شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ميشال عون والبلد الذي لم يرثه من جدّه

ميشال عون والبلد الذي لم يرثه من جدّه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 3 أبريل 202106:32 م

يطلّ علينا الرئيس ميشال عون عبر المنصات والمقابلات المسجلة والمباشرة، بخطب وتعابير لا يمكن أن تصدقها عقول الناس المشغولة بتأمين احتياجاتها اليومية، ولا يمكن ترجمتها إلا محاولات تنصّل من مسؤولياته، ومن وقع الكارثة التي حلّت على اللبنانيين في فترة ولايته.

اليوم، مثلاً، في تغريدة له عبر حسابه الشخصي على تويتر، كتب الجنرال الذي نعيش في عهده أسوأ انهيار شهده تاريخ البلاد: "أول خطوة حقيقية في محاربة الفساد تكون بتسمية الفاسدين والإشارة اليهم بوضوح. أما تعميم التهمة فيصبّ في مصلحتهم لأنه تجهيل للفاسد الحقيقي، وتضليل صريح للرأي العام".

تراوح الردود على تغريدته بين: "معك عالحلوة والمرّة" وبين: "بعض أسماء الفاسدين، تكرم عينك: ميشال عون رئيس الجمهورية، مأمّن غطاء مسيحي وسياسي لسلاح حزب الله. كان عارف بالمواد المتفجرة بالمرفأ وما نطق. جبران باسيل ووزراء التيار بالطاقة: سارقين الوزارة وساهموا بأكبر عجز. حسن نصرالله: داعس عالدولة ومغتصب الدستور والقوانين والسيادة. بعد بدك؟

الأسبوع الفائت، وفي مقابلة صحافية، أعلن ميشال عون عن ندمه لخوضه حياة سياسية أدت به إلى الجلوس على كرسي الرئاسة. رغم أنه حارب لسنوات من أجل هذا الهدف، وعطّل البلد ليحصل عليه، وقال: "من فترة قلتلها لمرتي يا ريت ورتت بستان جدّي وما عملت رئيس جمهورية".

لو أن ميشال عون ورث بستان جدّه، لما كانت عاشت شجرة واحدة فيه، لذبل كل الزرع، ونبت الشوك مكان كل ما هو قابل للحياة

نحن الناس بإمكاننا تخيّل هذا السيناريو: "ميشال عون، رجل عجوز يعمل في بستان ورثه عن جدّه"، وفعلاً، لهذه الجملة التي قالها تردّد جميل في ذهننا. ربما لو في الماضي، اختلفت خيارات هذا الرجل الذي نطلق عليه اليوم لقب "فخامة الرئيس"، لكنّا إذا ما صادفناه في أحد الأيام لتعاطفنا معه، وأحببناه لأنه يملك قطعة أرض جميلة يهتم بها، من الصباح الباكر حتى المساء، ويسعى لتوريثها لأولاده وأحفاده. وربما كنا سنبتاع القليل من رزقه. لكنّه "فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون"، الذي يملك بيده وبقراراته حياتنا وبلدنا. يعطّل تشكيل الحكومة، ويسرّب ملفات مزوّرة بهدف خلق ألعاب سياسية نذهب ضحيتها نحن، يورّث الحقائب السياسية لعائلته وتياره ويحاول حمايتهم وتلميع صورتهم بأي ثمن. يجمع المال من جيوب الشعب. يلعب دور الضحية في كل فرصة مواتية له، ويريد أن يكون "بي الكل"، فيصرّح عن علاقته بالرئيس المكلّف سعد الحريري: "أصبح أخيرًا غريب الأطوار، وكأنني لا أعرفه، على الرغم من أنّني كنت قد احتضنته وتعاملت معه كوالده، وعندما سألته: ماذا جرى لك؟ أجابني: لقد تغيّرت".

يحاول الرئيس عون كشف فساد الآخر دون أن يعترف بفساده الخاص. يتعامل مع البلد كأنه بستان جدّه الذي لم يرثه، وكأنه مصلحة عائلية، معنية به وبمحيطه فقط، ولا يدرك أن لا علاقة بين الأبوة والرئاسة، وأن هذا الشعب لا يحتاج إلى "بي الكل" بل إلى رئيس قادر على إدارته.

في الواقع إذا أردنا الاستناد إلى نتيجة عمله خلال فترة تولّيه لرئاسة الجمهورية، والتعامل بمنطق حسي وملموس مع الأشياء، بإمكاننا الوصول إلى نتيجة واضحة، ألا وهي لو أن ميشال عون ورث بستان جدّه، لما كانت عاشت شجرة واحدة فيه، لذبل كل الزرع، ونبت الشوك مكان كل ما هو قابل للحياة، ولتحوّلت التربة الخصبة إلى أرض قاحلة غير قادرة على الإنتاج. وبالطبع كان سيتم إلقاء اللوم على الطقس، والحشرات، والأمراض الموسمية، لأن الضرر، بحسب المنطق الذي يتم اتباعه، دائماً خارجي، الفساد يحل عليه، وهو غير مسؤول عنه، ولا يعرف بوجوده.

من القصر إلى الواقع

في الوقت الذي يحدّثنا فيه فخامة الرئيس عن الفساد من داخل قصره، هنا في الواقع، الناس يموتون من الوباء، يبحثون عن حق أطفالهم الذين خسروهم في انفجار بيروت، ويتشاجر الرجال داخل السوبرماركت على "كيس سكّر"، ويؤدّي شجارهم إلى تبعثر محتوى الكيس على الأرض. يشتبكون بالأيادي، يحاولون الحصول على هذا الكيس الذي يحمل معنى بالنسبة إليهم، فربما سيتم صنع قالب حلوى به للعائلة، ربما سيتم إضافته مع الشاي، لا يهم، ما يهمنا هو أن السكّر صار مهمّا لدرجة أن شجاراً علنياً عليه لا يسبب الخجل لأحد منهم. ينتهي الشجار، ويتوجّه من تبقى من الرجال نحو صناديق الدفع، وهم يحتضنون كل ما يقدرون عليه من مواد غذائية، من خلاصهم الأسبوعي أو اليومي. في الخلفية، نسمع الصرخات والسجالات، التي لن نعرف على ماذا كانت تحصل، لكنّنا نفهم، هذا هو عهد الجوع، هذا هو الانهيار.


في مقطع فيديو آخر، تقول المرأة: "في ظل الاحتكار والمنافسة، نحن ناس، نريد أن نبتاع أغراضنا ونرحل. من 13 الشهر حتى اليوم، ارتفع سعر "الديتول" 20 ألفاً ليرة، يا حرام". تتوجّه نحو المدير، تبرز فاتورة قديمة احتفظت بها، وتطالب بمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار، يأتي الرد: "فرق سعر الدولار"، تضحك المرأة، تدرك أن لا جدوى من هذا السجال، وأنه رغم المنطق الذي تتكلم به، لن تربح معركة الاحتكار، وتقول: "مش منطق ترتفع الأسعار هلقد يا حج، مش هلقد طلع الدولار، شو هلق وصلت البضاعة؟. شو بدك نحكي، ما بينفع".

لا علاقة بين الأبوة والرئاسة، وهذا الشعب لا يحتاج إلى "بي الكل" بل إلى رئيس قادر على إدارته.

الخوف يسيطر على المشاهد التي صارت مكرّرة، وستتضاعف مع الوقت. وهذا الخوف ليس من الحرب، أو من رجال السياسية أو من تهديد خارجي. بل هو غريزي جداً، يترجم ببراد فارغ، وببطون جائعة، وببلد تباع فيه المواد الغذائية بالدولار، بينما الناس يقبضون بالليرة. قبل عدّة أيام، ومثلما تفعل كل عام قبل حلول شهر رمضان، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة، "مؤشّر الفتّوش"، وهو كلفة صنع السلطة التي تحتوي على 14 مادة غذائية لعائلة من خمسة أشخاص. العام الماضي بلغت قيمة التكلفة 6000 ليرة لبنانية، هذا العام تضخّم "مؤشّر الفتّوش" بنسبة 210%، وبحسب مرصد الأزمة في الجامعة الأميريكية، ستقارب كلفة الفتوش، لشهر كامل الـ555 ألف ليرة لبنانية.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image