شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"حتى الخراف لا تُسحل هكذا قبل الذبح"... نجاة مؤقتة لعابرة جنسياً يمنيّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 18 مارس 202111:20 ص

"أنا أنثى خُلقتُ في جسد معاكس لهويتي". 

 هذا ما تقوله شمس، وهي امرأة يمنية عابرة جنسياً، لم ترضَ عائلتها بحقيقتها، كما لم يرضَ بها مُحيطها. ولكنها نجت.

 نجت منهم فقط، ربما بشكل مؤقت. 

"أنا أنثى خُلقتُ في جسد معاكس لهويتي". 

باختصار، لجأت شمس إلى منظمة العفو الدولية (آمنستي) لانتشالها من واقعٍ تعيشه في عدن، جنوب اليمن. والمنظمة (غير المعنية بشكل أساسي بتقديم دعم مادّي) ساعدتها على اللجوء إلى لبنان. دعم المنظمة كان مُفترضاً أن يُغطّي ستة أشهر، ولكنه مُمتدّ حتى اللحظة، بشكل استثنائي. "ولكن ماذا بعد؟".

هكذا تقول شمس في روايتها.

تحكي لرصيف22 عن "نُقط سوداء" في حياتها، وفقاً لتعبيرها. إذ استرجعت مواقف مرّت بها، قائلة في روي بعضها: "لا أحب استذكار ذلك اليوم".

"جسدٌ مُعاكس لهويتي"

"منذ الطُفولة ومنذ أن عرفت نفسي، وأنا أشعر بأنّي في جسد مُعاكس لهويتي الحقيقية". 

هكذا افتتحت شمس حديثها.

وجب التنويه هُنا أن ما سيُكتب على لسان شمس ليس بالجديد. شمس ليست حالة فرديّة. ومن المؤكد أن شهادتها تبدو مُكررة لدى المُهتمين بحقوق الأقليّات أو بحقوق الإنسان. لكن لا بدّ من توثيق الجرائم.

في عرض شهادتها، تقول: "لم تتقبل عائلتي الأمر. هددتني بالقتل. وجّه أخي السلاح نحوي، وقامت زوجة أخ ثانٍ لي، وهي صديقتي، برفعه في الوقت المناسب. اتُهمت بالتشبّه بالنساء. وسحبتني عائلتي من الجامعة بعد معرفتها بأني كنت أُظهر هويتي الحقيقية هُناك".

ولفتت إلى أنها كانت تلجأ إلى طبيب نفسي لمساعدتها على معرفة "ذاتها الحقيقية" وتقبّل نفسها كامرأة عابرة جنسياً. وأشارت إلى أنها لا تعاني من مرض عقلي أو نفسي كما يعتقد البعض، وأن ما تحتاجه هو عمليات "تصحيح" كونها "خلقت بجسد معاكس لهويتها الجندرية". 

شمس تبلغ من العُمر 22 سنة اليوم، ولديها ثلاثة أخوة وأخت. طردتها عائلتها من المنزل قبل نحو أسبوع من زواج اثنين من إخوتها خوفاً من "انتشار الخبر" لدى قبائل أُخرى. فلجأت أولاً إلى منزل والدها، الذي كان شبه متقبل لعبورها الجنسي على حد قولها، ولكنها طُردت من قبل زوجته، ثم استعانت بصديقة لها حتى تمكنت من اللجوء إلى لبنان بمُساعدة منظمة العفو الدولية، ووصلته في 26 تموز/يوليو 2020، و"لا تفعل شيئاً سوى العلاج الهرموني"، بحسب قولها. ساعدتها منظمة العفو الدولية في تقديم طلب لجوء عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ولكن الإجراءات أبطأ مما ظنّت. فقد تواصلوا معها لإخبارها بقبولها "لاجئة"، على أن يُحدد موعد لمقابلتها، ولكن ذلك لم يحصل بعد.

كانت عائلتها قد لجأت إلى مصحة نفسية تُدعى "التنمية الأسرية لإعادة التأهيل النفسي" لـ"تُعالج شمس من اضطراب الهوية الجنسية" حيث كانت تذهب بشكل شبه يومي. رسمت المصحة النفسية خطة علاجية للعائلة، مما ذُكر فيها أنه عليها قصّ شعرها وأظافرها، واسترداد الهاتف الجوال منها وإجبارها على قطع التواصل مع صديقاتها، وأنه عليها الاشتراك بنادٍ صحي لتتدرّب. 

تقول: "عشت هذا الضغط لمدة شهر، ثم تقبّل الأطباء فكرة أني أُنثى بسبب الحالة النفسية التي وصلت لها. تواصلوا مع أهلي وأخبروهم. وكانت عائلتي راضية بالأمر ما دام لم يُكشف. تكتموا على الموضوع وحاولوا إسكاتي ومنعي من الاحتكاك بأحد".

"طلب منّا ركن السيارة في مكان مُعيّن، ونادى عسكرياً فتح باب السيارة وشدّني من شعري. وجدنا أنفسنا على الأرض. حتى الخراف لا تُسحل هكذا قبل الذبح. نزعوا قمصيْنا وصاروا يتلمسون صدرينا"... عن نجاة مؤقتة لعابرة جنسياً يمنيّة

"حتى الخراف لا تُسحل هكذا قبل الذبح"

حكت شمس عن موقف لا تكاد تنساه في اليمن مع جنود في نقطة تفتيش. كانت ليلة رأس السنة حينذاك، وتحديداً عند نقطة تفتيش مدخل "عدن كريتر"، سُحلت هي ورفيقتها العابرة جنسياً أيضاً، وحُجزتا ساعتين. 

في شهادتها عن هذه الليلة تقول: 

"يوم القبض علينا كان يوم رأس السنة. لم يكن شكلي أنا ورفيقتي لافتاً كثيراً، ولكن كان مظهرنا أنوثياً. كنا نضع القليل من المكياج، ولكنه لم يكن يُرى دون تدقيق. مررنا من بعض الحواجز التفتيشية، وكنا نتعرض خلالها للأذية والتحرش كالعادة، ونستمع لألفاظ نابية. عند نزولنا إلى أحد المطاعم لشراء طعام والذهاب إلى البحر لنتناوله هناك، كوننا نفضل الأماكن غير المكتظة، ضجّ الشارع بنا، ووجدنا أشخاصاً يصوروننا".

وعند نقطة تفتيش عدن كريتر، سأل أحد الجنود شمس ورفيقتها: "أنتوا شباب ولا بنات؟" قالت له: "ما الذي تراه؟"، قال "لا أعلم ماذا أنتم". قالت "شباب". وتتابع: "طلب منّا ركن السيارة في مكان مُعيّن، ونادى عسكرياً فتح باب السيارة وشدّني من شعري. وجدنا أنفسنا على الأرض. حتى الخراف لا تُسحل هكذا قبل الذبح. نزعوا قمصيْنا وصاروا يتلمسون صدرينا وتعرضنا (...). لا أحب استذكار ذلك اليوم. نقطة سوداء في حياتي. سوداء بشكل غير طبيعي. قاموا بتصويرنا وحلق شعرنا على الصفر وتقليم أظافرنا. وهددونا بأنهم لو رأونا بهذا المنظر مرة أخرى، سيقتلوننا، وبقينا محتجزتين ساعتين". 

وروت أنه في موقف آخر، طلب منها عسكري المال مُقابل عدم اقتيادها إلى مركز الشرطة. 

"أشتغل بالدعارة؟"

ما الذي تريده شمس حالياً؟ تُجيب أنها تتمنى إجراء عملية لتكبير صدرها. "كوني امرأة ترانس ظاهرة، أتعرض للمُضايقات والشتائم والتعدي عليّ من كل النواحي. وتساوي تكلفة عملية الصدر نحو خمسة آلاف دولار أمريكي". وهي تسعى لهذه العملية بالتحديد للتقليل من المُضايقات التي تشهدها في الشارع بشكل يومي. 

وشددت على أن لبنان لم يجبر خاطرها. فهي "تُلعَن" في الشارع، وتُنادى بـ"يا شيميل" و"يا ذكر". وقالت إنها في إحدى المرّات اعتُدي عليها جسدياً برميها أرضاً في منطقة الروشة ببيروت كونها عابرة جنسياً. 

تعيش شمس اليوم في منزل صديقها بانتظار أن تتلقى خبراً بشأن إعادة توطينها في بلد آخر، ولكنها متخوفة من مصيرها، وخاصةً إذا انتهى دعم العفو الدولية المادي.

تتساءل: "ماذا أفعل؟ أردت أن أجري عملية الصدر، ولم أتمكن حتى الآن. أتشرد بالشوارع؟ أشتغل بالدعارة؟ لا أحد يرضى بعملي هنا، يكفي المضايقات التي أتعرض لها في الشارع، كالتصوير بدون إذن، وتكفي التحرشات اللفظية والجسدية شبه اليومية".

هل تتواصلين مع أفراد أُسرتك؟ تجيب: "أتواصل معهم، معظمهم تقبّل الوضع، لكن وأنا بعيدة كل البعد عنهم. هددوني بالقتل إذا رجعت إلى اليمن".

وختمت: "أنا أنثى، لكن مولودة بعيب خلقي، والأمر ليس بيدي. ولو اخترت، لما اخترت الطريق الصعب المليء بالعثرات، لاخترت حياة هادئة. أنا متفائلة، ولكن أعاني من الاكتئاب. مع ذلك أتفاءل دائماً. أعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكني فخورة بشمس". 

"ماذا أفعل؟ أردت أن أجري عملية الصدر، ولم أتمكن حتى الآن. أتشرد بالشوارع؟ أشتغل بالدعارة؟ لا أحد يرضى بعملي هنا، يكفي المضايقات التي أتعرض لها في الشارع، كالتصوير بدون إذن، وتكفي التحرشات اللفظية والجسدية شبه اليومية"... عن نجاة مؤقتة لعابرة جنسياً يمنيّة

كيف يعمل برنامج الإغاثة؟

بعد إجراء الحوار مع الشمس، تمّ التواصل مع منظمة العفو الدولية لشرح كيفية عملها في إغاثة الأفراد الذين يتعرضون للأذى، والذين يُشكل وجودهم في مكانٍ ما خطراً على حياتهم.

عبر البريد الإلكتروني أوضحت المنظمة لرصيف22 أنها "ليست منظمة معنيّة بتقديم المساعدة أو المنح"، وأنها في سياق عملها للدفاع عن الأفراد الذين يعانون من انتهاكات حقوقية أو المعرضين لخطر التعرض لها: "يمكننا في بعض الأحيان تقديم دعم محدود على المدى القصير عبر برنامج الإغاثة العالمي لحقوق الإنسان، لمساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات المُحددة قصيرة المدى".

"آمنستي ليست منظمة معنيّة بتقديم المساعدة أو المنح".

وبحسب المنظمة "يتم اختيار المستفيدين وفقاً لمعايير محددة مبنية على تقييم الحالة، وما إذا كانت المنحة المالية القصيرة الأجل مناسبة لدعم احتياج مُحدد. وتُستخدم المساعدة على وجه الخصوص للتغطية القانونية، أو من أجل تقديم رعاية صحية بعد التعرّض لسوء معاملة، أو لأغراض مُتعلقة بالحماية، مثل النقل المؤقت لفرد معرض للخطر".

وعن شمس، قالت العفو الدولية إن المنحة التي قُدمت لها تهدف إلى مساعدتها في تغطية تكاليف حالات الطوارئ خلال فترة إقامتها في بيروت، حيث تم تعريفها بمنظمات شريكة محليّة يمكنها دعم اندماجها في لبنان، مُذكرةً بأنها أوصلت شمس بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت من أجل المساعدة في تسريع تسجيلها كلاجئة وإعادة توطينها. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard