فسحة الضلال والخطيئة والغواية لرصيف22. لا نبكي ولا نتفجّع، لا نتهم ولا نقاوم، لا نتشفّى ولا نصمت، بل ندوّن الأبدية على أبدان محروقة
الإبداع هبة الذات الفردية، ولهذا لا نجد الكثير من الأعمال الإبداعية المشتركة بين شاعرين أو روائيين، ربما تكون النتيجة أكثر نجاحاً في الأعمال الدرامية أو السينمائية، لكن في كتابة قصيدة بالذات، يحتاج الأمر أكثر من "هزّة" مشتركة، لتنجح التجربة.
بعد هزيمة 1967، كان العالم العربي مصعوقاً، والشعراء والأدباء والمفكرون، كانوا أكثر من استقبل هذه الصاعقة بمزاج مضطرب وذهول وجودي، شكلت هذه الرابطة "الهزيمة" عنصراً للبعض مشتركاً ودافعاً عاطفياً، لينخرطوا في نوبة من جلد الذات، أو الغضب والتحسّر.
كان أنسي الحاج يمرّ بفترة عصيبة على الصعيد الشعري، بعد كتابه الأول "لن" عام 1960، والثاني "الرأس المقطوع" عام 1963، اللذين شكلا نوعاً من القطيعة مع الذائقة العربية وانحيازاً كلياً للجنون والعبث والتجريب، استقرّ في كتابه الثالث "ماضي الأيام الآتية، 1965"، عند الجمال المشحون بنبرة عاطفية خلابة، قبل أن يذهب بعيداً في كتبه اللاحقة في الانحياز اللانهائي للحب والبحث في الذات والإنسان.
لكنه في قصيدته هذه، بالاشتراك مع الشاعرة اللبنانية ناديا تويني، يعود إلى هذا "السرطان الذي يسيطر عليّ"، يعود إلى عبثيته وإحساسه باللاجدوى، بينما تكتب ناديا بروح رومانسية مهزومة وممزقة، وهي في قصيدتها المشتركة هذه، لا تتخلّى، رغم الألم الواضح، عن الرقة التي تسم كتابها الأول "Les Textes Blonds" عام 1963.
لم تتكرّر هذه التجربة في تاريخ الشعر العربي المعاصر (كتب أنسي الحاج قصيدة مشتركة أخرى مع الشاعر شوقي أبي شقرا، هي موضوع القسم الثاني)، أو ربما تكرّرت بوهج أقل، ولم يتم نشر هذه التجربة سوى على صفحات مجلة شعر، العدد رقم 35 الصادر في 1 حزيران/يونيو 1967، ولم يتضمّنها أي من كتب الشاعرين، ولم يتحدث عنها أحد، كأنها شاهد على "ماض" يجب أن يُنسى ويُدفن، أو كأنها الطفل الشرير في الميتم، الذي لا يرغب أحد بالاعتراف ببنوّته أو نسبه إليه. في ذكرى هزيمة حزيران، نعيد نشر هذه القصيدة/الدهشة.
لم تتكرّر تجربة كتابة قصيدة مشتركة كثيراً ، ولم يتضمّنها أي من كتب أنسي الحاج أو ناديا تويني، كأنها شاهد على "ماض" يجب أن يُنسى ويُدفن، أو كأنها الطفل الشرير في الميتم، الذي لا يرغب أحد بالاعتراف ببنوّته أو نسبه إليه... مجاز، مساحة للكتابة الإبداعية في رصيف22
كم هو مرّ ولذيذ طعم الحرب في فمي
أ، هو أنسي الحاج، ن، هي ناديا تويني، الحوار بعد الحرب، حول الحرب.
الزمن الأول
أ- جاءت الحرب ورمت نفسها من الشباك.
ن- على شعر طويل أسود رغم الشمس.
أ- نزلتُ من عيني حبيبتي. نزلت من كل العيون.
ن- إنها تقول: هوذا آت زمن الجياد، هوذا آت زمن
الرمال. ثم تقول أيضاً: هو ذا آت زمن أنهار المعدن
وتمضي دون رجعة الدروب التي بلا ذاكرة.
أ- ذهب المسيح مع الريح. ذهب يسوع مع الدموع
ذهب يسوع المسيح تحت دموع التماسيح.
ن- من يعلن: هي لي هذه الأرض، لا يعرف روح الزهر.
أ- في السلم كنت حرباً، ماذا كنت في الحرب؟
ن- كنت الذكرى وحليب الطفولة.
أ- كم عدوّاً قتلتِ؟ كم عدوّاً أسرتِ؟
ن- كان حقدي يكون كافياً. هناك في الناصرة بيوت
طويلة بيضاء، هناك الشمس وكرمة الأمس. حقدي
أطفأ شمس الناصرة، جعل الكرمة بيضاء.
أ- الحقد يسيل من رموش العيون أم من أظافر الحنان؟
ن- الحقد طويل. له رائحة البهار. جائع مثل قمر
حزيران على البحر الفائر. حقدي بلا لون لكنه
يشبه أيضاً ابتسامتك بالأمس.
أنسي الحاج: "ذهب المسيح مع الريح. ذهب يسوع مع الدموع، ذهب يسوع المسيح تحت دموع التماسيح". ناديا تويني: "المسيح مات في حزيران"... مجاز، مساحة للكتابة الإبداعية في رصيف22
أ- نزل التاريخ، من قمر حزيران وغرق في البحر.
ن- المسيح مات في حزيران، هذا ما تظنه صحراء ليس
إلا كفنه. الحرب داست الزمن. الحرب في كل مكان.
أ- 5 حزيران بالعربية رقم عاطفي.
كان حقدي يكون كافياً. هناك في الناصرة بيوت
طويلة بيضاء، هناك الشمس وكرمة الأمس. حقدي
أطفأ شمس الناصرة، جعل الكرمة بيضاء
ن- إنه أيضاً ذكرى حبي الأول.
أ- خط الهجوم الأول.
ن- على البحر سهم أزرق. على الخريطة خط أحمر
وفي الحجر حلم طوته النار.
أ- بَرَقَتْ في الصحو، فجراً. أنا حفيد دون كيشوت.
ن- ستمطر هذا الصيف. ستهب الريح. البحر أيضاً
هنا. يعاد كل شيء. الحرب حدثت وانتهى الأمر.
لم يعد هناك ريح. ستحدث الحرب، ومن أجلك
أنت يا دون كيشوت، سيكون هناك طواحين هواء جميلة.
أ- الغرب الكلب. الشرق الفرق بين الغرب والكلب.
ن- الكلب يحرس الموت. إنه إله الجحيم. الحياة هي
ملكته ما دام يعرف الموت.
أنسي الحاج: "الغرب الكلب. الشرق الفرق بين الغرب والكلب". ناديا تويني: "نجمة لمعت غب أرض كنعان، انطفأت البارحة. الأرض نسيتْ. وعلى كلٍّ، لم يعد اسمها كنعان"
أ- الحدود في قلبي. لم يدخل قلبي غير آلاف النجوم.
ن- نجمة لمعت غب أرض كنعان، انطفأت البارحة.
الأرض نسيتْ. وعلى كل، لم يعد اسمها كنعان.
أ- الأرض امرأة بين النساء، مغفورة لها خطايا الرجال.
ن- الحرب امرأة. الحقد كذلك.
أ- هبطت علينا الحرب من السماء، فواجهناها بالملائكة.
ن- الحرب لا تهبط. إنها تصعد كاللهب، كالحب والغضب.
أ- وتعود تهبط كاللهب والحب والغضب.
الزمن الثاني
أ- أعرف محمود درويش. لا أعرف اليوم غيره.
إنه حزين لأنه يعرفنا/ لأنه لا يعرف اليوم غيرنا.
ن- أعرف محمود درويش. أعطاني الحب العدائي
للخنجر. أعطاني طعم الدم والدموع المسنونة
كالخنجر. إنه يبقى غريباً ذلك الذي يعرف غريباً...
أ- ما هي النكسة؟
ن- الحرب كلية. لا رجوع عنها. مليئة. طرقات
هنا محفورة، وينابيع مجففة. كل شيء واضح.
السماء هذا المساء اتخذت شكلها النهائي.
أ- في الليل يطير الفدائيون من أفكاري. يغيرون
يغيرون كالشمس كالعواصف. يجعلون المحيط
خليج قمر والخليج نهراً إلى فوق.
ن- ليس الإنسان من يموت في الأرض. إنها الأرض
ما يموت في الإنسان.
ناديا تويني: "لا نساء في إسرائيل. المرأة اختراع للعرب". أنسي الحاج: آه، كم هو مرّ ولذيذ طعم العرب في فمي"
أ- في الملعب كان الأخرون يربحون.
ن- هيا موتوا أسرع. يجب أن تذهبوا حتى يصبح
لنا شهداء، حتى يصبح لبكائنا سبب.
أ- أبكي ولا أعرف لماذا، لا أبكي ولا أعرف لماذا.
ن- ليعيش الرمل. ليبقى القمر دون اغتصاب. ليبقى
الصوت وكذلك الحركة. خصوصاً من أجل الجمالية.
رجل بلا جمالية هو كلب بلا سيّد.
أ- جاء اليهود إلى الوطن لينقرضوا. إسرائيل سلبت
شعبها المختار.
ن- ألم يعد الله الإنسان بالأرض قبراً؟ الأرض هي الموت.
أ- ابعدي عني هذه الكأس.
ن- تخاف ظلك وتتحداه. الحرب كالحب.
أ- أطارح النساء غرام الحرب.
ن- لا نساء في إسرائيل. المرأة اختراع للعرب.
أ- آه كم هو مرّ ولذيذ طعم العرب في فمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع