شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصتي مع الجمعيات النسائية... نرجسيات وفاعلات خير

قصتي مع الجمعيات النسائية... نرجسيات وفاعلات خير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 3 مايو 202112:13 م

(كتبت هذه المقالة من واقع تجربتي مع  عدد من الجمعيات النسائية في وفي ضوء إطلاعي على أعمال د. رامني دورفسالا عن النرجسية)

 النرجسية سلوك بشري منتشر نجده في كل مجالات العمل، ومنها العمل التطوعي. جميع النرجسيون لديهم حاجة كبيرة لأن يصادق الآخرون على رواياتهم. يستمدون فاعليتهم  من الاستعلاء والشعور بالاستحقاق ولا يشعرون بالتعاطف مع الغير. لكن النرجسي في  المجال التطوعي فوق ذلك كله يجيد الاختفاء خلف أعمال الخير، مما يجنبه النقد ويمكنه من الشعور بالتفوق على الاخرين. كل من تطوع في العمل النسائي يعرف بأن هناك من يعمل بصمت بلا كلل وملل لخدمة المراة. وهناك بالمقابل من يتكلم ويظهر أكثر بكثير مما يعمل، فيصب اهتمامه باستعراض صورته أمام الراي العام. وقبل أن أستطرد قد يفيد أن نسأل: ما المشكلة في أن يكون النرجسي فاعل خير؟ أليس أفضل من نرجسي يختار ألا يفعل الخير؟ ألسنا كلنا نعمل الخير لدوافع ذاتية لنحصل على الامتنان من الآخرين؟

في العمل التطوعي النسائي، بعض من يعتبرهم المجتمع رائدات في المجال، لا يعملن. من يقوم حقاً بالعمل هم الآخرون المحيطون. فيما ينشغلن هن بالتقاط الصور واجترار نجاحات الماضي وإجهاد الموظفات بالعمل. طالما تُسلّط الأضواء عليهن، فإنهن يتصدرن الصور، ولكن عندما تنطفئ الأضواء قد يتعاملن مع أفراد الحلقة التي تحيطهم بشكل مزر. وبالتالي، فإن شعورهم بأن الأضوء لم تسلط عليهم كما ينبغي أو أن الآخرين لم يظهروا لهم الامتنان الذي يستحقونه، قد يصيبهم بالإحباط والحاجة لتفريغه في المحيط القريب. ولأن البعيدين يرونهم مع هالة معينة، يصعب توصيل صورتهم الحقيقية. وقد تتعرض أنت بدورك للتشكيك فيك وفي تجاربك من قبل البعيدين الذين لا يعيشون التفاصيل المرة. ولذلك قد تجد جمعيات كهذه صعوبة في الاحتفاظ بالعضوات.

ما المشكلة في أن يكون النرجسي فاعل خير؟ أليس أفضل من نرجسي يختار ألا يفعل الخير؟ ألسنا كلنا نعمل الخير لدوافع ذاتية لنحصل على الامتنان من الآخرين؟

 وفي حين تجلس الواحدة منهن، تدير ظهرها إلى حائط مغطى بصورها وشهاداتها، فإن الكثير من العضوات يتركن الجمعية لأنهن التحقن بها لعمل الخير وليس لعبادة شخص. تكمن المشكلة في أن الإنسانية هنا هي فقط قناع لاجتذاب الإعجاب الذي ينقص النرجسي بشده ويعزز شعوره بالأهمية، بينما تتبخر هذه الإنسانية عند التعامل مع الموظفة أو العميلة أو حتى أفراد الأسرة.

فمثلاً، إذا كانت العضوة النرجسية ألفت كتاباً عن المرأة ، لكنها لم تدعم أي نشاط للمراة في الجمعية. كيف نتجاهل تصرفها هذا الذي يؤثر على المراة أكثر من كتابها الذي ألفته لتخلد به إسمها. نرجسية فاعل الخير هي الضرب الأصعب، ذلك لأن الآخرين يمكنون النرجسي في أن يستمر. فالقارئ الذي يشتري كتب رائدة العمل النسائي النرجسية يجهل أعمالها المضرة بالمراة الموظفة او العميلة. والنرجسي هنا يخيب أملنا أكثر من بقية أصناف النرجسين، فنحن صدقناه وقللنا من تجارب الآخرين إلى أن يصدمونا بأنهم لا يستحقون المصداقية التي يدعونها.

مع اطلاعي على مفهوم النرجسية في العمل التطوعي، فإني أود أن أطبق المفهوم على العمل النسائي من خلال الجمعيات التي التحقتُ بها سواء كموظفة أو كعضوة. ففي إحدى الجمعيات، كنت لاحظت بأن هناك دائرة ضيقة من العضوات المؤسسات (من الممكن تسميتهن بالعضوات الذهبيات) هي من تملك القرار الحقيقي، وليس مجلس الإدارة أو حتى الجمعية العمومية. عملياً، كل ما يتم اتخاذه في مجلس الإدارة يجب أن يتفق مع ما ترتأيه العضوات الذهبيات. ومع الوقت، أصبح واضحاً بأن القيم التي تتبناها الجمعية ليست خدمة المرأ إنما الولاء للحلقة الضيقة من العضوات الذهبيات فقط.

سلوكنا مع من هم أضعف منا، دون أن يراقبنا أحد، هو المعيار الذي يكشف إنسانيتنا، وليس سلوكنا مع الأقوى، فيما الأنوار مسلطة علينا

في حين أن جميع العضوات يدفعن نفس قيمة الاشتراك، إلا أن العضوة الذهبية تمنح نفسها حق الفيتو بدون وجود مستند قانوني أو مخول أخلاقي فقط لأنها ترى نفسها أعلى من الاخرين. إن الاستعلاء على الآخرين يظهر في أخذها كل الوقت المتاح لطرح الأسئلة في الاجتماع العمومي واحتكار الوقت والاعتراض على طرح الآخرين للأسئلة بحجة ضيق الوقت. يظهر في لغة الجسد مثلاً الإصرار على أن يبادرها الآخرون السلام وأن يحضروا ندواتها، بينما لا تحضر هي نشاطات الاخرين الذين تعتبرهم أقل أهمية منها. ويظهر أيضاً في تصرفات صغيرة مثل إصرارها على أن تكون في مقدمة الحفل وأن تحصل على أحسن طاولة وان يتم تصويرها وتداول صورها إلى أبد الآبدين.

ثمة حاجة دائمة للحصول على تصديق الآخرينvalidation ، وتذكير الآخرين بعطاءهن. بحيث أصبحت أي مناسبة، كيوم المرأة، مناسبة للتذكير بهن وبعطاءهن. مع العلم أنهن أسسن الجمعية بالتعاون مع أسماء اخرى يتم تجاهلها. كل الجهود يتم توجيهها باتجاة تمجيد جهودهن التي قمن بها منذ 30 سنة مضت. وفي نفس الوقت يتم  التقليل من جهد الآخرين حتى يسطعن هن بالمقارنة. لذلك، لا تحتفظ الجمعية بعضواتها الجدد بالرغم من أن الكثير التحقن بها.

سلوكنا مع من هم أضعف منا، دون أن يراقبنا أحد، هو المعيار الذي يكشف إنسانيتنا، وليس سلوكنا مع الأقوى، فيما الأنوار مسلطة علينا. وما هو مقياس تعاطف جمعية نسائية مع المرأة؟ للإجابة على ذلك سأستخدم مقياسين عامين للأداء هما: التعاطف مع المراة التي تمر بظروف صعبة وسنأخذ هنا حالة وفاة المرأة المقترضة (حيث تقدم الجمعية قروض بسيطة بفوائد للنساء)، وثاني مقياس هو مدى دعم الجمعية لأجر المرأة الموظفة لديها، حيث أن الموظفات يتلقين رواتب بسيطة من الجمعية.

الجمعيات النسائية التي تتصدرها قيادات نرجسية تعيش على رصيدها الماضوي، ورسالتها للعالم: "نحن نعلّم العالم ولا نتعلم منه"

لو توفت عميلة مقترضة هل تطالب الجمعية بالمبلغ أم تعدمه من باب عدم إثقال كاهل الورثة؟ الجواب: تطالب الجمعية ورثة العميلة بالمبلغ بدون مراعاة لظروفها بينما نرى كيف تعدم البنوك التجارية القروض في حالة كهذه. كما رفضت الجمعية الانضمام لبرنامج دعم الأجور، وذلك لأن مدة الدعم 3 سنوات فقط، بعدها تلتزم الجمعية بالراتب المدعوم. من جهتها، تريد الجمعية أن تستفيد من جهد الموظفات لكي تُدر أرباح أكثر للجمعية، ثم تستأثر بالأرباح وتعطيهم الفتات. أين التعاطف مع المرأة في كل ذلك؟

لا ينتقد النرجسي نفسه، بل يشغل وقته بانتقاد الآخرين. وقد يشعر بالخجل من أن يعرف الآخرون بأن يرتكب أخطاء وأنه ليس مثالياً وكاملاً كما يدعي. لذلك، عندما يوجه له الآخرون النقد يشعر بالتوتر، وقد يلجأ لسلوك عدواني مبطن تجاه الشخص الذي أشار لأخطائه. كما يشعر النرجسي بالتهديد من الأشخاص الأكثر نجاحاً منه، سيما المحيطين به ممن يعتبرهم أقل منه، لأن الأضواء قد تتحول عنه. يصبح حساساً ومثيراً للشفقة ويشكك في قدرات الآخرين وإنجازاتهم أو يتحجج بأن شروط النجاح  متوفرة للغير وليس له وأنه عانى الأمرين بينما الطريق ممهد للغير.

لا يحتمل النرجسيون خيبات الأمل، وقد يلومون الآخرين على خيباتهم وينزعون عنهم مسؤوليتها. فمثلاً قد يعرفون بأن الجمعية تعاني من قلة الاعضاء لكن مستحيل أن يعزوا الأمر إليهم وإلى سياساتهم الخاطئة. فتوضع اللائمة على الآخرين الذين لا يقدرون العمل التطوعي وأهميته.

الجمعيات النسائية التي تتصدرها قيادات نرجسية تعيش على رصيدها الماضوي، ورسالتها للعالم: "نحن نعلّم العالم ولا نتعلم منه". قد يفيد بأن نكون أكثر وعياً، كمجتمع، تجاه النرجسية وانتشارها، وأكثر إدراكاً بأن العمل التطوعي ليس ملائكي وليس خال من العيوب البشرية. كما قد يفيد أن تنزل هذه الجمعيات من عليائها وتمارس نقداً صادقاً لسلوكيات غير صحية. وفي حال أرادت هذه الجمعيات النسائية إنعاش عضويتها وجذب عناصر شابة، يتوجب عليها أن تتمسك بقواعد اللعبة الديمقراطية. فجميع العضوات متساويات في الحقوق والواجبات، ولا توجد عضوية ذهبية، وليس هنالك فرد، مهما زاد علمه أو خبرته، ممكن أن يشكل ينبوعاً للحكمة في كل المجالات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image