لما فرغ عمر بن الخطاب من الحجّ سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ونزل بالأبطح، دعا الله وشكا إليه أنه قد كبرتْ سنُّه، وضعفت قوته، وانتشرت رعيته، وخاف من التقصير، وسأل الله أن يقبضه إليه، وأن يمنّ عليه بالشهادة في بلد النبي.
أملُ عمر بالموت في تلك الساعات، لم ينَله في فراشه، لكنه طُعِنَ ست ضربات غدراً (قيل ثلاثاً)، وهو قائم يصلّي في المحراب، صلاةَ الصّبح، بخنجر ذي طرفين. ثم سأل عمن قتله، فأخبروه بأنه أبو لؤلؤة، غلام المغيرة بن شعبة، فقال جملته الشهيرة: "الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِيمَانَ وَلَمْ يَسْجُدْ للَّه سَجْدَةً"، وفقاً لابن كثير في "البداية والنهاية".
رغم أن المغيرة بن شعبة لم يكن له دخل بمقتل عمر، فإن اسمه من واقع القصص المروية، قد ساهم بصورة أو بأخرى في إضافة بعض الشوائب على ثوب العدالة الفاروقية، والتي قد يعتبرها البعض لا تقلّ ضراوة عن طعنات غلامه أبو لؤلؤة!
من هو المغيرة؟
هو المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب ابن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس الثقفي. يُكنى بأبي عبد الله، وآخرون يقولون أبا محمد. يصفه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" بأنه "مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أُولِي الشَّجَاعَةِ وَالمَكِيْدَةِ. شَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. كَانَ رَجُلاً طُوَالاً، مَهِيْباً."
ويقول عنه الطبري في "تاريخ الأمم والملوك" أنه "ضخم القامةِ عبل الذراعينِ بعيد ما بين المنكبيْنِ أصهب الشَّعر جَعد. وكان لا يفرقه. أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها، وبيعة الرضوان، وله فيها ذكرٌ وحدث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم."
رغم أن المغيرة لم يكن له دخل بمقتل عمر، فإن اسمه قد ساهم في إضافة بعض الشوائب على ثوب العدالة الفاروقية، والتي يعتبرها البعض لا تقلّ ضراوة عن طعنات غلامه أبو لؤلؤة
يضيف ابن سعد في "الطبقات" أن المغيرة شهد اليمامةَ وفتوحَ الشّام والعراق، وفقد بصرَه قبل وفاته، واختلف على اليوم الذي وقعت فيه تلك الحادثة، ما بين اليرموك، أو القادسية، أو ساعة كسوف الشّمس على عهد النبي.
اتُّفِق على أن عُمَراً ولّاه الكوفةَ وأقرّه عثمان ثم عزله، "فلما قُتِل عثمان اعتزل القتالَ إلى أن حضَر مع المحكمين ثم بايعَ معاويةَ بعد أن اجتمعَ الناسُ عليه، ثم ولّاه بعد ذلك الكوفةَ، فاستمرّ على إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر، وقيل مات قبل بسنةٍ وقيل بعدَها بسنة" حسبما يروي ابن حبان في "الثّقات".
أول راشٍ في الإسلام
بيدَ أن علاقة المغيرة بن شعبة بعمر بن الخطاب لم تكن بالحظوة في مهد خلافة الفاروق، إذ يبدو من كثير من المرويات أن الأول كان يسعى جاهداً نحو توطيد هذه العلاقة، حتى لو بالرشوة!
في كتاب "الأوائل" لأبي هلال العسكري، يختصّ المغيرة بن شعبة بفصل كامل عنوانه "أول من ارتشى"، وفيه يسرد قصة رشوة قدمها المغيرة ليرفَأ، حاجب الخليفة عمر بن الخطاب، حين أراد خلوة لنفسه، فحاول المغيرة الدّخول، فلم يجد سبيلًا سوى رشوة يرفأ، لا لشيء إلا كي يرى الناسُ أن له منزلةً خاصةً، ويعدّه القوم محظياً عند أمير المؤمنين.
الرواية ذاتها يؤكدها ابن عساكر في "تاريخ دمشق" برواية المغيرة عن نفسه، بقوله: "أنا أول من رشا في الإسلام. كنت آتي فأجلس بالباب فانتظر الدّخول على عمر بن الخطاب، فقلت ليرفأ حاجبه: خُذْ هذه العمامة فإن عندي أختاً لها لتلبسَها. فكان يُدخلني حتى أجلسَ وراء الباب فمن رآني قال إنه ليدخل على عمر في ساعةٍ ما يدخل عليه فيها أحد".
زانٍ لم يُجلَد في عهد عُمَر
كان المغيرة بن شعبة عاملاً لعمر بن الخطاب في البصرة، وفي تلك الفترة يروى أنه كان على علاقة بامرأة من بني هلال بن عامر، تُدعى أم جميل بنت محجن بن الأفقم، وكان لها زوج من ثقيف، يقال له الحجاج بن عتيك.
في كتاب "الأوائل" لأبي هلال العسكري، يختصّ المغيرة بن شعبة بفصل كامل عنوانه "أول من ارتشى"
ويروي البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف"، أن نبأ تلك العلاقة وصل إلى أبي بكرة بن مسروج، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي، ونافع بن الحارث، وزياد بن سمية " فَرَصَدُوهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا هَجَمُوا عَلَيْهِ فَإِذَا هُمَا عُرْيَانَانِ وَهُوَ مُتَبَطِّنُهَا، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ بِمَا رَأَوْا."
ويُضيف البلاذري أنه لما صار الأمر إلى عمر " مَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّهُودِ، فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُهُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَةٍ يَحْتَفِزُ عَلَيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ مَا مَعَهُ وَيُخْرِجُهُ كَالْمُلْمُولِ فِي الْمُكْحُلَةِ. ثُمَّ شَهِدَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ مِثْلَ شَهَادَتِهِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ زِيَادٌ رَابِعاً فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: أَمَا إِنِّي أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ أَرْجُو أَلا يُرْجَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَتِهِ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ قَدْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ زِيَادٌ: رَأَيْتُ مَنْظَراً قَبيحاً، وسمعت نفساً عالياً، وما أدري أخالَطَها أَمْ لا. وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِشَيْءٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثَّلاثَةِ فَجُلِدُوا. فَقَالَ شِبْلٌ: أَيُجْلَدُ شهودُ الحقّ، ويبطُل الْحَدُّ؟ فَلَمَّا جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ زَانٍ، فَقَالَ عُمَرُ: حِدُّوهُ."
وتزيد بعض الروايات، أن عليّاً ابن أبي طالب، قال لعمر: "إِنْ عَدَدْتَ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَارْجُمْ صَاحِبَكَ (يقصد المغيرة)."
ابن شعبة... داهية في بلاطة الخليفة
يروي الذهبي في "سيَر أعلام النّبلاء" أن دهاة الناس في الفتنة خمسة، "فَمِنْ قُرَيْشٍ: عَمْرٌو، وَمُعَاوِيَةُ؛ وَمِنَ الأَنْصَارِ: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ؛ وَمِنْ ثَقِيْفٍ: المُغِيْرَةُ؛ وَمِنَ المُهَاجِرِيْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ."
لمّا جُلِدَ أبو بَكرةَ قَالَ: أَشهَدُ أنَّ المُغيرةَ زَانٍ، فَقالَ عُمَرُ: حِدُّوهُ
ويحكي قبيصة بن جابر، في الرواية التي أرودها ابن الملقن في كتابه "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام": "صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلَّا بمكر من أبوابها كلّها!"
وفي هذا يحكي ابن عساكر في "تاريخ دمشق" واقعةً شهيرةً، مفادّها أن "دِهْقَانُهُم (القوي على التصرف/رئيس الإقليم)، قال: إِنْ فَعَلْتُم مَا آمُرُكُم، لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا. قَالُوا: مُرْنَا. قَالَ: تَجْمَعُوْنَ مائَةَ أَلْفٍ حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَأَقُوْلُ: إِنَّ المُغِيْرَةَ اخْتَانَ هَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ. قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ مائَةَ أَلْفٍ، وَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ ذَلِكَ. فَدَعَا المُغِيْرَةَ، فَسَأَلَهُ، قَالَ: كَذَبَ - أَصْلَحَكَ اللهُ - إِنَّمَا كَانَتْ مائَتَيْ أَلْفٍ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: العِيَالُ وَالحَاجَةُ. فَقَالَ عُمَرُ لِلْعِلْجِ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: لاَ -وَاللهِ - لأَصْدُقَنَّكَ، مَا دَفَعَ إِلَيَّ قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً. فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِيْرَةِ: مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: الخَبِيْثُ كَذَبَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْزِيَهُ".اشتهار المغيرة بن شعبة بالمكر، تصاحبه قصة شهيرة مرتبطة بعُمَر بن الخطاب، حين ولّاه على البحرين فكرِهه أهلُها، فعزله عنها، فخافوا أن يعود للولاية مُجدداً، لعلمِهم بأن الفاروق يحبّه، فعزموا أن يوقعوا بينهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع