منذ مطلع الشهر الجاري، تهتز تركيا بسبب مقاطع فيديو نشرت على يوتيوب، ظهر فيه "سيدات بكر" الذي بات معروفاً كزعيم "مافيا"، وقد ادّعى الكشف عن روابط بين الحكومة التركية وعصابات الجريمة المنظمة.
في الفيديو، يظهر زعيم المافيا، مرتديًا قميصاً أبيض، يجلس إلى مكتب وبجواره أشياء كثيرة من بينها سُبحة الصلاة، وكتاب يتغير في كل ظهور، ويبدو أن اختيار الكتب ووضعها تمّا بعناية في كل "حلقة"، كما يقول صحافيون أتراك.
في الفيديو، يظهر زعيم المافيا، مرتديًا قميصاً أبيض، يجلس إلى مكتب وبجواره أشياء كثيرة من بينها سُبحة الصلاة، وكتاب يتغير في كل ظهور، ويبدو أن اختيار الكتب ووضعها تمّا بعناية في كل "حلقة"، كما يقول صحافيون أتراك.
بدأ بطل مقاطع الفيديو، سيدات بِكِر، في نشر تلك المقاطع على يوتيوب في 2 أيار/مايو الجاري، واتهم فيها مسؤولين مقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بارتكاب جرائم اغتصاب وتجارة المخدرات ووفيات مشبوهة.
ومن أبرز المستهدفين من هذه الاتهامات حتى الآن، وزير الداخلية سليمان صويلو، ومدير الأمن السابق الذي تحول إلى سياسي بارز محمد آغار، ووزير المال السابق وصهر أردوغان نفسه، بيرات البيرق.
ومن أبرز المستهدفين من هذه الاتهامات حتى الآن، وزير الداخلية سليمان صويلو، ومدير الأمن السابق الذي تحول إلى سياسي بارز محمد آغار، ووزير المال السابق وصهر أردوغان نفسه، بيرات البيرق.
وكشف أن تولغا آغار، نجل محمد آغار، وهو عضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، متورط في اغتصاب وقتل صحافية شابة تم الإبلاغ عن وفاتها في الأصل على أنها انتحرت.
وفي الفيديو الذي نُشر في 20 أيار/مايو، زعم أن الصحافيين الموالين للحكومة عملوا وسطاء بينه ووزير الداخلية سليمان صويلو.
ونشر بكر مقطعي فيديو يظهران مكالماته الهاتفية مع هادي أوزيشيك، صاحب موقع "Internet haper" الإخباري، كدليل على زعمه أن الصحافي التركي توسط بينه وبين صويلو من أجل منعه من نشر مقاطع فيديو جديدة على موقع يوتيوب.
من هو سيدات بِكِر؟
بكر ليس مجرد رجل أعمال ينتمي للمافيا التركية، فهو ينظم تجمعات سياسية في مدن مختلفة منذ عام 2015. ويظهر في الصور ومقاطع الفيديو مع المشاهير ويحضر فعاليات المجتمع الراقي التركي والشخصيات السياسية، منها أردوغان.
أدين بكر، البالغ من العمر 49 عاماً، بارتكاب نشاط إجرامي منظم مرتين، وهو موضوع على النشرة الحمراء لدى الإنتربول. وفي مقطع فيديو قال بكر إنه قضى 16 عاماً ونصف العام خلف القضبان.
يقال اليوم إنه يعيش في دبي، بعدما غادر تركيا عام 2019 وعاش فترة قصيرة في البلقان. وذاع صيته عام 2016، عندما هدد "بالاستحمام في دماء" الأكاديميين الذين وقعوا عريضة تدين العمليات العسكرية ضد الأكراد في جنوب شرقي تركيا.
ويقال أيضاً أن بِكِر، الذي كان من أشد المؤيدين لأردوغان، قد غادر تركيا بعد نشر تقرير يتعلق بمزاعم تهريب أسلحة إلى سوريا تحت ستار المساعدات الإنسانية. ودهمت الشرطة مؤخراً فيلته في منطقة بيكوز بإسطنبول كجزء من عملية مكافحة الجريمة المنظمة.
وزعم بِكِر أن وزير الداخلية أبلغه بأنه يجري إعداد تقرير تحقيق بشأنه قبل مغادرته البلاد، لكن في نفس الوقت ادعى بِكِر أنه سافر للحصول على شهادة جامعية.
تمت تبرئة بكر من عدة اتهامات، مرة واحدة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، عندما هدد بشنق الانقلابيين في زنازينهم، ومرة عندما هدد الصحافي التركي المثير للجدل فاتح الطيللي.
رد فعل الحكومة
قدم وزير الداخلية، سليمان صويلو، شكوى جنائية ضد بِكِر في 17 أيار/مايو بسبب سلسلة الاتهامات الأخيرة. وذلك بعدما أعلن في حلقة استهدفت صويلو أن الوزير ساعد بِكِر في تجنب الملاحقة القضائية بعد بدء تحقيق في أنشطته في أوائل عام 2020.
ونفى صويلو أي صلة ببِكِر، قائلاً إنه إذا أثبت رئيس العصابة وجود أي صلة بين الاثنين، فسيكون جاهزاً للعقوبة، بما في ذلك حكم الإعدام أمام الشعب التركي.
آثار بكر انتباه الجمهور التركي مثلما جذب رجل الأعمال المصري الهارب إلى إسبانيا محمد علي انتباه المصريين وبعض وسائل الإعلام العربية والعالمية في البداية، لكن الفرق أن علي لم يعتبر نفسه "زعيم مافيا" وإن لم ينكر أنه ساهم في ما يراه فساداً وتربَّح منه كما أنه لم يتعرض للسجن من قبل
ورد بكر بنشر صور صويلو أثناء حضوره شاهداً في حفل زفاف قريبه، وقال إنه سيواصل "فضح" وزير الداخلية أسبوعياً.
وكتب الصحافي زلفكار دوغان أن الرد العام من الحزب الحاكم على المزاعم المستمرة، كان مفاجئاً وفاترًا ومراوغًا إلى حد ما. وهذا يتناقض مع الطريقة التي ردت بها الحكومة على الانتقادات في الماضي.
وأضاف دوغان: "يتهم بِكِر صويلو بخلق فجوة بينه وبين بيرات البيرق، ومع ذلك لا أحد من الحكومة يحقق في العلاقة بين زعيم مافيا وهؤلاء الأعضاء الرفيعي المستوى في الحكومة".
وتم إلقاء اللوم على المعارضة، إذ ذكر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جيليك أن المعارضة تتبع "سياسات قذرة"، مطالباً أي شخص لديه وثائق تثبت مزاعم بِكِر أن يتخذ إجراءات قانونية.
وفي الوقت نفسه، دعت أحزاب المعارضة في تركيا المدعين العامين في البلاد إلى اتخاذ إجراءات قانونية والتحقيق في مزاعم بكر حول المسؤولين الذين ذكرهم، وهي تشمل "غض الطرف عن تجارة الكوكايين أو التواطؤ فيها، ومصادرة الممتلكات والاستيلاء على مراسي اليخوت التي تساوي قيمتها مليارات الدولارات، وارتكاب جرائم اغتصاب وتعاون مع العصابات الروسية".
سواء أكانت مزاعم بكر جديرة بالتحقيق أم أنها كلها مزيفة، هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها: مقاطع الفيديو الخاصة به يشاهدها الملايين. حتى العناصر التي يضعها بِكِر على مكتبه في الخلفية - من الكتب إلى الصور والمقتنيات الصغيرة - تولد مجموعة واسعة من التفسيرات والتعليقات.
الرأي العام
آثار بكر انتباه الجمهور التركي مثلما جذب رجل الأعمال المصري الهارب إلى إسبانيا محمد علي انتباه المصريين وبعض وسائل الإعلام العربية والعالمية في البداية، لكن الفرق أن علي لم يعتبر نفسه "زعيم مافيا" وإن لم ينكر أنه ساهم في ما يراه فساداً وتربَّح منه كما أنه لم يتعرض للسجن من قبل، لكن التشابه بينه وبين "المافيوزو" التركي في رد فعل الرأي العام.
كتبت الصحافية التركية بينار تريمبلاي في مقالها الأخير على موقع المونيتور الأمريكي أن "كلمات بكر، بصفته من الداخل، لها قيمة عالية".
وفي العامين الماضيين، عادت شخصيات كبيرة من المافيا، خصوصاً من ذوي الخلفيات القومية المتطرفة، إلى الظهور التدريجي للرأي العام. أحدهم علاء الدين كاكيتشي، الذي أُطلق سراحه العام الماضي كجزء من تحركات تهدف إلى الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في السجون.
بعد وقت قصير من إطلاق سراحه، أصدر كاكيتشي بياناً يهدد فيه زعيم المعارضة الرئيسية في تركيا.
وتشير الكاتبة التركية إلى أنه يمكن العثور على جزء من الإجابة على هذا التساؤل في الثقافة الشعبية المعاصرة، مثلاً تصاعدت أحلام بناء الدولة العثمانية الجديدة، وهي مستوحاة من مسلسلات تلفزيونية شعبية مثل "وادي الذئاب"، كانت قد أبرزت شخصيات حقيقية من الجريمة المنظمة.
يقر بكر في مقاطع الفيديو أن بعض الشخصيات في هذه السلسلة كانت مبنية عليه. والجماهير المستهدفة لمثل هذه المسلسلات هم القوميون المتطرفون والإسلاميون في تركيا. وهم يأخذون هذه الشخصيات الخيالية على محمل الجد حتى أن البعض ينظم جنازة لإحدى الشخصيات، حينما يموت في "وادي الذئاب".
تقول الصحافية : "تعكس مقاطع فيديو بكر على يوتويب الآن مدى صعوبة فصل المجرمين الحقيقيين عن المجرمين الوهميين".
وأضافت: "بكر ليس جاهلاً الدولة وقد لا يخوض معركة حقيقية ضدها لأنه يدعي أنه خدمها ويتوق للعودة إلى تقديم خدماته لها. إنه يستخدم بإصرار صور وكلمات القوميين المتطرفين والإسلاميين وحتى بعض اليساريين المعروفين لجذب جمهور كبير".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...