من بين أصوات القصف الجوي وطلقات الرصاص والنيران المشتعلة، يُسمع لُهاث مرتفع لشابة تسعى على عُجالة لحزم بعض الأمتعة وحملها على ظهرها في حقيبة بالية، لا يظهر منها سوى قدمين، قدمين تركضان نحو المجهول بأسرع ما يمكنهما رغم التعب والذعر.
تعبران الحواجز، تصطدمان بالجدران، تغرسان في الوحل تارةً، وتغرقهما المياه تارةً أخرى، تخور قواهما وتسقطان حيناً، وتواصلان المسير رغم الجروح والنزف حيناً آخر.
وكما كانت هاتان القدمان شريكتي المعاناة، كانتا أيضاً محور قصة النجاح للعديد من "اللاجئين الرياضيين"، وبعضهم من ذوي الإعاقة، وفق ما يوثقه الفيلم الجديد "الرحلة" الذي أنتجته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتعاون مع اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة البارالمبية الدولية.
الفيلم مدته دقيقة واحدة و40 ثانية، أعدته وكالة "Don’t Panic" (أي لا تخف) وأخرجته شركة "بانتيرا"، وصدر في 6 نيسان/ أبريل الجاري لمناسبة يوم الأمم المتحدة الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام.
"كان أحد أكبر التحديات التي واجهتنا بشكل إبداعي هو صنع فيلم مؤثر عاطفياً، مع إبقاء هوية بطل الرواية مجهولة"... فيلم قصير يصوّر رحلة فرار "اللاجئين الرياضيين" من النزاع إلى النجاح
الأرجل أبطال الرواية لا الوجوه
فيما عمد الفيلم إلى رواية قصة خيالية لفتاة لاجئة تفر من الصراع وتمر بالعديد من المصاعب متمتعةً بالمرونة والأمل اللذين يتحولان لاحقاً إلى نجاح رياضي عبر فريق اللاجئين الأولمبي، كان اللافت في هذه القصة هو الاعتماد على الأرجل فقط كأبطال للرواية وليس الوجوه، كما جرت العادة.
يرجع هذا إلى أن القصد من الفيلم هو عرض صورة دقيقة، وإن كانت درامية، لرحلة كل لاجئ ولاجئة. ويوضح ريك دودز، وهو من فريق "Don't Panic": "كان أحد أكبر التحديات التي واجهتنا بشكل إبداعي هو صنع فيلم مؤثر عاطفياً، مع الحفاظ على هوية بطل الرواية مجهولاً".
وتابع: "اخترنا عرض ساقي البطلة فقط، لأن هذا يسمح لفيلمنا بأن يجسد رحلات العديد من اللاجئين. غالباً ما تأتي العاطفة من وجه الشخص، وتعبيراته، والنظرة في عينيه، والكلمات التي يقولها، مع هذا الفيلم، كان كل ما لدينا ببساطة زوج من الأرجل".
تحدٍ آخر أشار إليه دودز وهو أنه "لا يمكننا جعلها (بطلة الفيلم) تجري في كل مشهد لأن الفيلم سيكون له منظور واحد فقط. لذا فإن تصميم حركاتها، وهي تمشي، تستدير، تتوقف، تجلس، أصبحت الأداة الأكثر حيوية لدينا لخلق تفاعل عاطفي".
وتعلق العداءة الأولمبية اللاجئة روز ناثيك لوكونيين، التي تنحدر من جنوب السودان وتعيش حالياً في كينيا: "قصة [فيلم] ‘الرحلة‘ تشبه قصتي وقصة زملائي الرياضيين اللاجئين. أتدرب بجد على أمل المشاركة في أولمبياد طوكيو. وأريد أن أساعد الناس في كل مكان على فهم حياة اللاجئين بشكل أفضل وكيف أن ألعاب القوى قد تغير حياتهم".
أما المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، فقد رحب بالإعلان عن مشاركة الرياضيين اللاجئين في طوكيو 2021، قائلاً في بيان: "عام 2016، وضع الناس في كل أنحاء العالم آمالهم في فريق اللاجئين الذي أظهر الجانب الإنساني لأزمة اللاجئين العالمية عن طريق الرياضة. يسعدني أن يستمر هذا التقليد في طوكيو. إن منح هؤلاء الشباب الاستثنائيين فرصة التنافس على أعلى المستويات جدير بالإعجاب".
"إن منح هؤلاء الشباب الاستثنائيين فرصة التنافس على أعلى المستويات جدير بالإعجاب"... الرياضة تمنح اللاجئين فرصة لرواية قصتهم بطريقة مميزة خالية من الشفقة ومفعمة بالقوة وصلابة الإرادة
البداية ريو 2016
يعيش اللاجئون في أوضاع تتراكب فيها مستويات البؤس، وهم محرومون من الاستقرار وأحياناً من العيش الكريم وفرص العمل، وبلا هوية واضحة سوى "كارت اللجوء" الذي لا يحمل هوية وطنية واضحة مستقرة. هم مجموعة من البشر صاروا بلا أوطان. تركوا أوطانهم التي عانوا فيها وراءهم، ووفقاً لقواعد اللجوء الإنساني والسياسي تحرم عليهم العودة إلى تلك الاوطان وإلا فقدوا فرصهم في تأسيس حياة كريمة في دول اللجوء. لهذا لا يحظى اللاجئون عادة بفرص المشاركة الرياضية في المسابقات الدولية الكبرى التي تتنافس فيها الدول عبر أفراد يحملون هويتها القومية المعلنة.
عام 2015، وهو العام الذي شهد ذروة أزمة اللاجئين في أوروبا، أسست اللجنة الأولمبية الدولية ومفوضية اللاجئين أول فريق أولمبي للاجئين للمشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 2016.
ضمّ الفريق آنذاك 10 رياضيين، سبّاحين ولاعبي جودو وعداء ماراثون وخمسة عدائين لمسافات متوسطة. وكان هؤلاء الرياضيون ينحدرون من سوريا وإثيوبيا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية.
في نفس العام، خلال دورة الألعاب الأولمبية لذوي الإعاقة (البارلمبية) ريو 2016، شارك أيضاً أول فريق من الرياضيين اللاجئين، أطلق عليه اسم "فريق الرياضيين البارالمبيين المستقل".
ومنذ ذلك الحين، تبذل مفوضية اللاجئين واللجنة البارالمبية الدولية جهودهما لمنح اللاجئين فرصة تغيير حياتهم عبر ممارسة الرياضات المختلفة، لا سيّما ذوي الإعاقة منهم، تفعيلاً لمبدأ المساواة.
ويتنافس نحو 200 فريق وطني في الألعاب الأولمبية منذ انطلاقها عام 1896، عبر دورتين سنوياً، صيفية وشتوية. حالياً، بات للاجئين فرصة المشاركة في الألعاب الأولمبية بدورتيها تحت راية اللجنة الأولمبية الدولية.
ويتدرب الآن أكثر من 60 لاجئاً رياضياً، بعضهم من ذوي الإعاقة، استعداداً للمنافسة في دورة الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعوقين في طوكيو 2021. ولم يُعلن إلى الآن عن فريق اللاجئين المزمعة مشاركته في البطولة العالمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...