات على مصالح البلدية المعنية وتعويض مادي عن كل يوم تأخير لم يطبق فيه قرار مجلس الدولة القاضي بإنصاف تانيلا.
حرمان من التاريخ
يرى المحامي كسيلة زرقين، عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن حرمان الآباء من التسمية الأمازيغية هو حرمان الجزائريين من ثقافتهم وتاريخهم.
ويضيف "خلال السنوات الأخيرة صادفتني عشرات القضايا المتعلقة برفض الأسماء الأمازيغية بمختلف ولايات الوطن"، وهو الأمر الذي يجعل الآباء الجزائريين يتجنبون التسمية الأمازيغية، تفادياً للعراقيل الإدارية وخوض المعارك القضائية، كذلك حتى لا تتحوّل فرحتهم بمولودهم الجديد إلى رحلة تسجيل اسم مرفوض.
يوضح عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فيما يخصّ ملف الفتاة تانيلا، بصفته المكلف بالقضية على مستوى المحكمة الإدارية لولاية عنابة، شرق الجزائر، أن الإشكال يكمن في المدة الزمنية التي تستغرقها الإجراءات القضائية. مضيفاً أن أغلب القضايا التي تتعلّق بالشؤون الإدارية تستغرق سنوات عديدة قبل تسويتها، كما أنها غالباً ما تبقى عالقة على مستوى مجلس الدولة بعد استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية، الأمر الذي يترتب عليه بقاء المواليد الجدد دون وثائق إثبات للهوية الجزائرية طوال فترة الإجراءات القانونية، وهي فترة لا تقل عن ثلاث سنوات، وهو ما تعيشه الطفلتان اثيناس وتانيلا في ولاية عنابة شرق الجزائر.
وفي حديثه لرصيف22، يعتبر زرقين منع تسمية حديثي الولادة بأسماء أمازيغية أمراً غير دستوري، في إشارة منه إلى أن الدستور الجزائري يمنع التمييز الموجّه للمولد، العرق أو الجنس.
إضافة لذلك، وصف المحامي المرسوم رقم 81-26، المحدِّد لدليل الأسماء الجزائرية، والتي تعتمدها مصالح الحالة المدنية كتعليمة معتمدة بالعديد من البلديات، بالنصّ غير الدستوري، لأنه لا يعترف إلا ببعد واحد للهوية الجزائرية، وهي العربية الإسلامية، في حين أن ديباجة الدستور الحالي تعترف صراحة بالهوية الأمازيغية، باعتبارها مكوناً أساسياً للهوية الجزائرية، إلى جانب الإسلام والعروبة.
الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد
أزمة الأسماء الأمازيغية امتدت لعقود
في سنة 1981، وضعت الجزائر قائمة بالأسماء المسموح بها، أقصت من خلالها الأسماء الأمازيغية، وتشكلت القائمة آنذاك من أسماء معظمها تنتمي للثقافة العربية الإسلامية أو الجزائرية الأصيلة التي لا يحضر فيها المكوّن الأمازيغي.
هذه الأزمة كما يسميها قاسي طاسفاووت، ليست بالجديدة، كما وصفها بالتمييز والتهكّم الصارخ على الثقافة الأمازيغية.
ويقول المواطن السبعيني القاطن بولاية تيزي وزو، عاصمة منطقة القبائل الكبرى، لرصيف22، أن هذه الأزمة امتدت لعقود، مرجّحاً السبب لعدم اعتراف الدولة الجزائرية آنذاك باللغة الأمازيغية، كما أن الدساتير السابقة لم تشر إلى الأمازيغية إلا بعد سنة 2001، وقبل هذا التاريخ، جعل غيابُ اللغة الأمازيغية تسميةَ المواليد الجدد بأسماء أمازيغية وإدراجها بالحالات المدنية في غاية الصعوبة.
بعد ذلك، أعلنت الجزائر في التقرير الدوري لمناهضة التمييز العنصري، التابع لهيئة الأمم المتحدة، عن وجود 500 اسم أمازيغي أولي في طور الدراسة، في حين أن الرقم الذي اقترحته المفوضية العليا للأمازيغ، يضم 1000 اسم.
ولكن لما صدرت القائمة الأصلية للأسماء الأمازيغية عام 2016، بعد ضغوط داخلية وأممية، لم تتجاوز 300 اسم.
ولم تقدّم الحكومة وقتها توضيحات على أي أساس تم إقصاء الـ 700 اسم المتبقية، رغم أن الأسماء البربرية الموجودة في منطقة الأوراس مثلاً، تختلف عن الموجودة في منطقة القبائل، وليست بالضرورة نفسها المتداولة لدى الطوارق أو بني ميزاب، وهي كلها فئات عرقية تنضوي ضمن الثقافة الأمازيغية الممثلة للهوية الجزائرية.
في تلك الفترة، تجاهلت الحكومات رغبة العائلات الجزائرية في اختيار تسمية مواليدها بأسماء أمازيغية، احتفاء بالثقافة والأصول الأمازيغية المنتشرة كذلك في كل من المغرب وتونس وليبيا، لتقابل رغبتهم بالرفض في الكثير من الأحيان، بسبب غياب هذه الأسماء عن قائمة 300 القانونية المعتمدة بمصلحة الحالات المدنية الموزعة بالبلديات.
"لا يعقل أن نطالب بحق حماية ثقافتنا وتاريخنا"
"العائلات لا تحتاج لترخيص من أجل تسمية المواليد الجدد بأسماء أمازيغية"، قالت كاهينة مومني، ثلاثينية تقيم بمدينة بجاية، عاصمة منطقة القبائل الصغرى الواقعة شرق الجزائر، والتي تشتهر بتراثها العلمي والحضاري.
تقول كاهينة إن الحل الوحيد يكمن ببساطة في إلغاء التعليمة المتضمنة معجماً للأسماء الجزائرية لعدم دستوريته، لأن القائمة لم تأخذ البعد أو المكوّن الأمازيغي للهوية الجزائرية.
وتضيف، "نحن كجزائريين لدينا كل الحق في اختيار الأسماء الأمازيغية، وعلى الحكومة الأخذ بعين الاعتبار تكريس حرية الأفراد في اختيار الأسماء المناسبة لأبنائهم من دون قيد أو شرط".
وفي الأخير، تضيف كاهينة: "لا نساوم ولا نحتاج ترخيصاً للاحتفاء بأصولنا وحماية تاريخنا وثقافتنا الأمازيغية".
علاقة الأمازيغ بالدولة الجزائرية هي علاقة مركّبة وشديدة التعقيد، لكن يظل اسم الطفل حقاً خالصاً لأبويه، لا يجوز مشاركتهما فيه من قبل السلطة، أيّاً كانت المبرّرات والدوافع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...