شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لوحة دافنشي" من "أسرار الدولة"… كيف حفظ ماكرون ماء وجه بن سلمان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 9 أبريل 202106:09 م

حين أزال متحف اللوفر الفرنسي فجأة أغلى لوحة في العالم، "سالفاتور موندي"، التي نُسبت إلى ليوناردو دافنشي، من معرضه في أبوظبي عام 2018، لم يعرف أحد السبب، لكن تبين الآن أن فرنسا قررت الحفاظ على هذا السبب كأحد "أسرار الدولة".


في تقرير نشرته صحيفة "الباييس" الفرنسية، في 8 نيسان/ أبريل، كُشف أن فيلماً وثائقياً سيعرض الأسبوع المقبل للمخرج أنطوان فيتكين، يتم التأكيد خلاله أن الحفاظ على سرية السبب وراء إزالة اللوحة من "اللوفر"، كان لحفظ وجه مالك اللوحة المزعوم، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.


يعرض الفيلم شهادات مسؤولين حكوميين فرنسيين على أن المتحف اكتشف في ذلك العام أن لوحة "سالفاتور موندي"، أي "مُخلّص العالم" باللغة العربية، لم يرسمها دافنشي كلها، بل ساهم فيها، وقد رسمت بالفعل في ورشته، لكن بن سلمان أراد من باريس تغيير هذه الحقيقة مقابل "صفقات ضخمة".

 

من ألف  إلى 450 دولاراً

بالعودة إلى عام 2017، فإن اللوحة التي تشير إلى المسيح (المُخلّص)، والملقبة بـ "ذكر الموناليزا"، كانت قد بيعت في مزاد لدار كريستيز في نيويورك بمبلغ قياسي مقداره 450 مليون دولار.


كُشف لاحقاً أن المشتري السري هو بن سلمان، علماً أن الرياض نفت ذلك.

"بشرائه تلك اللوحة، لوحة أوروبية، صورة للمسيح، أراد أن يبعث برسالة إلى الغرب توضح حداثة المملكة وتأثرها بالغرب"... فيلم وثائقي فرنسي يكشف سر عدم عرض "ذكر الموناليزا" باللوفر وإخفاء حقيقة أن دافنشي لم يرسمها كلها

وكان من المقرر أن تظهر هذه اللوحة كما كان مخطط لها في متحف اللوفر في أبوظبي عام 2018، ثم في معرض لأعمال دافنشي بمتحف اللوفر في باريس في العام التالي، لكن ذلك لم يتم من دون توضيح السبب.


وفي 13 نيسان/ أبريل، سيكشف النقاب عن فيلم وثائقي بعنوان "The Savior for Sale" لفيتكين، يعرض لأول مرة على التلفزيون الفرنسي، سر عدم عرض اللوحة مبرزاً ما جرى وراء الكواليس.


يتحدث كبار المسؤولين من حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد ظهروا بأسماء مستعارة، في الفيلم، عن أن تحليل اللوفر للوحة خلُص إلى أنها تم إنتاجها فعلاً في ورشة دافنشي، ولكن الأخير "ساهم" فيها فقط.


وعام 2005، جرى شراء اللوحة مقابل 1175 دولاراً من قبل تاجر فنون من نيويورك ثم أجريت لها عمليات ترميم في الولايات المتحدة.


وصادق العديد من الخبراء البريطانيين على أنها اللوحة التي رسمها دافنشي، وكانت مفقودة منذ فترة طويلة، وتم تقديمها على هذا النحو في المعرض الوطني في لندن عام 2011 قبل بيعها إلى أحد أفراد الأوليغارشية الروسية مقابل 127.5 مليون دولار بعد ذلك بعامين.


جواب فرنسي خيّب آمال بن سلمان

حين استقبل ماكرون ولي العهد السعودي، في نيسان/ أبريل عام 2018، تحدثا عن اللوحة، بحسب "الباييس"، التي روت تفاصيل جديدة عن الفيلم.


في الفيلم، يقول بيير، وهو اسم مستعار لأحد كبار أعضاء وزارة الثقافة الذي حضر الاجتماعات مناقشة أزمة اللوحة: "أوضح لنا (قصر) الإليزيه أنه من المهم لبن سلمان أن يقدم نفسه على أنه الشخص الذي افتتح السعودية ثقافياً وجعلها رمزاً للحداثة".

"عملية شراء مرموقة، كانت جزءاً من سياق رغبة السعودية في أن تصبح مركزاً ثقافياً من خلال بناء المتاحف" تضررت بالرأي الفني للخبراء في متحف اللوفر حول أصل لوحة "سالفاتور موندي" المزعومة ملكيتها لبن سلمان

وأشارت الصحيفة إلى أن "سالفاتور موندي" كانت العمود الفقري لهذه الإستراتيجية، لكن كانت هناك مشكلة في ذلك الوقت، وهي تزايد أصوات الخبراء الدوليين المشككين في أن دافنشي قد رسمها.


قررت الرياض إرسال اللوحة إلى باريس في حزيران/ يونيو عام 2018 لإجراء عملية المصادقة عليها في متحف اللوفر، الذي كان يستعد لمعرض كبير عن "سيد عصر النهضة" في نهاية عام 2019. وظلت اللوحة ثلاثة أشهر في المتحف حيث يوجد واحد من أدق المعامل، يسمح بتحليل متعمق للأعمال الفنية. 


قال جاك، اسم مستعار لمسؤول آخر فرنسي: "لقد رأيت ذلك بنفسي، كان حكماً صادماً، أظهرتْ الخبرة العلمية أن ليوناردو ساهم فقط في تلك اللوحة، لذلك أبلغنا السعوديين".


لم يكن هذا هو الجواب الذي أرادته الرياض، وقبل كل شيء، ابن سلمان، الذي راهن  كثيراً على اللوحة، إذ يقول فيكتين: "نحن نتحدث عن عملية شراء مرموقة، كانت جزءاً من سياق رغبة السعودية في أن تصبح مركزاً ثقافياً من خلال بناء المتاحف. وعندما يتم بناء المتاحف، هناك حاجة إلى اللوحات".


أنفق بن سلمان مبلغاً ضخماً على شراء اللوحة، بالتزامن مع اعتقال نحو 200 من أقوى رجال المملكة بتهمة اختلاس أكثر من 100 مليون دولار أمريكي، لكنه كان يريد المخاطرة، إذ يقول فيتكين في فيلمه: "بشرائه تلك اللوحة، لوحة أوروبية، صورة للمسيح، أراد أن يرسل رسالة إلى الغرب توضح حداثة المملكة وتأثرها بالغرب".


وتُظهر لوحة "سالفاتور موندي" المسيح جالساً رافعاً يده اليمنى، وفي يده اليسرى كرة زجاجيةً، وهو ما يخالف معتقدات السعوديين، الذين طالما يفتخرون بكون بلادهم مهداً للإسلام، ويحرمون تجسيم الأنبياء، ومع ذلك يواصل بن سلمان جهوده من أجل عمل تحرر اجتماعي.


عرض مغرٍ

يروي جاك في الفيلم أن "طلب بن سلمان كان واضحاً للغاية، وهو عرض ‘سالفاتور موندي‘ بجانب ‘الموناليزا‘ بدون تفسيرات، وتقديمها على أنها لدافنشي 100%، ووعدت الرياض فرنسا بـ‘صندوق أعمال‘".


 حسب المصدر ذاته، دعا وزير الثقافة آنذاك، فرانك ريستر، وزميله في وزارة الخارجية، جان إيف لودريان، إلى الاستسلام للرياض، وأعربا عن قلقهما من تأثر علاقة فرنسا الإستراتيجية والاقتصادية الواسعة النطاق مع السعودية، لكن ذلك كان يعني أن الإليزيه سيقدم توصية ترقى إلى "غسل عمل فني بقيمة 450 مليون دولار".

"طلب بن سلمان كان واضحاً جداً، وهو عرض ‘سالفاتور موندي‘ بجانب ‘الموناليزا‘ بدون تفسيرات، وتقديمها على أنها لدافنشي 100%، ووعدت الرياض فرنسا بـ‘صندوق أعمال‘"... "غسل عمل فني بقيمة 450 مليون دولار"

تم اتخاذ القرار النهائي من قبل ماكرون في نهاية أيلول/ سبتمبر عام 2019، وهو:  "عدم قبول الشروط السعودية"، وترك متحف اللوفر يتفاوض مع السعوديين حول كيفية عرض اللوحة. ولم يتوصل الجانبان إلى اتفاق.


دافع جاك عن هذا القرار بالقول إن "مصداقية فرنسا واللوفر كانت على المحك".


"من أسرار الدولة"

حاولت الصحيفة الحصول على تعليق متحف اللوفر، لكنه أجاب: "قررنا عدم الإجابة عن أسئلتكم... ولن نعلق على فيلمه أيضاً".


يفسر فيتكين هذا الصمت بأنه كان من الضروري حماية مصالح بن سلمان وقبل كل شيء مصالح فرنسا قبله. وأضاف المخرج: "منذ اللحظة التي رفض فيها متحف اللوفر تقويض مصداقيته، تم الاتفاق على الحفاظ على سرية نتائج تحليل اللوحة. هذا هو السبب في أن متحف اللوفر لم يتكلم قط. حفظ السر لحفظ ماء وجه بن سلمان".


وتابع فيتكين، الذي سيبث فيلمه الوثائقي في إسبانيا أيضاً في تموز/ يوليو المقبل: "لقد فازت الحقيقة، ولكن أصبحت سراً من أسرار الدولة".



ويقول كريس ديركون، الذي يترأس إحدى أكبر هيئات المتاحف في فرنسا ويقدم المشورة للحكومة السعودية بشأن الفن، في الفيلم الوثائقي: "السعوديون خائفون من هذا الجدل حول أصالة اللوحة".


وأضاف لوكالة "فرانس برس": "إنهم يخشون أن يقول الناس، سواء في الداخل أو في الخارج، لقد أنفقت كل هذه الأموال على شيء ليس لدافنشي".


في العام التالي، كانت سمعة بن سلمان تدهور، إذ تورط هو ومقربون منه في جريمة قتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في تركيا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image