شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"تهرُّب بكلمات مطاطة"... سكّان شمال سوريا يحمّلون تركيا مسؤولية غياب لقاحات الكورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 12 أبريل 202110:19 ص
Read in English:

Syrians Blame Turkey for Lack of Coronavirus Vaccines

حتى الآن، لم تصل أي لقاحات ضد فيروس كورونا إلى مناطق شمال سوريا، الخاضعة لسيطرة فصائل عسكرية معارضة، تحت نفوذ تركيا. هذا هو الهم الشاغل حالياً لقاطني هذه المناطق الذين يصل تعدادهم إلى حوالي مليون ونصف مليون شخص.

أصيب محمود (اسم مستعار)، وهو طبيب يعمل منذ عام في مركز لعزل ومعالجة المصابين بكورونا في منطقة "درع الفرات"، في ريف حلب الشمالي، بالفيروس على الرغم من أخذه جميع الاحتياطات الممكنة للوقاية.

يحمّل محمود السلطات التركية المسؤولية عن إصابته بالفيروس وعن تأخر وصول اللقاحات إلى شمال سوريا، ويتهمها "بعدم الاكتراث بتأمين اللقاح حتى اليوم للكوادر الطبية في المنطقة، والذين يعملون ليلاً نهاراً على خط الدفاع الأول في مواجهة الفيروس".

ويقول الطبيب: "بقيت في الحجر الصحي 20 يوماً حتى تعافيت، ولكنّي حتى اللحظة، بعد شهرين من الإصابة، لا زلت فاقداً لحاسة الشم والتذوق وأشعر بوهن في جسمي، وكل هذا حصل معي بسبب عدم تأمين اللقاح من قبل الدولة التركية المعنية أولاً بتوفير الحماية للكوادر الطبية"، مؤكداً أن "اللقاحات حتى اللحظة لم تتوفر للكادر الطبي أو لغيره في منطقة درع الفرات، ونحن ننتظر وصولها دون جدوى".

تحدث محمود لرصيف22 بشرط عدم ذكر اسمه الحقيقي، خوفاً على حياته وعلى وظيفته، لأنه يعيش في منطقة خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة موالية لتركيا، و"في حال عُرفت سأتعرّض لمشاكل وتحقيقات قد تصل إلى سجني أو طردي من العمل".

يُترك أبناء شمال سوريا بلا لقاحات مع أن الطواقم الطبية في تركيا بدأوا بأخذ اللقاحات منذ 13 كانون الأول/ يناير 2021.

وهناك استياء في أوساط الطواقم الطبية في مناطق الشمال السوري من عدم معاملة الدولة التركية لهم بالمثل ومن غيابها التام في موضوع اللقاح، على الرغم من أن المنطقة تخضع لنفوذها، وتعيّن لكل ناحية والياً تركياً وقائداً عسكرياً تركياً بالإضافة إلى فرضها على القاطنين في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بطاقات تعريفية إجبارية.

وتسيطر تركيا على منطقة "درع الفرات" التي تضم مدن إعزاز وجرابلس والباب والريف المحيط بها، وكلها تقع في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، بعدما شنّت قواتها، بالتعاون مع فصائل معارضة مسلحة، عملية عسكرية ضد تنظيم داعش الذي كان يسيطر عليها، بدأت في 24 آب/ أغسطس 2016 وانتهت في 29 آذار/ مارس 2017.

أما منطقة "غصن الزيتون" التي تضم مدينتي عفرين وجنديرس وريفيهما في شمال غرب حلب، فقد انتزعت القوات التركية، بالتعاون مع الفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها، السيطرة عليها من قوات سوريا الديمقراطية، بعد عملية عسكرية استمرت من 20 كانون الثاني/ يناير إلى 18 آذار/ مارس من عام 2018.

وحالياً، تخضع هاتان المنطقتان لسلطة فصائل عسكرية سورية موالية لتركيا عسكرياً وإدارياً، تحت إشراف قوات تركية.

الحلقة الأضعف

الطبيب محمود هو من بين نحو 22 ألف حالة مسجّلة إصابتها بكورونا في الشمال السوري، منذ أن ظهر الفيروس لأول مرة هناك بتاريخ التاسع من تموز/ يوليو 2020.

تحدث الطبيب بشرط عدم ذكر اسمه، خوفاً على حياته وعلى وظيفته، لأنه يعيش في منطقة خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة موالية لتركيا، و"في حال عُرفت سأتعرّض لمشاكل وتحقيقات قد تصل إلى سجني أو طردي من العمل"

وعدا المخاطر التي تواجه الطواقم الطبية، بوصفهم الحلقة الأضعف، لتماسهم المباشر مع المرضى، هناك مخاوف حقيقية على حياة المسنّين والمصابين بأمراض مزمنة الذين من المفترض أن تسعى جميع الجهات المعنية في المنطقة إلى تأمين لقاحات لهم.

محمود ليس الوحيد الذي لديه مخاوف من تأخر وصول اللقاحات إلى شمال سوريا. أحمد، مواطن من ريف إدلب يبلغ من العمر 36 عاماً ويقيم في ريف مدينة إعزاز في منطقة "درع الفرات" هو أيضاً لديه مخاوف من تأخرها ومن طريقة توزيعها عندما تصل.

يقول لرصيف22: "حتى اللحظة، لم يتوفر لدينا هذا اللقاح وتأخُّر وصوله ليس في صالح سكان هذه المنطقة وفي حال تم توفيره، هل سيُعطى حسب الأولوية، فأمي مريضة بداء السكري، وأنا في قلق دائم من إصابتها بالفيروس لأن مناعتها ضعيفة وعند وصول اللقاح هل ستكون لأمي الأولوية أم أن المحسوبيات والنفوذ العسكري ستؤثر على توزيعه؟".

طبيب آخر من "فريق لقاح سوريا" في منطقة "درع الفرات" رفض أيضاً الكشف عن اسمه بسبب خوفه من تبعات ذلك، يحمّل تركيا بدوره المسؤولية المباشرة عن تأمين اللقاحات.

يقول لرصيف22: "الدولة التركية هي المسؤولة بشكل مباشر عن تأمين اللقاح، لأن جميع المفاصل الإدارية والصحية والعسكرية يديرها أتراك"، ويضيف: "تركيا صاحبة النفوذ في المنطقة معنيّة ومسؤولة بشكل مباشر عن تأمين اللقاح للسكان ولا يجب التنصل من هذه المسؤولية باستخدام كلمات مطاطة كالإشراف أو التعاون او التنسيق".

"هل سيُعطى اللقاح حسب الأولوية عندما يصل إلى شمال سوريا؟ أمي مريضة بداء السكري ومناعتها ضعيفة وعند وصول اللقاح هل ستكون لأمي الأولوية أم أن المحسوبيات والنفوذ العسكري ستؤثر على توزيعه؟"

ويعتبر أيضاً أن على وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة "مسؤولية مشتركة مع الدولة التركية في تأمين اللقاح، فهي منبثقة عن الائتلاف الوطني السوري المعارض ومقرّه في إسطنبول، وتقوم فقط بالتنسيق مع فريق لقاح سوريا واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ولا تتحمل مسؤولياتها كجهة رسمية حكومية مسؤولة بشكل مباشر عن تأمين اللقاح لسكان هذه المناطق".

وفريق لقاح سوريا هو فريق مستقل غير حكومي، وينسق عمله مع المجالس المحلية العاملة في المنطقتين.

الخوف من لقاح لم يصل بعد

وكان من المفترض أن يصل لقاح "أسترازينيكا" البريطاني إلى منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، بمساعٍ من "فريق لقاح سوريا"، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وأن يغطي في المرحلة الأولى تلقيح 20% من عدد السكان المحليين، هم الطواقم الطبية والمسنّين والمصابين بأمراض مزمنة، حسبما يوضح الدكتور محمد صالح، مدير شبكة الإنذار المبكر والترصد الوبائي في منطقة درع الفرات.

ويقول صالح لرصيف22: "كان من المفترض أن يصل اللقاح في النصف الثاني من شهر آذار/ مارس، ولكن بسبب ما جرى تداوله في بعض الأروقة الطبية، ووسائل الإعلام العالمية من تسبب اللقاح بخثرات تؤدي إلى الوفاة، تم التوقف حالياً عن جلبه، وقرر فريق لقاح سوريا عدم التسرع في اعتماده كي لا يؤثر سلباً في المستقبل على عملية التلقيح بشكل عام".

"تركيا صاحبة النفوذ في شمال سوريا معنية ومسؤولة بشكل مباشر عن تأمين اللقاح لسكان المنطقة ولا يجب التنصل من هذه المسؤولية باستخدام كلمات مطاطة كالإشراف أو التعاون او التنسيق"

وتوجد في منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات" ستة مراكز للعزل في كل من مارع وإعزاز والباب وجرابلس وعفرين (2). وفي الفترة الأخيرة، يسجّل كل مركز بين إصابتين وأربع إصابات بكورونا يومياً فقط، ولكن البعض يعزو ذلك إلى قلة الفحوصات التي تُجرى.

ويؤثر ما يُنشر يومياً على شبكات التواصل الاجتماعي عن الآثار الجانبية للقاحات بشكل سلبي على رأي السكان بالتلقيح، حتى أن بعضهم لا يزال غير مقتنع فعلياً بوجود فيروس كورونا وبضرورة التلقّح، ما يضطر الطواقم الطبية إلى بذل جهود أكبر للتوعية الصحية.

عبد الرحمن، أحد أبناء ريف مدينة عفرين ويبلغ من العمر 60 عاماً هو أحد هؤلاء. يقول لرصيف22: "لم يتوفر اللقاح في المنطقة حتى اللحظة ولا أعرف لماذا، هذا الفيروس الذي يسمى كورونا هو كذبة الدول الكبرى الغنية لتصنيع الدواء وبيعه للدول الفقيرة، ورأيت العديد من الفيديوهات عن التغيير الجيني الذي يصيب الأشخاص الملقحين، وسمعت عن تسبب اللقاح بجلطات تؤدي إلى الوفاة، وأنا بغنى عن هذه الأمور وأرفض أخذه".

إلى حين وصول أول دفعة من لقاح أسترازينيكا إلى شمال سوريا، ستبقى هذه المنطقة دون لقاح، حتى إشعار آخر، في ظل عدم إكتراث سلطات الأمر الواقع والجهات الحكومية التابعة للمعارضة بصحة مئات الآلاف من المواطنين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image