شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
المثليون في الإمارات… تجارب ليست للعرض على واجهة برج خليفة

المثليون في الإمارات… تجارب ليست للعرض على واجهة برج خليفة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 11 أبريل 202103:30 م

يعيش المثليون/ات في العالم العربي واقعاً مفتوحاً على احتمالات القسوة، تتباين نسب قسوة التجارب بناء على العوامل الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بكل فرد منهم/ن، ولكن تبقى التجارب شاهدة: القلق من كل شيء. أتذكر جيداً القلق الذي لاحقني شخصياً عندما قررت الانتقال للعمل في دبي وأسئلتي الساذجة التي انهلت بها على كل شخص علمت أنه يقيم هناك: "هل يمكنني ارتداء سروال قصير علناً في دبي؟ هل ارتداء الأقراط تصرّف حكيم في الشارقة؟"... ومجموعة أخرى من الأسئلة جميعها تعلّقت بالمظهر، إذ لم تكن لدي حينها أدنى فكرة عن سقف حريات مجتمع الميم في الإمارات، ولكن لديّ فكرة أن هذه الصور المبالغ بها زرعها الإعلام العربي في مخيلتي بطريقة ما. اليوم، وبعد سنتين من إقامتي في دبي، وعلى الرغم من كل الانفتاح والتغيير الذي نراه على المنصات وفي الإعلام، لا يمكننا الحديث عن تقدّم فعلي بمسألة حريات مجتمع الميم في الإمارات من دون رؤية انعكاس واقعي له، علماً أن نسبة هؤلاء تتراوح ما بين 8% إلى 15% من تعداد سكان العالم. 

من هنا، كان لنا في رصيف22 حديث مع أشخاص مثليين مقيمين أو أقاموا في الإمارات، عن أبرز ما يواجهونه اليوم من تحديات ومخاطر في الدوائر الصغيرة التي تشكّل يومهم، بدءاً من العائلات المحافظة، مروراً بالمدارس والجامعات وصولاً الى مساحات العمل.

هذه المرّة سأحاول طرح أسئلة "أكتر طعمة" على ثلاثة أشخاص يشكّلون ثلاث تجارب، لنتعرّف أكثر على واقعهم، ولنستمع بقرب إلى همومهم، في محاولة للفصل بين بريق الصورة "الإنستغرامية" والحقيقة، علماً أن المادة 177 من قانون العقوبات تفرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات للمتهمين بممارسة أفعال جنسية مثلية. وتنصّ المادة 359 على أنّه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف درهم (حوالي 2700 دولار أميركي) كل رجل تنكّر بزي امرأة ودخل مكاناً خاصاً بالنساء".

"كبسة بالغلط"

يروي لنا إسلام بركات (اسم مستعار) 24 عاماً، موسيقي، تفاصيل تجربة مريرة عاشها في الأشهر الماضية في دبي. يقول: "الحكاية بدأت عندما أرادت أمي استخدام حاسوبي لإجراء مكالمة 'زوم' مع عمتي. الحاسوب ذاته الذي امتلأ قبل أسبوع بصور ومقاطع فيديو خاصة، كنت قد نقلتهم إليه بهدف إخلاء ذاكرة هاتفي. كان تطبيق 'زوم' قريباً من الألبوم وبعد 'كبسة بالغلط' رأت أمي كل شيء، حرفياً كل شيء Nudes (صور عارية) لي برفقة شباب آخرون and stuff (وأشياء أخرى)..."

عن تطورات الحادثة يضيف: "طردي من المنزل كان أول ردات فعلها، تلاها تهديد أنها ستخبر عمتي التي تعمل في شرطة إمارة دبي لكي تقوم باستخدام نفوذها في مطاردتي. توسلت إلى أمي كثيراً، فحينها لم أكترث بشيء إلا بألا تخبر عمتي. تلقيت بعدها الكثير من الاتصالات من جهات مجهولة وأعتقد أنها جهات مرتبطة بعمتي. ومن ثم تلقيت اتصالاً من عمتي شخصياً، تخبرني أنها توّد رؤيتي (ولكن ذلك لم يحصل)، الخوف جعلني أغادر المنزل أربع مرات فقط منذ ستة أشهر...".

يتابع: "بعد أشهر من التنقل بين بيوت أصدقائي، وصلني تهديد جديد أن أمي لن تقوم بتجديد إقامتي في دبي. لم أعرف حينها ماذا أفعل. إما الإمارات أو العودة إلى مصر (بلد أبي)". ولماذا يرفض العودة إلى مصر؟ يجيب: "أُفضّل العيش بلا مأوى على أن أذهب إلى مصر وأعيش مع والدي الذي على علم بميولي الجنسية".

ويحكي عن واقع المثلية الجنسية في مصر: "كلنا نعلم كيف يُعامل أفراد مجتمع الميم في مصر بشكل عام، على الرغم من ذلك، تريدني أمي أن أذهب إلى مصر لكي أخدم في الجيش المصري 'عشان أسترجل'. سأخضع لفحص شرجي هناك. لا أحتمل هذا".

"حاولت كثيراً التواصل مع أمي واحتواء غضبها. قلت لها: أصبحت على الصراط المستقيم، أنا شخص أفضل الآن، أتمنى الذهاب إلى الشيخ ليطرد هذا اللوطي الذي في داخلي. كل هذا لم يجد نفعاً. لم تكترث، بل فعلت كل شيء يمكن تخيلّه لكي ترعبني أكثر".

"الحكاية بدأت عندما أرادت أمي استخدام حاسوبي لإجراء مكالمة 'زوم' مع عمتي. الحاسوب ذاته الذي امتلأ قبل أسبوع بصور ومقاطع فيديو خاصة، كنت قد نقلتهم إليه بهدف إخلاء ذاكرة هاتفي. كان تطبيق 'زوم' قريباً من الألبوم وبعد 'كبسة بالغلط' رأت أمي كل شيء"

وفي سؤالنا له عما آل إليه الحال اليوم، أجاب: "حالياً أنا عالق في الإمارات إلى حين يمكنني المغادرة إلى مكان آمن. حاولت السفر إلى بلدان كثيرة، آخرها ألمانيا التي رفضت طلبي. البلد الوحيد الذي أعطاني فيزا هو تونس. أتمنى السفر قريباً. أمي الآن هادئة، وعندما تكون هادئة، يعني أن هناك شيئاً مخيفاً قادم".

وعن تقييمه لأداء الإمارات فيما يتعلق بحقوق مجتمع الميم، خصوصاً بعد انتشار أخبار عن استضافة دبي لمؤتمر دولي حول الهوية الجنسية وحقوق المثليين في 6 أيار/مايو المقبل، يقول: "الإمارات من البلدان التي ستفعل أي شيء لكي تبدو متقدمة، حتى لو كان الأمر يخالف القانون والعادات والتقاليد. سمعت أن هناك محاولات عدة لاستضافة مؤتمرات متعلقة بحقوق مجتمع الميم في الإمارات، قد تكون مجرد إشاعات لكن إن لم تكن كذلك فهذا رائع. في الإمارات إن لم تسبب ضرراً لأحد فلا يوجد لديك مشكلة، لكن أمي أخذت Screenshots لكل صورة رأتها، وهنا تكمن مشكلتي، بسبب هذه الصور قد يتم اتهامي في التورط بالدعارة، بحسب قوانين الإمارات".

عقوبة جريمتي الزنا والفجور في الإمارات قد تصل إلى الإعدام، وقد توجه إلى مثليي الجنس تهمة الزنا إذا كانوا متزوجين من شركاء من الجنس الآخر.

وعن المصاعب التي يواجهها في العمل، يقول: "نرى الكثير من المثليين يعملون في القطاعات الإبداعية بشكل عام في الإمارات. ستُعامل كإنسان عادي طالما أنك مثلي وأبيض في ذات الوقت. من الذي سيتجرأ ويقول لشخص أبيض لماذا تتصرف بهذا الشكل أو ترتدي هذه الملابس؟ لا أحد. لا فرق إن كنت مثلياً أو غيري الجنس، طالما أنت عربي أو ذو بشرة داكنة ستُعامل بازدواجية معايير وعنصرية".

 "في الشارقة لا يمكنك ارتداء أقراط، المكان منغلق جداً. أبوظبي متحررة نوعاً ما كما دبي. فقط في دبي يوجد بارات للمثليين"، يقول بركات.

"المثليون ليس لديهم عائلات"

أما السوري حاتم سالم (اسم مستعار) 26 عاماً، الذي يعمل في مجال البناء والتصميم في دبي، فيقول عن تأثير أزمة فيروس كورونا على نفسيته: 

"زادت أزمة كورونا الضغط كثيراً. عشت كل حياتي مع أهلي في الإمارات، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت أنفصل عنهم كوننا لا نتفق على شيء. كنت أقضي أيامي خارج المنزل، بين العمل والرياضة والأصدقاء، كان بيت أهلي ملاذاً للنوم فقط. ما حصل بعد كورونا غيّر حياتي 180 درجة، اضطررت للتواجد معهم فيزيائياً، بدون مبالغة، كنت أختنق وتصيبني نوبات قلق كثيرة. العودة الى البيت تعني لي العودة الى المشاكل، اكتأبت. أعتقد أن جميع المثليين عانوا ما عانيت وأكثر، أزمة كورونا أثّرت على حياتنا المادية وحريتنا الجنسية كوننا جميعاً 'شراميط'".

"أعتقد أن جميع المثليين عانوا ما عانيت وأكثر، أزمة كورونا أثّرت على حياتنا المادية وحريتنا الجنسية كوننا جميعاً 'شراميط'"

 يعود حاتم في الذاكرة: "عشت طوال حياتي بشخصيتين، الاكتئاب رافق كل مراحلي الدراسية، من المدرسة وصولاً الى الجامعة. كنت مجبراً أن أمثل، أمثل أني أنجذب للفتيات. كنت أتعرّض لأسئلة مستمرة حول حياتي العاطفية: 'مش ناقصك شي، ليش ماعندك حبيبة؟'. جئت من مجتمع محافظ لكن كل أصدقائي كان لديهم علاقات مع فتيات إلا أنا، ما شكلّ لديهم شكوك كثيرة بما أني لا أكلم فتيات، بالإضافة إلى أني كنت أحياناً 'أنعم' مما يجب. في الجامعة لم يتغير شيء بل ازداد الضغط. كان جميع من حولي يشكّون بميولي، يسألون أسئلة ويحاولون تصيّد الأجوبة باستمرار، ويسخرون مني لأني مثلي عن طريق المزاح. كانت أكثر مرحلة سامّة في حياتي". 

 يشاركنا حاتم تفاصيل أكثر عن حياته العملية قائلاً: "بعد التخرج من الجامعة عزلت نفسي تماماً عن الجميع وكنت وحيداً جداً. في العمل، من الجيد أنّ العلاقات مع الناس تكون رسمية أكثر من العلاقات في الجامعة، لكن لم يخلو الأمر من الضغوطات خصوصاً عندما تعمل في مجالات تتطلب إظهار خشونة أكثر في التعاطي مع المحيط كالهندسة. كعامل في مجال البناء، أضطر الى إثبات نفسي عن طريق رفع صوتي وإظهار شخصية فيها خشونة في ورشات العمل وهذا مرهق! (يعتبر حاتم أن عمل المثليين في مجالات كالتسويق والإعلام يتمتّع بمرونة أكبر)". 

يتابع: "أشتاق إلى نفسي، وكثيراً ما أردد في الحمام بعد العمل: هذا ليس أنا. المشقّة أيضاً مرتبطة بعقليات الأشخاص الذين تعمل معهم، أعمل لدى شخص سوري الجنسية والادعاء أني غيري الجنس عنصر أساسي في تواصلنا".

ويصف حاتم علاقته بعائلته بالقول: "المثليون ليس لديهم عائلات. كمثليين عرب علاقتنا بعائلاتنا لطالما كانت جافة. من المضحك أنه في مجتمعاتنا كثيراً ما يتعرض الابن المثلي للتمييز السلبي في صغره من قبل والديه، وتجده الداعم الأكبر لهم مادياً وعاطفياً عندما يكبر".

وينوّه إلى أهمية الاستقرار المادي في حياة أفراد مجتمع المثليين: "الاستقلالية المادية في حياة المثليين في غاية الأهمية، ببساطة لا نعلم إن كانت عائلاتنا ستقدم لنا الدعم إن احتجنا شيئاً، لا نثق حتى بأصالة صداقاتنا في مجتمع الميم. كمثليين يجب علينا أن نعيل نفسنا بنفسنا. 'ما في حدا حيدلعك من الآخر'. في المعظم نحن Singles أيضاً، أي أنه ليس لدينا زوج أو أبناء يكترثون لأمرنا. عشت صعوبات كثيرة لأني أعيل عائلتي مادياً، مسؤول عني وعنهم في نفس الوقت، لا أدّخر شيئاً، لأني اخترت أن أتخلى عن مدخراتي مقابل الحصول على استقلاليتي والعيش وحدي، هذا غالباً ليس أذكى قرار اتخذته في حياتي لكني كنت بحاجة لفعله".

 سألنا حاتم عن صراعات البقاء والسفر خارج الإمارات فأجاب: "هذا صراع يومي. في الإمارات لدينا عمل وفرص كبيرة وراحة مادية، إن انتقلت للعيش في أوروبا من المستحيل أن أعيش في شقة خاصة كالشقة التي أعيش فيها اليوم، لن أستطيع أن أمتلك سيارة كسيارتي هنا، لكني سأحصل على حرية وحقوق إنسانية أكثر في المقابل. هذا الصراع ليس لأني مثلي الجنس فقط بل أيضاً لأني سوري الجنسية، ليس لدينا وطن تَصلُح العودة إليه".

وعن سهولة الوصول الى مراكز الدعم النفسي لأفراد مجتمع الميم في الإمارات، قال: "الراحة المادية تؤثر على مستوى التوازن النفسي والعاطفي والسعادة بشكل عام. أتمنى تحمل تكاليف الجلوس مع اختصاصي في المعالجة النفسية، أصدقائي يرتادونه باستمرار، يقولون إنها عادة مهمة جداً، كلّنا لدينا رواسب عالقة من الطفولة تحتاج الى ترتيب. من مزايا دبي أنها تؤمّن لك مختصين من جنسيات غربية، لن أجلس مع مختص لديه وجهة نظر ضمنية في حياة شخص مثلي الجنس".  

"من مزايا دبي أنها تؤمّن لك مختصين من جنسيات غربية، لن أجلس مع مختص لديه وجهة نظر ضمنية في حياة شخص مثلي الجنس"

"سمّة بدن كل شهر أحسن من كل يوم"

أما علي الباشا (اسم مستعار) 25 عاماً، الذي اختار السفر من الإمارات منذ سنتين لمتابعة الدراسة في أوروبا، يخبرنا لماذا قرر السفر قائلاً: "كان من الصعب أن أبقى لأكثر من سبب، الرأسمالية في الإمارات داخلة في كل شيء، كما أنّ تواجدي مع أهلي في نفس المكان، رغم أنه كان يشعرني بأمان أفتقده الآن في أوروبا، إلّا أنه كان يقتل حريتي الشخصية. ما زال مزاجي يتعكّر من بعض المواضيع التي تفتحها أمي معي على الهاتف، كالزواج والتقاليد والدين، لكن سمّة بدن كل شهر أحسن من كل يوم".

يتابع: "لم أواجه صعوبات أو تمييز ضدي، لأني لم أكن أظهر للآخرين بشخصيتي الحقيقية. لكن لا زلت أذكر موقفاً تعرضت له في آخر يوم عمل في الشركة قبل سفري، عندما أراد زميلي أن يوّدعني قائلاً: أنت شاب جيد ومحترم، أعتذر لأني في البداية اعتقدت أنك مثلي الجنس". وينهي حديثنا معه مبدياً إعجابه بـ Gaydar زميله (الـGaydar هو مصطلح بالعامية يجمع بين كلمتي Gay وRadar وتشير إلى القدرة البديهية للشخص على تقييم الميول الجنسية للآخرين).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard