شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حين يكون الديكتاتور هو الوطن

حين يكون الديكتاتور هو الوطن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 14 أبريل 202112:30 م

لطالما أظهرت السينما الديكتاتور على أنه شخص شرير؛ لا يحمل أي مشاعر اتجاه أي شخص آخر، أناني، قاس، سادي، ومؤذ، وجبان. لكن ماذا لو عرفنا أن للديكتاتورية طبائع عديدة؟ ماذا لو عرفنا أن الديكتاتور قد يفعل الخير وقد يحب؟ ماذا لو كانت الديكتاتورية درجات أو انواع؟

قرأت عن صدام حسين وهتلر وموسوليني والجنرال فرانكو وستالين وغيرهم. وطوال الوقت كانت تطالعني صورة واحدة؛ صورة نمطية لديكتاتور لا مشاعر له يستغل كل شيء لتحقيق مصالحه وطموحاته ويدمر كل من يخالفه الرأي. لكن ماذا لو كان داخل كل شر ذرة خير؟ ماذا لو كان الديكتاتوريون يقومون ببعض الأعمال الصالحة؟ هل سيتوقفون عن كونهم ديكتاتوريين؟

الديكتاتور "الجيد" هو من يعتقد أنه يعرف مصلحتك أكثر منك. فيمارس سلطته عليك ويجبرك على فعل أشياء لا ترغب بفعلها؛ كالتوقف عن اللعب والذهاب إلى المدرسة، أو ارتياد كلية لا تحبها، أو تناول الحليب أو تجنب الحديث في السياسة. نحن هنا نتحدث عن ديكتاتورية من نوع آخر؛ إنها ديكتاتورية العائلة، ديكتاتورية يدفعها الحب والخوف والخشية عليك من الحياة على الرغم من أنها قد تؤذيك أحياناً. لكن بعيداً عن العائلة والحب، الديكتاتور ليس دائماً شخصاً سيئاً، أو لنقل ليس شخصاً يظهر لك أو لغيرك أنه سيء بالضرورة. قد يفعل الكثير من الأمور التي تبدو جيدة، لكنها مدفوعة برغبات شخصية وحب السلطة والتملك.

ماذا لو كان الديكتاتوريون يقومون ببعض الأعمال الصالحة؟ هل سيتوقفون عن كونهم ديكتاتوريين؟

حين قرأت بعض الروايات العراقية، كل ما كان باستطاعتي قوله في نفسي هو أن صدام حسين كان شيطاناً؛ كان شخصاً سيئاً جداً، ديكتاتور لا يرحم أحداً. تساءلت لماذا لا يزال البعض حتى يومنا هذا يدافعون عنه وقد يشتمونك إن تحدثت بالسوء عن صدام حسين. يعود الأمر للدعاية، لترويج الديكتاتور، كأن يظهر ماشياً بين عامة الشعب فيبدو للشعب وكأنه يشاركه حياتهم. أو أن يظهر مريضاً فيبدو للشعب وكأنه يشاركهم أمراضهم. يقول أحدهم إنه لا يجب قتل أو اغتيال الديكتاتور، فبمجرد موته سيتحول من ديكتاتور إلى شهيد. وهذا ما حدث في حالة صدام حسين، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي جرى للعراق بعد سقوطه.

الديكتاتور الذكي لن يخرج عليك وهو يحمل بيديه منشاراً كهربائياً أو رشاشاً وثيابه ملطخة بالدماء. وحده الديكتاتور الأحمق من يفعل ذلك. ذلك الذكي سيخرج عليك بكلمات لبقه؛ سيخبرك بأنه يتفهم غضبك إن غضبت بسبب سوء الأوضاع، سيخبرك أنه مثلك يعاني، وسيحدثك عن الأرض أو الدين أو العرق أو الوطن أو الحق وأشياء كثيرة أخرى كالمرحلة الصعبة التي يجب تجاوزها، والأعداء الذين يجب التصدي لهم، ووهن عزيمة الأمة.

في أحد أجزاء فيلم "the hunger game"، استوقفني مشهد لطائرات الديكتاتور وهو يقصف مأوى سري يحوي أفراداً عاجزين. استغربت بطلة الفيلم من أن الثوار، الطرف المعارض للديكتاتور، لم يحذروا المدنيين ولم يفعلوا شيئاً لردع المجزرة. ولكن تلك لم تكن سوى دعاية لهم. على الديكتاتور أن يقتل وأن يظهر شرّه كله ليستطيعوا أن يحصدوا ثمارهم، ليستطيعوا أن يقنعوا الجميع بالثورة ضده، حتى وإن كانت على الناس من يدفعون ثمن هذه الثورة. وهذا ما جعلهم يشبهون الديكتاتور باستهتارهم بأرواح الأبرياء.

لكن للدكتاتور دعايته هو الآخر، فهو سيقدم لك الدعم، وسيقنعك بطريقة أو بأخرى بأنه حاميك وضامن بقاءك من خلال الشعارات الكثيرة والحديث عن الكرامة الوطنية والحرية وغيرها. سيبني هرماً اجتماعياً وسياسياً يتربع فوق قمته. سيحاول أن يقنعك بأن الجميع معه وأنك الورم الذي لا بد من استئصاله، أنك الوحيد الذي يفكر خارج الصندوق. سيجند الفنانين والكتّاب والرسامين والمغنين والصحفيين، ويلاعب عقلك بالفن والإعلام والصحف، ثم سيجند الاقتصاديين والتجار والمزارعين ويستغلك بالخبز والحليب، ثم سيجند الشرطة والمخابرات والأمن ويخيفك ويعذبك بأسوأ الطرق.

الدكتاتور قد يزور دور الأيتام قد يطعم عائلة جائعة. قد يساعد مريضاً. قد يبني مدرسة أو جامعة أو مستشفى. قد يلاعب طفلاً صغيراً. لكن هذا لن يلغي وجود السجناء والقتلى، لن يلغي قمع الحريات، والخوف والرقابة على كل من يعارضه أو يخالفه الرأي. الدكتاتور ليس الشرير الذي نراه في الأفلام ونكرهه بسبب أفعاله السيئة الواضحة، بل في الواقع قد نحب الدكتاتور. إنها ليست متلازمة ستوكهولم. سيبدو لنا شخصاً قوياً مستقلاً، لكن إن أمعنّا البحث والنظر في سياسته ونتائجها سنرى حقيقته.

 يجعل من شخصه "الوطن". فيشعر الشعب بأن لا وطن من دونه. وهو ما قد يدفع بكثير من معارضي الديكتاتور إلى محاربة الوطن نفسه، باعتباره مؤسسة من مؤسسات الديكتاتور

يقول ميشيل فوكو: "الطاغيه الغبي قد يضطهد العبيد ويقهرهم مستخدماً في ذلك سلاسل الحديد. لكن السياسي الحقيقي الماهر يستطيع أن يقيدهم بسلاسل أقوى من سلاسل الحديد بواسطة أفكارهم هم أنفسهم". هذا هو الديكتاتور الذي يحكم شعباً ما، ديكتاتور يغسل الأدمغة، يجعل من شخصه "الوطن". فيشعر الشعب بأن لا وطن من دونه. وهو ما قد يدفع بكثير من معارضي الديكتاتور إلى محاربة الوطن نفسه باعتباره، مؤسسة من مؤسسات الديكتاتور وأتباعه. 

وقد يكون الديكتاتور في حالات أخرى على نقيض ديكتاتور السلطة، فيحمل شعارات كثيرة أبرزها محاربة الديكتاتورية. سيكون مختلفاً عن ديكتاتور السلطة، إذ أنه لا يملك الوسائل ذاتها، فإذا عارضته سيتهمك بأنك عميل أو مخبر أو عدو للديمقراطية والحرية. في سلسلة "the hunger game"، تقوم زعيمة الثوار بتفجير الأطفال والنساء عن طريق خطة ذكية تبدو وكأن الديكتاتور قد قتلهم، لتكتشف البطلة لاحقاً أنه لم يكن الديكتاتور من قتل كل أولئك الأطفال، بل زعيمة الثوار، فتفضل قتلها على قتل الديكتاتور.

ذلك الفيلم شبيه بحالة بعض البلدان التي خاضت حرباً أهلية تحت مسميات عديدة اذ انتشرت الديكتاتورية إلى أقصى الحدود وبات التنافس كبيراً بين ديكتاتور السلطة وديكتاتور الثورة؛ من تكون دعايته أقوى؟ فاستغل كل منهم المدنيين ليمرر خطته في شيطنة الآخر وإظهاره بمظهر الديكتاتور الإرهابي عديم الرحمة. استخدم كل منهما المدنيين ليظهر نفسه بمظهر محب الخير ذي القلب الطيب، الحنون، والإنساني.

قد يكون الدكتاتور على كرسي السلطة حاملاً السوط خلف ظهره، وقد يكون على الكرسي المعارض للسلطة طامحاً بالسوط خلف ظهره. قد يختلف الاتجاه لكن الديكتاتورية هي ذاتها دائماً؛ محاربة من يخالفك الرأي وإرهابه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image