شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا يخافون نوال السعدواي؟

لماذا يخافون نوال السعدواي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 25 مارس 202111:07 ص

من أجل معرفة الإجابة، يمكن أن نرجع إلى أول الحكاية، تلك التي ستبدو سطحية، لكنها حقيقية في الكثير من جوانبها، أنها "نوال" وليست "نائل".

في البدء، لا بد من استعراض أسباب الهجوم الإقصائي الذي تعرضت له المرأة الراحلة. والأسباب قليلة، يمكن إيجازها بنقد المفكرة للدين. هي لم تنقد ديناً بعينه، بل الأديان جمعيها، ولو أنها ركزت على واحد منها، فذلك لأنها في بيئة تنتمي إليه، وتسير حياتها الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية وفقاً له. نقدها إذن، ومما لا شك فيه، حق مشروع، لا يمكن لقوةٍ في الكون أن تسلبها إياه، أو تشرّع إقصاءها بعد أن تقوله.

يبدو غريباً أن نرى هجوماً همجياً على إنسان نتج عن سماعنا أو قراءتنا لكلمات قليلة أو مقال موجز له. فلم نكلف أنفسنا عناء قراءة مؤلف واحد من مؤلفاته، التي تفوق الأربعين، فأقصيناه، لأننا لا نعرف سوى الإقصاء، بل: لأننا نخاف الفكر، وكل ما يشل طمأنينتنا في ارتكاننا إلى غيبيات، حتى هي، لا نعرف منها الكثير.

قبل فترة ليست بالبعيدة، قال الباحث والمفكر فراس السواح ما يشبه كلام نوال السعداوي عن الحجاب، معنى ومادة. ولكن، كان رد الفعل على كلامه مُصاب بالشلل. وقد يُعزى ذلك إلى ضعف الحجج المُضادة. ففارضو الحجاب يستندون في فرضهم إلى آية واحدة وردت في سورة الأحزاب وكانت موجهة لنساء الرسول، هي الأوضح بين الآيات التي ذُكِرت فيها كلمة "حجاب"، وعلى حديث يُعرف بكونه "غير مُسند".

لم نكلف أنفسنا عناء قراءة مؤلف واحد من مؤلفاته، التي تفوق الأربعين، فأقصيناه، لأننا لا نعرف سوى الإقصاء

يبدو غريباً أن المرأة التي شُتمت اليوم، لم تقصد في نقدها للحجاب قطعة القماش فقط، وأوردت أسبابها العقلية كاملةً، ووصفت الحجاب في كتبها على أنه يسطح دور المرأة، فكرياً أم مادياً. وفي مقابل نقدها المنطقي والفكري، كان الرد عليه همجياً وبربرياً.

في طرفٍ بعيد من القصة، لا بد من السؤال: لماذا نوال وليس فراس؟ لأننا نخاف المرأة، ونحقد على فكرها. تم إقصاء نوال التي قضت حياتها بين كتب علم التفسير وعلم الأديان والفلسفة والطب والفكر. تم إقصاؤها بدافع الخوف منها، تم إقصاؤها لأنها مارست حقها المشروع بنقد ما يعنيها ويعنينا؛ الدين، وأقصاها الذين يرون في النص مقدساً لا يجب المساس به، فيما يتفق المفسرون التنويريون على أنه، ومن أجل فهم المقدس، لا بد من نزع القداسة عنه لتفسيره.

يقوم الإسلام على مبدأ الاجتهاد ويقر به. و"الاجتهاد هو تنزيل النص على الواقع أو رفع الواقع أو المصلحة المتغيرة على النص الثابت، وقال بعض الأئمة: إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة، لأن النص ثابت والمصلحة متغيرة".

وصفت الحجاب في كتبها على أنه يسطح دور المرأة، فكرياً أم مادياً. وفي مقابل نقدها المنطقي والفكري، كان الرد عليه همجياً وبربرياً

ويتفق المفسرون الإسلاميون التنويريون على ذلك، وينادون بإعادة تفسير وفهم النص القرآني والسُنَني وتمحيصه ومعالجته، بما يتوافق مع القرن الراهن. ذلك ما نادت به نوال أيضاً، وأكدت على دور كل فرد في فهمه للنص: "فالإنسان، رجلاً أو امرأة، مسؤول مسؤولية شخصية أمام الله عن أعماله وعن فهمه للإسلام"، ذلك ما قالته.

عودةً إلى قضية الحجاب، تخبرنا كتب تاريخ مصر المعاصر أنه في ستينيات القرن المنصرم، وفي الأزهر الشريف، طالبات كثيرات لم يرتدين الحجاب. وإذا سألت من كالوا الشتائم واللعنات اليوم عن فرضية الحجاب ومتى ظهر على هذا النحو، وهل هو إيديولوجيا سياسية- كما حدث في تركيا- أم التزام ديني، لما عرف كيف يرد. لكنه يعرف تماماً كيف يشتم ويلعن، وينصب نفسه إلهاً ليقرر من يدخل النار ومن يدخل الجنة.

إنه الخوف من الاختلاف، الخوف من الفكر، بل الخوف من المرأة، لأنها تفوقت. ولأن الحرب غير عادلة، حرب بين مفكرة نشِطة، وبين مُصابٍ بالعطالة، فسوف يقصيها، ويقصي من يقف معها، ذلك رد الفعل الوحيد التي سوف يقدر عليه.

الإقصاء بسبب نقد الدين، أو كما قيل "تخريب الأسر والمنازل وهدم فكرها السليم القويم ونزع استقرارها وطمأنينتها". ولكن، لأن "أخا الجهالة: لا يعرف كيف يجابه الفكر بالفكر، فسوف يستخدم ما يجيده.

ما دمتم أيها السادة - الذين تجيدون اللعن والإقصاء وتقرير المصائر - محمومين إلى هذا الحد من فكر المرأة، هاتوا فكركم المضاد، نقدكم لنقدها

خطابات نوال كانت نقدية. ويوجد بحث معرفي يُدعى نقد النقد يمكن الرد من خلاله على فكر المرأة ما دام مرعباً إلى هذا الحد. ونقد النقد يدور حول مراجعة القول النقدي ذاته، وفحصه، ومراجعة بنيته المنطقية ومبادئه الأساسية وفرضياته التفسيرية. فما دمتم أيها السادة - الذين تجيدون اللعن والإقصاء وتقرير المصائر - محمومين إلى هذا الحد من فكر المرأة، هاتوا فكركم المضاد، نقدكم لنقدها، من أجل أن تعمر البيوت بعد أن خربتها نوال. ويُصلح ما أفسدته. وترجع الطمأنينة التي شلتها. ما دمتم محمومين إلى هذا الحد، ألقت المرأة مزاميرها. فاقرأوها وهاتوا مزاميركم، مثل أي إنسان يعرف أنه مسؤول مسؤولية شخصية أمام الله عن أعماله وعن فهمه للإسلام، فذلك ما تقوله المرأة التي تلعنوها، ذلك ما تقوله المرأة المُرعبة، المرأة التي قالت ما عندها وقد بذلت عمرها من أجله. فابذلوا، لإصلاح ما أفسدته، دقائق قليلة من أعماركم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard