الصحافة بالأساس هي مهنة سرد الحكاية، وإخبار القارئ بحقيقة ما يحدث. وبدون توافر المعلومة الدقيقة تتحول الصحافة إلى حزمة أقاويل وإشاعات وتكهّنات، تفقد الصحافة ماهيتها وتتوه بوصلتها إن حجبت عنها المعلومة، أو عوقب الصحفيون على نشرها، لذلك حرصت البلدان التي تحترم مواطنيها على ترسيخ مبدأ حق تبادل المعلومات.
وفي عالمنا العربي، تحرّكت بعض العواصم في نفس المسار، فارضة قوانين تسمح بتداول المعلومات. لكن هل هذا التحرك حقيقي، أم أن الأمر كله لا يعدو ذرّاً للرماد في العيون؟
رصيف22 في اليوم العالمي لحرية الصحافة، تفتح ملف حق الوصول للمعلومة وتداولها وترصد التباين فيه بين البلدان العربية.
كانت المملكة الأردنية أوّل من أقرّ قانوناً للحصول على المعلومات في عام 2007، ولحق بها عدد من الدول العربية لتقرّ قوانين خاصة بها للوصول إلى المعلومات، وصولاً إلى إقرار هذا الحقّ في دساتير دول عربية، مثل المغرب (2011)، تونس ومصر (2014) والجزائر (2016).
اعتُبر الحقّ في الوصول إلى المعلومات أحد أعمدة تعزيز الشفافية وحماية كاشفي الفساد من شهود وخبراء وضحايا، كما ورد في "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" لعام 2003 التي وقّعت عليها معظم الدول العربية عدا سوريا (دولة موقّعة فقط وغير طرف) والصومال (دولة غير موقعة وغير طرف).
لن يضرّ الدول العربية التوقيع على اتفاقية أممية طبعاً، فهي ستبقي على هذا المفهوم - وحتّى المعلومات المتاحة - أمراً خاضعاً لرغبة السلطات في الكثير من الأحيان، وهي كذلك لن تخفي أسباب عدم إقرار مثل هذه القوانين أو تطبيقها، فإذا أقرّت قوانين فضفاضة، تذرّعت بمبرّرات تتراوح بين عدم وجود مراسيم تنفيذية لتطبيقها، وإذا طلب أحد المواطنين معلومات "غير مرغوب في كشفها"، تحجّجت بضرورة الإبقاء على سرّية المعلومات بحجّة الأمن القومي، أو بتعارض قوانين الحصول على المعلومات مع قوانين أخرى، مستثمرةً عدم معرفة الكثير من المواطنين بهذه القوانين وكيفية الاستفادة منها.
تريدون قوانين؟ هاكموها ولتبحثوا عمّن يطبّقها
لم تستثمر الأردن "قانون حقّ الحصول على المعلومات" على الرغم من أنّها كانت أوّل دولة عربية تفعل ذلك. ففي العام السابق، برزت انتقادات لتعديل قانون 2007 الذي أقرّه مجلس الوزراء في عام 2019، على اعتبار أنّ القانون القديم لم يُطبّق كما ينبغي وأنّ "الدولة تعيش بعقلية السرية"، خصوصاً مع "قانون حماية أسرار ووثائق الدولة" رقم 50 لسنة 1971 الذي لا يزال ساري المفعول ويطغى على سواه.
وأشار تقرير منظمة "رشيد" - "الشفافية الدولية في الأردن"، حول "الحصول على المعلومات 2019-2020"، إلى أنّ القانون "بعد اثني عشر عاماً، ما زالت مواده تحمل في طيّاتها ثغرات قانونية تحول دون وصول الأردنيين إلى المعلومات، وما زال يخفي في ثناياه ما لا يتماشى مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى".
في لبنان، نام "قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات" ثماني سنوات في أدراج مجلس النوّاب، قبل أن يقرّه في عام 2017. والتزمت الإدارات الرسمية اللبنانية بالقانون حتّى سكرت به و"استثمرته الدولة في محافل وتقارير دولية عدّة وإنشاء موقع إلكتروني لا يعمل"، وأبت أن تطبّقه قبل أن يصدر مجلس الوزراء مراسيم تطبيقية له، على الرغم من نفاذه فور نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 شباط/فبراير 2017.
لن يضرّ الدول العربية التوقيع على اتفاقية أممية طبعاً، فهي ستبقي على هذا المفهوم - وحتّى المعلومات المتاحة - أمراً خاضعاً لرغبة السلطات في الكثير من الأحيان، وهي كذلك لن تخفي أسباب عدم إقرار مثل هذه القوانين أو تطبيقها، فإذا أقرّت قوانين فضفاضة، تذرّعت بمبرّرات تتراوح بين عدم وجود مراسيم تنفيذية لتطبيقها
وبحسب تقرير عام 2020 من مبادرة "غربال" التي تهدف إلى إتاحة البيانات للجمهور، من أصل 200 مؤسّسة عامة قدّمت إليها طلبات حول المعلومات الإدارية، وبعد المتابعة الحثيثة، لم يصل سوى 95 رداً، من بينها 41 ردّاً فقط منهم ضمن المهلة القانونية المحددة بـ 15 يوماً.
وحتّى بعد إقرار المراسيم التطبيقية، لا يُتوقّع أن تلتزم الإدارات الرسمية جميعها بالقانون، خصوصاً وأنّ "هيئة مكافحة الفساد" التي اعتبرها القانون الجهة التي يمكن لمقدّمي الطلبات التظلّم لديها، لم تُنشأ بعد.
وفي تونس، ضَمِن الدستور التونسي لعام 2014 في الفصل 32 "الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة"، بحيث "تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال". "قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة" الذي صدر في آذار/مارس 2016، يُجبِر الهيئات العامة على إتاحة معلومات أوسع من تلك التي تتيحها القوانين في بلدان أخرى، ولكن المشرّع لم يفته أن يلغّم القانون باستثناءات كثيرة. تشمل تلك الاستثناءات المعلومات الخاصّة بالأمن العام، الدفاع الوطني، العلاقات الدولية والمعلومات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية والملكية الفكرية وهويّة الأشخاص الذين قدّموا معلومات تهدف إلى الكشف عن حالات الفساد.
اعتبرت "هيئة النفاذ إلى المعلومة" التونسية حصيلة أربع أعوام من تطبيق "قانون النفاذ إلى المعلومة" "إيجابية إجمالاً"، ولكنّ السلطات التونسية، مثل نظيراتها في البلدان الشقيقة، أبت إلا أن تتيح النفاذ إلى المعلومة ثمّ تمنع المواطنين من التعبير على وسائل التواصل.
سياسات تضمن الوصول إلى المعلومات… غير المحجوبة
تركّز دول الخليج على الأثر الاقتصادي للبيانات وإتاحتها للعموم و"أهمّيتها لصنّاع القرار"، في وقت تغفل الجوانب المتعلّقة بالسياسة والحرّيات والكشف عن الفساد.
تكفل دولة الإمارات العربية المتّحدة حرية الوصول إلى المعلومات من خلال "الدليل الإرشادي للوصول إلى المعلومات الحكومية"، ومن خلال القانون رقم 26 لعام 2015 بشأن تنظيم ونشر تبادل البيانات في دبي، كما أنشأت الإمارات بوابة بيانات حكومية "لتعزيز المشاركة والشفافية.
والمملكة العربية السعودية تَعتبر البيانات الحكومية "مصدر ثروة وطنية يتعين تنميتها من قبل الجهات الحكومية، ومن المهم كذلك توفير البيانات اللازمة لتمكين المستخدمين من استخدام البيانات التي يحتاجونها"، وذلك وفق "قانون ضوابط تطبيق التعاملات الإلكترونية" لعام 2007، وتنشر المملكة الكثير من البيانات المتعلّقة بالاقتصاد على موقع الهيئة العامة للإحصاء.
وفي البحرين، لا يزال "قانون حق الحصول على المعلومات" معلّقاً في مجلس الشورى لديها بعد إقراره من قبل مجلس النواب في عام 2009. توفّر حكومة البحرين البيانات المفتوحة عبر "منصّة البحرين للبيانات المفتوحة"، غير أنّها في حين لم تقرّ القانون المتعلّق بالحصول على المعلومات، لديها عدة قوانين نافذة "لحماية وثائق الدولة" و"مكافحة الجرائم الإلكترونية".
في آب/أغسطس 2020، وافق مجلس الأمة الكويتي على المشروع الحكومي لـ"قانون حق الاطّلاع"، وأصدرت الحكومة لائحته التنفيذية في مطلع عام 2021، ومن المقرّر أن يدخل القانون حيز التنفيذ بعد ستة أشهر، وذلك عقب إقرار لائحته التنفيذية. ولم ينسَ المشرّع أن يضمّن القانون 10 حالات يحظّر فيها الكشف عن المعلومات، مثل "مسّ هذا الكشف بالأمن الوطني أو الأمن العام أو القدرات الدفاعية (الأسلحة والتكتيكات والاستراتيجيات والقوات والعمليات العسكرية)، إضافة الى المعلومات الاستخباراتية والاتصالات والمراسلات الدولية ذات الصلة بالشؤون الدفاعية والتحالفات العسكرية".
أمّا اليمن الذي لعلّه كان من أوائل دول الخليج التي أقرّت قانوناً يتيح الوصول إلى المعلومات في عام 2012، ولكن من القمع في عهد النظام السابق وصولاً إلى تشظّي الأراضي اليمنية بين سلطات عدّة، قسّمت حتّى خدمة الإنترنت الضعيفة أصلاً، وصل الأمر باليمن لأن يحوز في عام 2019 على أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في المنطقة.
قانون قيد الدرس… إلى أبد الآبدين
على الرغم من تأكيد دستور مصر الصادر في عام 2014 على حرية تداول المعلومات في مادته 68، لا يزال الصحافيون في البلاد يواجهون صعوبات في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية، ويواجهون احتمال السجن بتهم "نشر أخبار كاذبة"، وسط تمنّع الإدارات عن تزويدهم بالمعلومات والسماح لهم بالوصول إليها.
لا تشكو السلطات المصرية من "انتشار الأخبار الكاذبة" لأحد، بل تسارع إلى سجن من ينشر معلومات متعلّقة بالإدارات الرسمية والشأن العام وأخبار جائحة كورونا. ففي حين يواجه الصحافيون في مصر صعوبات في الوصول إلى المعلومات من مصدرها الرسمي، لا يزال قانون "حرية تداول المعلومات" قيد الدرس منذ عام 2012، حيث تغيّرت مسودات القانون مرّات عدّة، كان آخرها مشروع القانون الذي أعدّه "المجلس الأعلى للإعلام في عام 2017 والذي واجه انتقادات واسعة، ولمّا يُقرّ أيّ منها حتّى الآن. بل على العكس، صدّق الرئيس عبد الفتّاح السيسي في عام 2020 على قانون "قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات" الذي يتضمّن عقوبات واسعة ضدّ من ينشر أخباراً "من دون موافقة صاحبها"!
ولكنّ حكماً أصدرته محكمة القضاء الإداري في المنصورة قد يبشّر بتغيير المعادلة مع إثارة الحاجة إلى قانون يضمن وصول الصحافيين والجمهور إلى المعلومات. فقبل أيام، وفي شهر نيسان/أبريل، أصدرت المحكمة أحكاماً لصالح ثلاثة صحافيين ضد محافظة الدقهلية التي منعتهم من دخول المصالح الحكومية أو حضور المؤتمرات والفعاليات، وأزالتهم من مجموعة "واتساب" الخاصّة بالإعلاميين ومنعتهم من الحصول على المعلومات. ألزمت المحكمة محافظ الدقهلية بإضافة الصحافيين الثلاثة إلى مجموعة "واتساب" والحصول على المعلومات. فهل تحفّز هذه القضية السلطات لإقرار قانون "حرية تداول المعلومات"، وفي حال أقرّ، هل ستكون الاستثناءات عائقاً أمام تنفيذه مثلما هي الحال في بلدان عربية أخرى؟
في حين يواجه الصحافيون في مصر صعوبات في الوصول إلى المعلومات من مصدرها الرسمي، لا يزال قانون "حرية تداول المعلومات" قيد الدرس منذ عام 2012، حيث تغيّرت مسودات القانون مرّات عدّة
وصول إلى المعلومات بشرط منع تداولها؟
مع تطوّر الوسائل وازدياد استخدام الإنترنت ومواقع التواصل، وجد الصحافيون وحتّى المواطنون فيها مساحة يمكنهم التعبير فيها عن آرائهم ونشر المعلومات وتداولها وكشف حالات الفساد، بعيداً عن أعين الرقابة والتحكّم المحدّقة دوماً في وسائل الإعلام التقليدية. ولكنّ هذه المساحة سرعان ما ستضيق برقابة السلطات التي تعمد إلى كبح المستخدمين وسجنهم بدلاً من حماية حقّهم في التعبير وتداول المعلومات.
وبالتالي، لم يكن غريباً أن بقيت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤخّرة "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" لعام 2021 الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، وفي مراتب متدنّية على "مؤشّر الحرية" للعام نفسه الصادر عن "فريدم هاوس"، مع تصنيف تونس الدولة العربية الحرّة الوحيدة، ولبنان والكويت والمغرب "حرّة جزئياً"، وتصنيف كلّ الدول الأخرى "غير حرّة"، على اختلاف ترتيبها في القائمة.
ففي الأردن، تعرّض عدد من الصحافيين والناشطين في الآونة الأخيرة إلى عدد من الانتهاكات من قبل السلطات، سواء بسبب "مقالات حول تلقّي المسؤولين سرّاً اللقاح المضادّ لفيروس كورونا"، أو بسبب رسمة كاريكاتورية تنتقد تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل". ولم تنسَ السلطات كذلك وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بدا وكأنّها التفتت إلى ضرورة منع تداول المعلومات حول التظاهرات على هذه الوسائل. وكانت النتيجة أن شهدت البلاد حالات إبطاء وحجب لوسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً ميزة البثّ المباشر على منصّة "فيسبوك" إثر التظاهرات المتكرّرة بين أعوام 2018 و2021.
ولبنان الذي لم يتّفق سياسيوه على إنشاء "هيئة مكافحة الفساد" بعد، حرصت الأجهزة الأمنية فيه، خلال تظاهرات تشرين/أكتوبر 2019 وما بعدها، على ملاحقة أكثر من 80 شخصاً في عام 2020 وحده بتهم القدح والذم، بعد نشر انتقادات وعبارات اعتُبرت مسيئة بحقّ سياسيين وشركات ومصارف.
حجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات هو أبرز ما يمّيز دولاً مثل الإمارات وعُمان وقطر التي تحجب تقنية الاتّصال بالصوت على أغلب تطبيقات التراسل، وأشهرها "واتساب" و"سكايب" و"كلوبهاوس"، وصولاً إلى تجريم "إساءة استخدام" تطبيقات "الشبكات الافتراضية الخاصة" (VPN) "للوصول إلى مواقع وتطبيقات وألعاب تحجبها الحكومة"، كما في الإمارات
أمّا تونس، فعلى الرغم من تصدّرها للدول العربية (73 عالمياً) في "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" لعام 2021، فقد شهدت اعتقالات عدّة طالت أشخاصاً نشروا معلومات على صفحاتهم على وسائل التواصل، خصوصاً بعد المظاهرات التي انطلقت بداية العام في ذكرى الثورة.
ولعلّ حجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات هو أبرز ما يمّيز دولاً مثل الإمارات وعُمان وقطر التي تحجب تقنية الاتّصال بالصوت على أغلب تطبيقات التراسل، وأشهرها "واتساب" و"سكايب" و"كلوبهاوس"، وصولاً إلى تجريم "إساءة استخدام" تطبيقات "الشبكات الافتراضية الخاصة" (VPN) "للوصول إلى مواقع وتطبيقات وألعاب تحجبها الحكومة"، كما في الإمارات. أضف إلى ذلك مصر التي تنافس اليمن على تصدّر قائمة الدول التي تحجب مواقع إخبارية وغير إخبارية، وصولاً إلى سجن مغرّدين وصحافيين وتغريمهم ومنعهم من التغريد بتهم "فضفاضة" في السعودية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 22 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...