شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
دوري

دوري "السوبر" وأمركة كرة القدم الأوروبية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 21 أبريل 202103:24 م

أطلق اثنا عشر نادياً من كبرى نوادي كرة القدم الأوروبية البيان التأسيسي لدوري "السوبر" الأوروبي، متجهين نحو إحداث تغيير جوهري في النظام الكروي الأوروبي، مع تداعيات على شكل وجوهر كرة القدم في أوروبا وارتمائها التام في أحضان سياسات السوق الراسمالية العالمية. الفِرق الموقعة على البيان التأسيسي هي الفرق الأبرز في دورياتها؛ من الدوري الإنجليزي: "مانشستر سيتي"، "مانشستر يونايتد"، "ليفربول"، "تشيلسي" و"توتنهام" و"أرسنال". أما من الدوري الإيطالي فقد انضمت إلى توقيع البيان أندية "اٍنترميلان" و"آيسي ميلان" و"يوفنتوس". ومن الدوري الإسباني وقعت على البيان الأندية الثلاثة الكبرى: "ريال مدريد"، "برشلونة" و"أتلتيكو مدريد". 

البيان المؤسس لدوري "السوبر" ذهب الى اٍطلاق ادعاءات تهدف الى تهدئة عواطف المعارضة بحيث صوّر هذه الخطوة كخطوة من شأنها تقوية النوادي والدوريات المحلية من خلال تقوية اقتصادات هذه الدوريات. ولم تتوانى الأندية عن استخدام أزمة الوباء لتتباكى على واقعها الاقتصادي مشرّعة بذلك الـ"بيريسترويكا" (إعادة الهيكلة) المعلن عنها. وأبقى البيان الباب مفتوحاً لانضمام ثلاثة أندية أخرى وهي "بايرن ميونيخ" و"بروسيا دورتموند" الألمانيين و"سان جيرمان" الباريسي. وهي فرق رفضت التوقيع والانضمام في المرحلة الحالية. النتيجة العملية المفترضة لهذا البيان ولادة دوري أبطال "نخبوي" محصور بالفرق الأقوى كرويا ومادياً، تنافس النموذج الحالي لدوري الأبطال الرسمي الذي يديره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم– "ويفا". دوري "السوبر" سينطلق بنسخته العملية بوتيرة مباريات عالية، قد تكون أسبوعية، شبيهة بمنافسات الدوريات المحلية، من خلال منافسة على النقاط داخل مجموعتين تنتهي بتصفيات للبطولة. هذا يعني أن دوري "السوبر" سيكون مقبرة معنوية وكروية لدوري الأبطال، إن لم يكن وأداً نهائياً له، فهو على الأقل سيحدث زلزالاً يزعزع مكانة وهيبة الفرق الأخرى.

النتيجة العملية المفترضة لهذا البيان ولادة دوري أبطال "نخبوي" محصور بالفرق الأقوى كرويا ومادياً، تنافس النموذج الحالي لدوري الأبطال الرسمي

وحش الرأسمالية

لا يمكن قراءة البيان التأسيسي لدوري السوبر من المنظور الرياضي فقط. ومن السذاجة ومن التضليل، أيضاً، الاكتفاء بحجج تطوير الرياضة وزيادة المتعة الرياضية وتقوية الرياضة المحلية أو وصفها كطوق نجاة الأندية من أزمتها المالية. والأخطر هو تبني هذه الحجج وتعميمها، مما يساهم في تعزيز الخطاب الفوقي الرأسمالي "لغربلة" سوق كرة القدم وإنتاج مجتمع "الصفوة" الكروي. بل هناك حاجة لقراءة نقدية تنبش في الاقتصاد السياسي لكرة القدم ومحاولات الهيمنة المتواصلة للشركات الكبرى ورجال الأعمال لفك الانتماء، المتضرر أصلاً، بين عالم كرة القدم وجماهيرها، وتحويل الانتماء والتبعية لحيتان "الأوليغاركيا" العالمية. علينا النظر إلى إعلان تأسيس دوري "السوبر" من خلال عمليات تحول تدريجي كانت حصلت في السابق، من النخبوية الرياضية الشعبية محدودة الربح (ثمانينيات العقد الماضي نموذجاً) الى النخبوية الكروية الربحية. على جماهير كرة القدم النظر إلى ادعاء زيادة المتعة ومستويات الانبهار كادعاءات مزيفة وكاذبة تنتجها ماكنة كرة القدم الربحية البشعة. على عشاق الرياضة عموماً، وكرة القدم خصوصاً، الالتفات إلى آلات هدم المقومات الاجتماعية لعالم الرياضة، وإلى الفجوات الطبقية المروعة التي تنتجها هذه الآلات مقابل 450 مليون دولار متوقعة لكل نادِ.

إن محاولة هذه الشريحة لخلق نموذج "NBA" أمريكي في عالم كرة القدم الأوروبية هي جزء من محاولات حثيثة أخرى، نجحت في العقدين الأخيرين في خصخصة قطاع كرة القدم على مستويات المحلية والعالمية. ضمن هذه المحاولات، جرى إقصاء الشرائح الشعبية من التواجد الفعلي في معظم الملاعب، وكذلك الحد من دورهم في التأثير على المناخ الكروي. الآن، تطمح طبقات "الأوليغاركيا" إقصاء دور الاتحادات الرسمية وتقزيم دور الدولة كجهة حافظة لما تبقّى من القيم العامة للرياضة الكروية.

على جماهير كرة القدم النظر إلى ادعاء زيادة المتعة ومستويات الانبهار كادعاءات مزيفة وكاذبة تنتجها ماكنة كرة القدم الربحية البشعة

وحسب ما تتناقله وسائل الإعلام، فإن أخطبوطات الرأسمال الروسي لها دور في زعزعة مبنى كرة القدم الأوربية وقلب موازين القوى بشكل جذري. تتجه الأصابع بالأساس نحو "الأوليغارك" الروسي "لين بلوتڤينك"؛ مالك شبكة التلفزة DAZN والتي ستمتلك حقوق بث المباريات، مما يتيح لها جني المليارات. وسائل الإعلام العالمية أشارت إلى الهيمنة المتزايدة لهذا "الأوليغارك" على الكثير من الشرك العالمية والإعلامية بشكل خاص. وسائل الإعلام الإسرائيلية مثلاً، والتي شددت بدورها على هويته اليهودية، ذكرت تأثيره ومكانته في شركات محلية كشركة "نيشر"؛ صاحبة "المونوبول" على سوق الإسمنت في إسرائيل، بالإضافة إلى حصصه في قناة 13 العبرية. ولا يمكن أيضاً تجاهل الاحتدام الحتمي المتوقع بين قوى الربح، مما قد يعني مثلاً دحر وتهديد مكانة "Bein" الخليجية، أو قد يؤدي الاحتدام إلى تنازلات ومن ثم إلى الاحتواء والهيمنة والاندماج.

اعتيادية الاستغلال

لا يمكننا كذلك قراءة محاولة "العربدة" والاستقواء التي تمارسها إدارات الفرق الكبيرة الحالية من خلال إعلان دوري "السوبر" بشكل منفصل عن الخصخصة المتوحشة التي شهدها عالم الأندية والبث في كرة القدم. فالاتحاد العالمي لكرة القدم "الفيفا"، والأوروبي "ويفا" كانا السبّاقين في إدارة ظهرهم للفقراء من متابعي ومشجعي كرة القدم في العالم. مع تعمق الاستغلال على مدار سنين طويلة، يتحول النهج الاستغلالي إلى نمط اعتيادي. هذا يعني أن يتم ابتلاع السياسات الاقتصادية الربحية البحتة في عالم الكرة والنظر لخصخصة متعة كرة القدم ومشاهدتها سواء كانت الميدانية أم البيتية كحالة اعتيادية، وكأنها الحالة الطبيعية. ولا ننسى أيضاً دور هذه الاتحادات في الصمت على خروقات حقوق الإنسان الجارية في العالم، فيما يتعلق مثلاً بواقع كرة القدم الفلسطينية تحت الاحتلال، وتجاوزات حقوق الإنسان التي تسببت بموت الكثير من العاملين الآسيويين في بناء منشآت المونديال في قطر.

جرى إقصاء الشرائح الشعبية من التواجد الفعلي في معظم الملاعب، وكذلك الحد من دورهم في التأثير على المناخ الكروي

رغم نقدي اللاذع هنا للفيفا والويفا ودورهما الكارثي في تحويل الملاعب لملاعب الأثرياء من الطبقات الأرستقراطية والبرجوازية، إلا أن هذين الاتحادين ما زالا يمثلان مؤسسات عامة، مؤسسات رسمية بإمكانها أن تكفل حد أدنى من الشراكات الاجتماعية في

عالم كرة القدم، حد أدنى من المواقف الأخلاقية والسياسية لما يجري في الملاعب. وكذلك، فإن هذين الجسمين ما زالا يمتلكان التزاماً ما، رغم انحساره في السنوات الاخيرة، نحو توسيع وتنويع النوادي والدول المشاركة في البطولات المحلية والعالمية. وما زالت الدول تمتلك مقدرات لتغيير وتصحيح المسارات في سياسة الاتحادات الكروية المختلفة.


صوت الجماهير

ليس صدفة أن الفرق الألمانية والفرنسية لم توقع بعد على هذا البيان. فالتأثير الجماهيري على النوادي الألمانية هو تأثير متقدم نسبياً. فرياضة القدم الألمانية تعتبر الرياضة الجماهيرية والعمالية. ويمكن هنا مثلاً الإشارة لدور جماهير الكرة الألمانية بمنع نقل مواعيد المباريات من نهاية الأسبوع إلى يوم الاثنين بادعاء أن جمهور كرة القدم هو من الجماهير العمالية العاملة يوم الاثنين، وكذلك أذكر دورها في التأثير على أثمان التذاكر في الدوري الألماني.

التأثير الجماهيري لا ينحصر في الدوري الألماني والفرنسي، بل إننا نشهد معارضة شعبية ورسمية، أيضاً، لبيان تأسيس دوري "السوبر". في إنجلترا، ترفع مجموعات الاحتجاج شعارات تذكّر بدورها في تأسيس النوادي؛ دور العمال والنقابات العمالية والمهنية في ترسيخ أسس النوادي وفي دعمها المطلق لها. القواعد الشعبية للنوادي الإنجليزية تصنف هذا البيان ضمن خانة الخيانة للجماهير وإدارة الظهر للفقراء والبسطاء. (وتزامناً مع كتابة هذا المقال، أدت الاحتجاجات الشعبية إلى تراجع بعض النوادي الموقعة على البيان وانسحابها، على الأقل حالياً).

في إنجلترا، ترفع مجموعات الاحتجاج شعارات تذكّر بدورها في تأسيس النوادي؛ دور العمال والنقابات العمالية والمهنية في ترسيخ أسس النوادي وفي دعمها المطلق لها

نوستالجيا ضرورية

كانت وفاة اللاعب الاسطوري ماردونا فرصة لجماهير العالم للتعبير عن النوستالجيا للمشهد الكروي قبل صعود بورصة كرة القدم. هي النوستالجيا النقيضة لما آل إليه واقع كرة القدم الحالي. استذكار ماردونا بحالته الكروية والثورية وارتباطه بالقاعدة الشعبية هو باعتقادي ليس لحظة احترام وتقدير لسحر مارادونا الكروي فحسب، بل هو إعلان رفض واحتجاج على صفقات "السحر الكروي مقابل مئات ملايين الدولارات"؛ صفقات تشارك في تعبئتها إدارات النوادي الريادية ومجموعة كبيرة من اللاعبين البارزين على رأسهم "ليونيل ميسي" و"كريستيانو رونالدو". المقارنات من الماضي والحاضر هي ذات صلة بالجدل الجاري والتغييرات، وهي تستدعي التفكير في مكانتنا الحقيقية ما بين مستهلكين أو مشجعين. هي تطرح شكل وجوهر العلاقات ما بين اللاعبين وجماهيرهم وتطرح تحديات أمام اللاعبين تتعلق بماهية الانتماء والهوية والمواقف الاجتماعية المطلوبة الغائبة.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard