شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إيزيس.. إلهة مصر التي تناثرت معابدها حول العالم

إيزيس.. إلهة مصر التي تناثرت معابدها حول العالم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 9 مارس 202112:36 م

في الزمن الذي اعتبرنا فيه أن عبادة الآلهة القديمة أصبحت من التاريخ، تحضر إيزيس، لتثبت أن ذكرها حاضر دائماً وليس قاصر على مصر. لا تندثر عبادتها أو تذهب طي النسيان، بل تسافر فكرتها عبر الشعوب، لتصبح إيزيس المصرية عالمية/ خالدة الذكر.

في "نصوص الأهرام" وُثِّقت إيزيس للمرة الأولى في التاريخ، فيما يُعرف بالنصوص الجنائزية. جاء ذكرها كالزوجة المطيعة والأم الحنون والأخت المحبة، وباعتبارها إبنة إله الأرض "جب" وإلهة السماء "نوت"، عُبدت مع زوجها وأخيها أوزوريس في جميع ربوع مصر، في بيوت الفلاحين البسطاء وقصور الأغنياء على حد سواء.

آمن المصريون أن إيزيس هي أصل الحياة، الزوجة الداعمة لزوجها والأم الصالحة لابنها، فاتخذوها رمزاً دينياً يُحتذى به في كافة نواحي الحياة

 آمن المصريون أن إيزيس هي أصل الحياة، الزوجة الداعمة لزوجها والأم الصالحة لابنها، فاتخذوها رمزاً دينياً يُحتذى به في كافة نواحي الحياة، وكانت الأسطورة الشهيرة لإيزيس وأوزوريس تُروي وتعاش وتوثق. بجانب نصوص الأهرام، تم توثيق أسطورة إيزيس وأوزوريس وصراع حورس وست، على نصوص التوابيت وكتاب الموتى وغيرهم، ليستلهم منها المصريون مبادئ حياتهم وتعاملاتهم اليومية.

تسجّل نصوص الأهرام تلك السيرة والتي تتجلي في الأمر الإلهي: "انتحبي إيزيس، انتحبي لأجل أخيك أوزوريس" وفي موضع آخر تخاطب النصوص أوزوريس قائلة: "إيزيس ستعتني بك، ستعتني بك بعد أن وجدتك".

انتشار عبادة إيزيس حول العالم

سافر البحارة المصريون عبر البحر المتوسط للتجارة، وحملوا معهم الطقوس والإيمان بإيزيس، فانتقلت عبادتها إلى العالم الأوروبي. أحب الأوروبيون في إيزيس الحكمة والنقاء والأمومة، كما اعتبرها البعض الآخر إلهة الحب والسحر والجنس، فكانت إيزيس الإلهة الكاملة، رمز المرأة الساحرة والزوجة المخلصة والأم الحاضنة، وفقًا لوصف الباحثة ديتراكي ريجولا.

فلم تثبت عبادتها في الشرق الأوسط وحده، وإنما أيضاً في مدينة لندن الرومانية القديمة، التي وُجدت فيها آثار تنتمي إلى معبد خاص بالإلهة إيزيس، لتصبح لندن المدينة البريطانية الوحيدة التي أثبتت وجود إيزيس، وثمة مدن أخرى في فرنسا وألمانيا وجدت فيها مقتنيات مماثلة.

سافر البحارة المصريون عبر البحر المتوسط للتجارة، وحملوا معهم الطقوس والإيمان بإيزيس، فانتقلت عبادتها إلى العالم الأوروبي. أحب الأوروبيون في إيزيس الحكمة والنقاء والأمومة، كما اعتبرها البعض الآخر إلهة الحب والسحر والجنس

أحب الرومان إيزيس وقدسوها واعتبروها حامية المسافرين عبر البحار، في عام 1794 تم اكتشاف معبد لإيزيس في منطقة بومباي بالقرب من نابولي في إيطاليا، جمع هذا المعبد بين الطراز المعماري المصري والروماني والإغريقي، وعُبدت فيه إيزيس بشكلها الروماني، باعتبارها إلهة رومانية مستوحاه من مصر، فأمسكت إيزيس الرومانية دفّة قيادة السفن في المعابد والتمائم، وصُكت ملامحها على عملات الإمبراطورية الرومانية، وفي المعابد الرومانية أمسكت قيثارتها وفي اليد الأخرى جرة تملأ بها الماء.

في الوقت الذي كان فيه شكل وملامح إيزيس المصرية معروفاً باللون الخمري ونحافة الجسد، اتسمت إيزيس اليونانية ببياض اللون وامتلاء الجسد، وطغت على وجهها الملامح اليونانية، وتميزت ملابسها بعقدة في منتصف الصدر، وهو الأمر الذي اتسمت به ملابس وأزياء العصر والمجتمع الروماني وقتها، وعُرفت هذه العقدة باسم "عقدة إيزيس".

على عكس زيّها المصري الذي كان عبارة عن طبقة خفيفة من الحرير أو القطن وأحياناً الكتان الأبيض. تميزت تماثيل إيزيس المصرية أيضاً بالأجنحة، في إشارة لرعايتها لزوجها وتبجيله، وتشاركت إيزيس المصرية واليونانية في حملهما لحورس والعناية به كرمز للأمومة والتضحية.

في الوقت الذي كان فيه شكل وملامح إيزيس المصرية معروفاً باللون الخمري ونحافة الجسد، اتسمت إيزيس اليونانية ببياض اللون وامتلاء الجسد

عبر طريق الحرير القديم الذي سارت فيه قوافل الجِمال سنوياً، حاملة الحرير من الصين القديمة إلى الشرق الأوسط وأوروبا تحت حكم الدولة الرومانية، وجدت إيزيس طريقها إلى الشرق الأقصى.

فخلال حكم أسرة تانج التي حكمت الصين ما بين عامي 618 و907 م، تم العثور علي مخطوطة تحمل اسم إيزيس، تصفها المخطوطة بـ "يزيس سيدة هيربس"، وتتحدث عن قدرات إيزيس الشفائية التي لا تُنسي، كما وجد أيضاً معبد روماني علي أرض الهند، تُعبد فيه إيزيس بشكلها الروماني، ما يثبت أن قباطنة السفن التجارية الرومان الذين أبحروا إلى الهند والصين، آمنوا بديانة إيزيس وعبدوها أينما حطت أقدامهم.

يذكر الكاتب كريس مورجان، أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة أوكسفورد، في كتابه "إيزيس إلهة مصر والهند"، أن موت الزوج الفاني للإلهة الهندية باتيني هو السياق ذاته الذي تسير فيه أسطورة إيزيس وأوزوريس، ما يثبت أن باتيني مستوحاة من إيزيس:

قُتل زوجها ظلماً، فانتحبت عليه وعزمت على الثأر لمقتله ومن ثم تحولت إلى إلهة. تطوّر شكل الإلهة الآسيوية باتيني، وانتقلت عبادتها من الهند إلى سريلانكا، وقدّسها الهندوس والبوذيون، فلم تترك الأحداث تفسيراً منطقياً لانتقال إلهة الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، إلا سفر التجار الرومان عبر البحار وطرق التجارة، حاملين آلهتهم معهم.

في الوقت الذي جرّمت فيه الدولة الرومانية عبادة الآلهة القديمة، كان معتنقو ديانة إيزيس يمارسون طقوسهم في الخفاء. تشير الدلائل التاريخية إلى فرار عبدة إيزيس إلى جبل أنزين بفرنسا، وتشييدهم لمعبد يقيمون فيه طقوس عباداتهم بعيداً عن أعين السلطة، في زمن الحروب الكلتية أو الحروب الغالية، التي شنّها يوليوس قيصر على القبائل الكلتية التي كانت تسكن فرنسا وبلجيكا، وتم تدمير هذا المعبد عام 369 م في عهد الإمبراطور فالنتنيان الأول.

تري الكاتبة ديتراكي ريجولا، صاحبة "كتاب ألغاز إيزيس" أن انتشار المسيحية صحبه استبدال لمعابد إيزيس بالكنائس المسيحية، ومعه استبدال تماثيل إيزيس وهي تحمل رضيعها حورس، بتماثيل العذراء وهي تحمل المسيح رضيعاً، كما أن السيدتين تتشاركان اللقب ذاته "سيدة النور" أو "أم النور"، وبينما تحيط رأس السيدة العذراء هالة من النور في الفنون المسيحية، تحمل إيزيس قرص الشمس على رأسها. هذا التشابه بين تمثالي إيزيس والعذراء مريم، يرجع إلى تأثّر مسيحيي هذا العصر بالإلهة إيزيس كرمز للأمومة والإخلاص.

معابد إيزيس خارج مصر

مازالت تحتفظ مصر بالعديد من معابد إيزيس في صعيد مصر، مثل معبد إبيدوس الواقع بين مدينتي جرجا ونجع حمادي، وهو أقدم معبد لإيزيس، حيث أنه بُني قبل تشييد الأهرام، ويُعتقد أن به مدفن أوزوريس، وكذلك معبد قفط ومعبد فيلة الشهير في جزيرة فيلة.

حظيت جزيرة فيلة بالكثير من المعابد التي غرقت عقب بناء السد العالي، أهدى الرئيس جمال عبد الناصر بضعة من المعابد الغارقة إلى الدول التي قدمت يد العون في انتشالها من النيل، مثل الولايات المتحدة وهولندا وإسبانيا، فحظيت كل منهم بمعبد أصلى للإلهة إيزيس.

معبد ديبود الذي انتقل من جزيرة فيلة إلى إسبانيا، كان بمثابة محطة استراحة لحَمَلة تمثال إيزيس أثناء رحلتها من الشمال إلى الجنوب، لمباركة الأرض وليتبارك بها عَبَدتها، بينما معبد طافح الذي استقر في مدينة لايدن بهولندا، هو واحد من معابد فيلة أيضاً، ويُعرض في المتحف بصحبة مجموعة من أفضل المقتنيات المصرية في أوربا، والأخير هو معبد دندور الذي سكن نيويورك في الولايات المتحدة، كان موقعه الأصلى على جرف كبير بالقرب من جزيرة فيلة.

هذا المعبد الصغير كان في ذكرى الشقيقين بيديس وبيهور، شيّده أحد أباطرة الرومان كعرفان وامتنان لحليفه في النوبة، والد الشقيقين، لتقام فيه صلوات إيزيس وتتبارك بها روحيهما.

معتنقو ديانة إيزيس

مازال هناك في زماننا المعاصر من يؤمن بأن إيزيس تستحق العبادة، ومنهم مؤلفة كتاب "ألغاز إيزيس" التي خصّصت جزءاً كبيراً من حياتها لدراسة تاريخ إيزيس وفلسفتها الدينية، كما كرست جزءاً من كتابها لشرح كيفية تحويل المنزل إلى معبد ملائم لطقوس العبادة، كما كان في زمن مصر القديمة.

تشرح ريجولا في كتابها كيفية التطهّر بالماء من أجل الصلاة، وما هي الملابس المناسبة لتؤدي بها طقوس العبادة: أن تشعل شمعة، تتلو الصلاة وتتيقن أنك تعبد الإلهة ذاتها بما تمثله من أفكار وليس صورتها أو تمثالها.

استيقظي في سلام
يا سيدة السلام...
يا إلهة الحياة
ياجميلة في الجنة

توقظها فتحضرك روحها. تؤمن الكاتبة بأن إيزيس هي الأصل، من رحمها خرجت جميع النساء المقدسة واالمعتنقات الدينية. أوردت في كتابها نص الصلاة الصباحي الذي تُستحضر به إيزيس كما كان يستحضرها عبدتها القدماء.

استيقظي، استيقظي، استيقظي في سلام

يا سيدة السلام... يا إلهة الحياة

ياجميلة في الجنة

الجنة في سلام والأرض في سلام

يا ابنة نوت وابنة جب وحبيبة أوزوريس

الكل يمتدحك

أعشقك... يا سيدة إيزيس


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image