"المدينة الذهبية"... اسم حملته عناوين الأخبار في وكالات الأنباء والصحف العالمية، بعدما أصدرت بعثة أثرية يقودها الأثاري المصري الشهير زاهي حواس في الثامن من أبريل/ نيسان الجاري بيانًا صحفيًا يعلن عن "أهم كشف أثري في مجال المصريات منذ اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون". وربما كان هذا الكشف فعلاً هو الأهم منذ اكتشاف مقبرة الملك الذهبي في 1922، إلا أن هذا الكشف لم يتم في نيسان 2021 بحسب البيان الذي حمل اسم الأثاري المصري الأشهر عالمياً، بل قام به باحثان فرنسيان في العقد الثاني من القرن الماضي.
هذا الكشف لم يتم في نيسان 2021 بحسب البيان الذي حمل اسم زاهي حواس، بل قام به باحثان فرنسيان في العقد الثاني من القرن الماضي وسجلاه في كتاب يحوي صور ومخططات المدينة.
هذه الحقيقة هي ما أثارت غضباً مكتوماً ظهر على الحسابات المغلقة على الأصدقاء فقط لبعض الأثاريين المصريين الذين عملوا سابقاً في المدينة المعروفة بين الأثاريين باسم "الملقطة"، أي موضع الالتقاط، وهي مساحة كشفية أثرية في الأقصر أشهر آثارها المعبد الجنائزي لأمنحوتب بن حابو، الرجل الأول في بلاط الملك أمنحتب الثالث، جد الملك توت ووالد ملك التوحيد الشهير إخناتون الذي نقل عاصمة الدولة من طيبة (حيث المدينة الذهبية كما أسماها زاهي حواس) إلى المنطقة التي باتت معروفة بـ"تل العمارنة" بالمنيا.
رصيف22 تتبعت طرف الخيط الذي أعلن من خلاله أحد الأثاريين المصريين على حسابه المغلق أن المدينة مكتشفة ومسجلة بالفعل منذ 1917. وراجعت رصيف22 كذلك بيان زاهي حواس الذي قال فيه إن البعثة الأثرية التي قادها وجدت "مدينة مفقودة" كاملة عمرها 3000 عام تعود إلى عهد أمنحتب الثالث، ونشر صورة للمدينة "المكتشفة". وقال للصحافيين الموجودين في الموقع خلال الإعلان عن الكشف – حسبما نقلت أسوشيتدبرس-: "هذه مدينة كبيرة بالفعل، وكانت مفقودة تماماً".
بحثت رصيف22 وراء طرف الخيط ووجدت كتاباً من منشورات المركز الفرنسي للأركيولوجيا (علوم الآثار) الشرقية منشور عام 1936، لعالمي الآثار الفرنسيين فاليري وروبيكونC. Robichon و A.varille. الكتاب منشور برخصة مفتوحى على الموقع العالمي Archive.org ويمكن لقارئ رصيف22 مطالعته على هذا الرابط.
يحوي الكتاب صوراً ورسوم تخطيطية تتطابق مع الصور التي نشرها الأثاري زاهي حواس للمدينة التي أسماها "صعود آتون"، بينما أسماها مكتشفها الأصلي "مدينة قصر أمنحتب الثالث ابن حابو" نسبة إلى المعبد الجنازي المكتشف في المنطقة المعروفة بين الأثاريين في مصر والعالم باسم "الملقطة".
خبير المصريات أحمد صالح نشر عدة منشورات عبر فيسبوك يتحدث فيها عن أصل الكشف العلمي، من بينها منشور منسوب لباحث أثري أجنبي يقول فيه إن كشف حواس ما هو إلا منطقة الملقطة التي تعمل بها بعثات أثرية يعود تاريخ أقدمها إلى عام 1888، أي إلى نهايات القرن التاسع عشر.
الباحثة الأثارية فيكي جنسن والتي تعمل بإحدى البعثات الاثرية في مصر نشرت "بوست" أزالته لاحقاً ولكن بعد ان لفت انتباه زملاءها من الأثاريين المصريين والاجانب، تقول فيه ان المدينة المعلن عن اكتشافها مرسومة ومصورة بدقة في كتاب فاليري وروبيكون، وأنها تقع إلى الغرب من معبد أمنحتب بن حابو. لاحقًا قالت جنسن في بوست آخر حديث أن المدينة المكتشفة تقع إلى الغرب من المعبد الذي اكتشفه الفرنسيان وتنفي ان يكون هو الكشف نفسه الذي أعلنه زاهي حواس. ودعمت البوست بصورة من جوجل إيرث، لا تُظهر المدينة القديمة التي صورها فاليري وروبيكون، بل المعبد الجنائزي فقط. ولا تظهر سوى مدينة واحدة بالتصميم نفسه إلى الغرب، تقول إنها المعلن عنها في كشف زاهي، ما يشكك في مصداقية البوست.
خبير المصريات أحمد صالح نشر عدة منشورات عبر فيسبوك يتحدث فيها عن أصل الكشف العلمي، من بينها منشور منسوب لباحث أثري أجنبي يقول فيه إن كشف حواس ما هو إلا منطقة الملقطة التي تعمل بها بعثات أثرية يعود تاريخ أقدمها إلى عام 1888، أي إلى نهايات القرن التاسع عشر.
باحثة أثارية مصرية تحدثت إلى رصيف22 بشرط عدم الكشف عن اسمها قالت: "العاملون في البعثات الكشفية في مصر من الأجانب يخافون نفوذ زاهي حواس. هو لا يزال يتحكم في مشهد البعوث والحفريات والترخيص لها عبر أذرعه في الوزارة (وزارة الآثار) رغم أنه خارج المناصب الرسمية".
خبير الآثار احمد صالح علق على تراجع فيكي جنسن بأنه يبدو أنها تتعرض لضغوط وفند ما كتبته فيكي مذكراً إياها بالطرق العلمية لمطابقة مخططات الاكتشافات الأثرية بالخرائط. وحاولت رصيف22 التواصل مع فيكي جنسن عبر رسائل الفيسبوك للرد على تعليق صالح إلا أنها لم تظهر رؤيتها للرسالة حتى لحظة نشر هذا التقرير.
حقيقة الكشف
لا يعني هذا أن البعثة المصاحبة للأثاري المصري الشهير لم تكتشف شيئاً جديداً، البعثة نجحت بالفعل في اكتشاف أجزاءً كانت مطمورة من المدينة المعروفة باسم "مدينة القصور". أي انها لم تكتشف مدينة مطمورة مفقودة كما روج البيان الرسمي، بل فقط أجزاءً جديدة من مدينة مكتشفة بالفعل ومعروف للأثاريين في مصر والعالم أنها لا تزال تحوي أجزاءً مطمورة منها مساكن العمال.
ويعلق الباحث الأثري طارق فرج إن الكشف ما هو إلا استكمال لحفائر جرت على مدى يزيد على 100 عام. مفصلاً العروف عن المدينة الأثرية التي لا يزال جانب كبير منها مطموراً مستنداً إلى بردية محفوظة بالمتحف البريطاني تحمل رقم 10068.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...