في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ظهر رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو الذي انشق عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، في لقاء تلفزيوني، من دون شاربه، وهو أمر ليس عادياً في دولة مثل تركيا.
لم يكن الشارب في تركيا يوماً مجرد أكسسوار، بل ذي رمزية كبيرة، فيما حمل كل شكل شارب رسالة معينة لا يدركها أي أجنبي بسهولة، وساعد السياسيين على التعبير عن انتماءاتهم السياسية.
حُمّل الشارب في دول الشرق الأوسط معاني "القوة" و"الشرف" بشكل عام، لكنه في تركيا أخذ مغزى سياسياً أيضاً، حتى بات من الممكن تحديد انتماء الرجل، كأن يكون قومياً أو يسارياً، من خلال شاربه.
يجعل القوميون شواربهم طويلة ومتجهة للأسفل، مثل الهلال على العلم التركي، بينما يميل اليساريون إلى تنمية شوارب كثيفة على غرار الزعيم السوفياتي جوزف ستالين.
في المقابل، يتجه العديد من الشباب الأتراك إلى إطلاق لحاهم على غرار موضة الـ"هيبستر"، والتي تتقاطع مع جميع الأيديولوجيات.
تاريخ الشارب التركي
بحسب بحث كتبته سوزان إيكوت من جامعة "لاتروب" الأسترالية، كان للشعر بصفة عامة دلالة قوية خلال الخلافة العثمانية، ولم يكن يُنظر لأشكاله على أنها تتوافق مع الشريعة الإسلامية فحسب، بل كانت مرتبطة بالهوية، فتم فرضها بصرامة للدلالة على الاستقرار الاجتماعي للدولة.
من النخبة الحاكمة إلى أتباع الإسلام، خضع الجميع لقواعد صارمة بما يخص شعرهم ولبسهم، كما صدر مرسوم عثماني في القرن السادس عشر حظر اليهود والمسيحيين من ارتداء العمائم، فيما أُمروا بارتداء القبعات، وكانت قبعات اليهود حمراء وقبعات المسيحيين سوداء.
لكن حصل انقسام في القرن التاسع عشر، وتحديداً في فترة "التنظيمات"، وهي فترة من العهد العثماني هدفت إلى تغيير تركيا، وإدخال تحديثات فيها.
اتخذ مؤيدو ومعارضو هذه الإصلاحات أنماطاً مختلفة من قصات شعر، لإظهار الجانب الذي ينتمون إليه. كان المؤيدون يطلقون لحيتهم وشاربهم، بينما حلق المعارضون وجوههم، ومنها وُلد هذا التقليد.
في الحقبة الجمهورية، عملت الدولة على الحد من ظهور الحجاب واللحية بسبب الدلالات الدينية، وعليه باتت هذه المواضيع محل جدل سياسي دائماً، على ما كتبت إيكوت.
لا يزال معظم الرجال الأتراك في منتصف العمر يحلقون شاربهم على نحو معين، فيما يجد الشباب الأتراك الشارب من العادات القديمة، ربما لأنه يذكرهم بالفترة العثمانية.
ظهر رئيس الوزراء التركي السابق الذي انشق عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم من دون شاربه، وهو أمر ليس عادياً في تركيا، حيث لم يكن الشارب يوماً مجرد أكسسوار، بل ذي رمزية كبيرة، إذ حمل كل شكل رسالة معينة وساعد السياسيين على التعبير عن انتماءاتهم
في تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، عام 2017، فإن "العثمانية" بالنسبة للشباب "موضة" قديمة وعفا عليها الزمن، وهي ليست ما يريدون الدفاع عنه، بل يريدون أن يظهروا كغربيين وحداثيين.
أشكال الشوارب
يُعتبر "الشارب المثالي" ("Ülkücü") أبرز ما يميز القوميين الذين ينتمون إلى حزب "الحركة القومية". ويمتد الشارب إلى الأسفل، مثل جوانب حدوة الحصان، بحيث يصبح شكل الشارب كحرف الـM.
ويدعي قوميون أن لشواربهم شكل "هلال"، أي أنهم يرسمون جزءاً من العلم التركي على وجوههم، فيعبّرون عن كونهم من القوميين وأفراد في منظمة "الذئاب الرمادية".
وهناك كذلك "النمط اليساري" من الشارب، إذ يُفضّل يساريون وغيرهم من المرتبطين معهم مثل العلويين، أن يسقط الشارب على جانبي الفم، وأن تكون الشوارب سميكة وتغطي الشفة العليا فقط. هذا الأسلوب مستوحى من ستالين، ويُعد شائعاً بشكل خاص بين الأكراد.
يُضاف لأشكال الشوارب أيضاً "شارب اللوز"، وهو شارب ديني يخص أنصار التيار المحافظ، ولا يغطي الشفة العليا ولا يتدلى كثيراً من الجانبين. ويُعد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان من أبرز من يظهرون هذا الشارب، وكذلك الرئيس السابق عبد الله غول، وأحمد داوود أوغلو في السابق.
ويشير الوجه المحلوق النظيف إلى إلى أن صاحبه في الجيش، أو إلى عدم وجود انتماء سياسي معين، وهذا هو السبب أيضاً في أن العديد من الوظائف العامة كانت تفرض حلق الشارب تماماً.
في الماضي، كان الموظفون ملزمين بأن يكون وجههم نظيفاً، لمنع إظهار التفضيلات السياسية والظهور بمظهر محايد، لكن في هذه المرحلة، بات يُسمح للرجال بتنمية الشوارب والسوالف واللحى.
الولاء لأردوغان
أشار تقرير "أسوشيتد برس" السالف ذكره إلى تأثر الوزراء في الحكومة التركية بأردوغان في تهذيب شواربهم. وقالت الوكالة: "الشوارب المشذبة بدقة، على غرار تلك التي لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحظى بشعبية متزايدة بين وزراء الحكومة من حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية".
وقال بعض المحللين إن هذا الأمر ليس صدفة في بلد حيث لشعر الوجه أهمية تاريخية وسياسية، وحيث يتم التدقيق في ولاء الوزراء لأردوغان عن كثب، لا سيما في أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016.
ونقلت الوكالة عن أستاذ الدراسات التركية في جامعة مرمرة في إسطنبول مسعود سين قوله: "عندما تحارب تركيا المنظمات الإرهابية - وفي أعقاب الانقلاب - تقدم الشوارب صورة قوية وقاسية".
رصدت الوكالة كذلك أن أكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء عام 2016 كانوا حليقي الذقن، لكن بعد عام واحد بات ثلاثة فقط من بين 27 وزيراً في تركيا، بمن فيهم امرأة واحدة، من دون شوارب.
ومن هؤلاء، وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي كان من دون شارب عام 2016، ثم نما شاربه عام 2017، وظلّ محافظاً على ذات النمط حتى الآن.
ويظهر في التشكيل الحكومي الحالي أن كافة الوزراء الرجال تركوا شواربهم المشذبة باستثناء ثلاثة من بينهم وزير الدفاع خلوصي أكار.
وقال وزير في حكومة عام 2017 للوكالة الأمريكية، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن بعض الوزراء نما شعر وجهم لأن أردوغان حثهم على ذلك.
ولا يقتصر السير على خطى شارب أردوغان على مجلس الوزراء فحسب، إذ يظهر أن رئيس وكالة الاستخبارات التركية الذي كان محل جدل حول عدم علمه بمحاولة الانقلاب أو عدم ولائه لأردوغان، قرّر أن يكون له شارب أولاً ثم لحية كاملة، حتى أقرب حارس شخصي لأردوغان، والذي كان حليق الذقن، له الآن شارب أيضاً.
أكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء التركي كانوا عام 2016 من دون شوارب، لكن بعد محاولة الانقلاب، نزل عددهم إلى ثلاثة فقط من بين 27 وزيراً... في تركيا للشوارب دلالة سياسي، حتى يمكن تحديد انتماء الرجل، كأن يكون قومياً أو يسارياً، من خلال شاربه
في حي قاسم باشا في إسطنبول، حيث ولد أردوغان، قال الحلاق أحمد جولر للوكالة الأمريكية إنه يعتقد أن أعضاء "العدالة والتنمية" يتركون شواربهم لتشبه الرئيس مؤسس الحزب وزعيمه منذ فترة طويلة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "حرييت"، عام 2017، فإن وزير الاقتصاد السابق نهاد زيبكجي الذي كان قد حلق شاربه، أعاد تربيته بعد أن أشار أردوغان اليه بفعل ذلك، وذلك بعد أن لاحظ أن بعض الوزراء لم يستمعوا إليه.
وذكرت الصحيفة أيضاً أنه خلال اجتماع بين أردوغان ومجموعة من نواب "العدالة والتنمية" في 2017، كان لدى العديد من المشاركين شوارب بالكاد مرئية، ما يشير إلى أن الشوارب نمت بسرعة قبل لقاء الرئيس.
وعلى هامش الدلالات الرمزية والسياسية للشارب، ثمة ملاحظة ذات طابع اقتصادي مربح لتركيا، كان قد وثقها تقرير نشره موقع "المونيتور" الأمريكي عام 2013، فإلى جانب تحوّل تركيا إلى وجهة لزراعة شعر الرأس، يتدفق الناس إلى إسطنبول لزراعة الشارب، إذ سافر 100 ألف شخص إلى تركيا عام 2012 فقط من أجل الجراحة التجميلية الخاصة بالشوارب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع