شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أنا أكره الرجال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 مارس 202102:54 م

"أن نكره الرجال كفئة اجتماعية، وأحياناً كأشخاص، يجلب لي الكثير من السعادة، لا فقط لأني ساحرة عجوز مجنونة تعيش مع قططها...".

هذه عبارة من الغلاف الخلفي لكتاب الفرنسية ذات الـ26 عاماً، بولين هارمانج، الكتيب الذي يحمل عنوان "أنا، أكره، الرجال"، أثار عاصفة في الأوساط الثقافية الفرنسية والعالمية، بل وأطلق شهرة هارمانج التي ما زالت في بداية طريقها ككاتبة، ووصل الأمر في نهاية العالم الماضي إلى بيع أكثر من 2500 نسخة من الكتيب الذي لا يتجاوز المئة صفحة.

السبب، أحد الموظفين في "وزارة المساواة بين المرأة والرجل، والتعددية وتساوي الفرص" في فرنسا، أرسل إلى دار النشر التي أطلقت الكتاب تهديداً باللجوء إلى القضاء في حال لم يتم سحب الكتاب، بحجة "تحريضه على الكراهية على أسس جندرية، ما يُعتبر جريمة في فرنسا".

أثار كتيّب "أنا، أكره، الرجال" للكاتبة  الفرنسية بولين هارمانج عاصفة في الأوساط الثقافية الفرنسية والعالمية، وأطلق شهرة هارمانج التي ما زالت في بداية مشوارها ككاتبة

نشرت صحيفة ميديا بارت الرسالة التي أنكرت الوزارة صلتها بها، ودعت الأمر بالتصرف الشخصي من قبل الموظف. بالطبع، اشتعلت المبيعات، اشتعلت معها الانتقادات للوزارة وعلت الأصوات المدافعة عن حرية التعبير، إذ لا يمكن وصف الأمر إلا بالتصرّف الذكوري بامتياز، فلا جريمة كراهية أو تحريض على جريمة للكراهية.

الحق في الغضب

تشير هارمانج في الكتيب إلى أن "كراهية الرجال في حال تم التعبير عنها يمكن أن تكون طريقاً للمتعة والتحرر"، هذه الكلمات أخافت الموظف، وتخيف الكثيرين غيره، من الرجال والنساء على حد سواء، ويختزل هذا الخوف بتهمة "كراهية الرجال" بوصفه خطاباً موجهاً ضد الذكور، بل يجعلهم يدفعون أثماناً باهظة فقط لأنهم "ذكور"، بل إن البعض يرى فيه "خطاب كراهية"، وغيرها من التهم التي ترى في التعبير عن الغضب دعوة للكراهية قد تتحول إلى عنف.

لا يمكن الخوض في الحيثيات والسياسات المختلفة التي ترتبط بـ"سخف" مقارنة كراهية الرجال بجرائم الكراهية، خصوصاً أن النظر إلى الأرقام وحدها ومقدار القتل والعنف الذي تتعرض له النساء، ليس فقط في فرنسا، بل في كل أنحاء العالم، يجعل هذه التهمة مبتذلة، ليس فقط لأنها موجهة ضد "كتاب"، بل أيضاً لأنه لا يوجد أثر جدّي لها، إذ لا يوجد مؤسسات تتخذ قرارات تستهدف الرجال كجماعة بشرية بل العكس تماماً، فهناك "المسجد، الكنيسة، القضاء، المستشفى..."، كلها مؤسسات تظهر "كراهية" النساء وترسخ التمييز ضدهن بصورة واضحة ضمن نصوصها وممارساتها، والغضب هنا حق وشكل من أشكال التعبير، حتى لو أخذ أشد الأشكال نقدية وعصبية.

هدّد أحد موظفي "وزارة المساواة بين المرأة والرجل" دار النشر التي أطلقت كتاب "أنا أكره الرجال" باللجوء إلى القضاء في حال لم يتم سحب الكتاب بحجة "تحريضه على الكراهية على أسس جندرية، ما يُعتبر جريمة في فرنسا"

كراهية الرجال أو حب المال

يتسلل إلى عالم الكوميديا مصطلح "كراهية الرجال" بصورة واضحة، ويرتبط ببعض الأحيان بالشرط الاقتصادي وقوانين الأسرة، فالنفقة وتقاسم الممتلكات بعد الطلاق، تثير حنق وغضب الكثير من الرجال، الذي يرون أن "الزوجة" تسلقت على نجاحهم، والآن بعد انتهاء العلاقة تريد "نصف كل شيء"، وتُتهم بكراهية الرجال حين يعلو صوتها وتعمل على المطالبة بهذه الحقوق.

"كراهية الرجال في حال تم التعبير عنها يمكن أن تكون طريقاً للمتعة والتحرر"

يمتد الأمر أيضاً إلى جوانب أخرى أشد راهنية، كشفت حركة "أنا أيضاً" عن الكثير من "الوحوش" و"المتحرّشين"، لكن ما خفي ما زال مخبأ، وبالرغم من شجاعة الكثير من النساء إلا أن هناك سلطة ما زالت قائمة وأثرها واضح ضمن هذه القضايا وتظهر فيما يسمّى "الاتفاق على الصمت"، وهي التقنية التي يمارسها الرجال حين يعلمون أو يشهدون على تحرش أو عنف قام به رجل يعرفونه.

الاتفاق على الصمت الذي أقر به الكثيرون، مثلاً في حالة هارفي واينستين، يعمل عبر تجاهل الشهود لما يحصل، وترك المرأة لاتخاذ قرار الفضح والإشارة بالبنان للمذنب، فهي كامرأة ونسوية، عليها أخذ حقها بيدها، في حال لم تقم، يتفعّل الاتفاق على الصمت. لا أحد يشير إلى جريمة أو اعتداء شهده، بل يختار التغاضي أو ترك الأمر للمتورطين فيه، وهنا يظهر السؤال: "ألا يستحق الرجال الكراهية على صمتهم هذا؟".

تدفع الكثير من الحركات النسوية والمؤسسات المهتمة بقضايا الجندر إلى تجريم الكراهية حسب النوع الاجتماعي، وعادة يعني الأمر كراهية النساء، وهنا يظهر التيار المعادي للصوابية السياسية الذي يرى في ذلك شكلاً من أشكال القمع والسيطرة على حرية التعبير، كما حصل في كندا منذ عدة سنوات.

"المسجد، الكنيسة، القضاء..."، كلها مؤسسات تظهر "كراهية" النساء وترسخ التمييز ضدهن بصورة واضحة ضمن نصوصها وممارساتها، والغضب عليها حق وشكل من أشكال التعبير، حتى لو أخذ أشد الأشكال نقدية وعصبية

رفض هذا التجريم نابع من موقف يقوم على الحدّ من سلطة الدولة حين يتعلق الأمر بحرية التعبير، أي لا يجوز سنّ قوانين تمنع قول أو استخدام كلمات ما. الموقف الثقافي والسياسي هنا يمكن فهمه، فالصوابية السياسية توظف أدوات قانونية للحد من حرية التعبير، أما محاولة تصنيف "كراهية الرجال" كجريمة كراهية فلا تبدو منطقية، فإن أردنا الاستعارة من جوديث باتلر، يمكن القول إن خطاب الكراهية قادر على امتلاك أثر على الواقع، أثر عاطفي وقانوني وجسدي، حين يغيب الفاعل، لكن تتوافر بيئة أو منظومة قادرة على خلق الأثر، لكن في حالة كراهية الرجال، لا يوجد هكذا بيئة، الأهم، من هو الذي "ينطق" الكراهية، وما هو الأثر الذي يتركه؟ ألم يتسبب دونالد ترامب نفسه وعبر كلماته بالمساهمة في تطبيع التحرش والكلمات المسيئة للنساء، وعلى النقيض، هل حرّضت امرأة كتبت غاضبة كتاباً، على العنف ضد الرجال؟ هل هناك امرأة قررت أن تكون قاتلة متسلسلة أو متحرشة متسلسلة؟

أليس ثمّة كتب مُشرعنة ومكرسة تحوي نصوصاً تستهدف حرفياً كل النساء، وترى فيهن فتنة وشراً ودنساً؟ ورغم ذلك لا تصنّف كخطاب كراهية

نسأل هذه الأسئلة لسذاجة تهمة كراهية الرجال، خصوصاً ضمن بنية لا تترك لهذا "الغضب" أو "الكراهية" مكاناً لتأخذ مكانها عنفاً مادياً أو رمزياً، فموظف واحد قرر من ذات نفسه أن يرسل إلى دار النشر التي أصدرت " أنا، أكره، الرجال" مهدداً إياهم بالقضاء، لأنه شعر بالخوف، أو لأنه على سذاجته ظن أن امرأة قد تقتله بسبب كلمات، بعكس الكثير من "الرجال" الذين حركتهم كلمات لقتل النساء بصورة مجانية وعشوائية أحياناً.

يرى المروجون لكراهية الرجال أنه خطاب يحول كل الذكور إلى مغتصبين أو متحرشين مشتبهين، ويخضعون للشيطنة والاتهامات التي تجعل منهم وحوشاً. لن نناقش هذه التهمة، بل سنضع نموذجين للمقارنة، هناك كتب مُشرعنة ومكرسة تحوي نصوصاً تستهدف حرفياً كل النساء، وترى فيهن فتنة وشراً ودنساً، ولا تصنّف كخطاب كراهية، لكن لا يوجد كتب مكرّسة وقوانين ترى في الرجال على الأقل واحدة من الصفات السابقة؟ فأين بدقة يمكن أن نرصد كراهية الرجال؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image