اهتز الرأي العام الجزائري لحادث انتحار " لزهر تياب" رئيس المجلس الشعبي البلدي لـ"عين ببوش"، بولاية أم البواقي شرق العاصمة الجزائر، على إثر صدامه المستمر مع والي الولاية "زين الدين تيبورتين". وفقا لشهادة النائب الأول للمجلس الشعبي، الذي ذكر أن انتحار رئيس البلدية كانت نتيجة للضغوط التي تعرض لها من قبل الوالي والإدارة، على خلفية حصة سكنية رفض "تياب" التوقيع عليها، كونها تضمنت أسماء استفادت بطريقة مشبوهة من السكن الاجتماعي في أربع مناسبات سابقة، فما كان من الوالي إلا أن أهانه وهدده بالسجن، وهو ما لم يتحمله الرجل فوضع حدا لحياته.
تجاهل الولي المشاركة في عزاء الفقيد، فضلاً عن تغيبه عن حضور معاينة النيابة لمسرح الانتحار؛ زاد من حدة الاتهامات له بالمسؤولية عن الانتحار. وهو ما فاقم من موجة الغضب في الولاية التي سرعان ما تحولت إلى مظاهرات عارمة مطالبة برحيل الوالي.
وفي محاولة من الجهات الرسمية لاحتواء الموقف قبل خروجه عن السيطرة، أصدرت وزارة الداخلية بياناً قدمت فيه خالص التعازي لأسرة الفقيد، كما أعلنت أنها إزاء تحقيقات معمقة، وأنه سيتم إطلاع الرأي العام على النتائج بكل شفافية.
وهو الأمر نفسه الذي فعله النائب العام عمر بورايب، باصدار بيان رسمي أعلن فيه أن النيابة العامة تتابع التحقيقات في هذه القضية، بمعية وكيل الجمهورية.
عوار نمط الحكم
حادث انتحار رئيس المجلس الشعبي البلدي لـ"عين ببوش"، على إثر اصطدامه المستمر مع الوالي، أتى ليفجر من جديد عوار متجذر في الإدارة الجزائرية، وهو العوار الذي يسمح بتغول الولاة (المعينين) على رؤساء المجالس الشعبية (المنتخبين).
وفقاً للدستور الجزائري، لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ومن صلاحياته تعيين وحل الحكومة، فضلاً عن تعيين وإقالة الولاة.
معلمات ومهندسون وأطباء طالتهم إهانات الولاة المعينين، رداً على حرصهم على مصالح المواطنين
وفي المقابل هناك المجالس المنتخبة، وهي البرلمان بغرفتيه ومسؤوليته التشريع، والمجالس البلدية والولائية، وتتشكل عبر الانتخابات المحلية، ودورها يتمحور حول ترقية الحياة الاجتماعية للمواطن والدفاع عن حقوقه.
الصدام المتكرر يحدث في الـ 58 ولاية جزائرية بين "الولاة" الذين تم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ويعتبرون حكاماً داخل الولاية ويتمتعون بصلاحيات واسعة، وبين "المجالس الشعبية البلدية" الذين تم انتخابهم من قبل الشعب ليعبروا عن مصالحه.
فمن جانب يتعامل الولاة باعتبارهم حكام حقيقين للولايات، ويمارسون ضغوطاً على المجالس الشعبية، التي يرى أعضاؤها أنهم ممثلون للشعب الذي انتخبهم. فكيف يجدون أنفسهم رهينة للعقلية البيروقراطية، الموروثة عن طبيعة تكوين الولاة ورؤساء الدوائر.
المفارقة ان الرئيس عبد المجيد تبون نفسه (الذين يعين الولاة) اشتكى منهم ووصفهم برجال الثورة المضادة، أثناء اجتماعه مع الحكومة والولاة المنعقد يوم 13 أغسطس 2020.
تاريخ من الاهانات والسخط الشعبي
حادثة انتحار " لزهر تياب" جراء تعنت الوالي معه ربما تكون الأبشع في تفاصيلها، لكنها بالقطع ليست الأولي، فذاكرة الجزائريين تحتفظ بأمثلة كثيرة على تغول الولاة، لم يسلم منها المنتخبون أو المواطنون
ففي 13 تموز/يوليو 2020 وصف رواد مواقع التواصل الاجتماعي والي ولاية وهران بالمتسلط، بعد نقاش حاد وبخ فيه طبيباً مختصاً بدرجة بروفيسور في المستشفى الجامعي، بسبب انتقاده لنقص الأكسجين الذي أدى إلى وفاة عدد من مرضى فيروس كورونا المستجد في تلك الفترة.
كما تعرضت معلمة في إحدى المدارس وهران الابتدائية للإهانة على يد الوالي، بعد إن شكت من تدهور حالة المدرسة وطاولات التلاميذ التي وصفتها بأنها من فترة الاستعمار.
أما والي ولاية "مستغانم الواقعة غربي العاصمة الجزائر، فتقدمت إليه مواطنة وسط الحشود تشكو عدم امتلاكها لمأوى، فما كان منه إلا أن رد عليها بنبرة استعلائية: "دبري راسك" أي تدبري أمرك لوحدك.
وعاد نفس الوالي مرة أخرى إلى إهانة مهندس مكتب دراسات في إحدى زياراته الميدانية، وكان ذلك أمام الملأ، ولسبب غريب جداً، وهو ارتداء المهندس معطف بلون أخضر عسكري.
إصلاح ممكن تنقصه الإرادة
حاولت رصيف22 التواصل مع أعضاء من المجالس الشعبية في 3 ولايات مختلفة، للوقوف على أسباب الأزمة وسبل الحل، إلا أن كل من تواصلنا معهم رفضوا التعليق.
إعلاء سلطة المسؤولين الحكوميين على ممثلي الشعب المنتخب عادة عربية، تدفع بسؤول جزائري إلى الانتحار
وعليه توجهنا بالحديث للكاتب رياض هويلي مدير جريدة أخبار الوطن الجزائرية المهتمة بذلك الملف، والذي استهل حديثه لرصيف22 قائلاً: "كيف لشخص معين أن يقيل شخصاً انتخبه الشعب؟ قبل ان يستطرد شارحاً : نظام الحكم الجزائري مستمد من نظيره الفرنسي، والقائم على التشارك بين المُنتَخَبين والإداريين، وإن كان الفرنسي يُغلِّب المُنتخبين. أما في الجزائر فالوضع مقلوب، حيث الأولوية للإداريين. المشكلة المركبة هنا والحديث مازال لـ"هويلي" تكمن في عدم سعي المنتخبين لتغيير هذا الواقع، الذي يعطي - وفقاً للدستور- صلاحيات واسعة جداً للولاة جعلتهم أقرب للأباطرة في ولايتهم.
يختتم هويلي حديثه طارحاً الحل: إصلاح العوار القائم في نظام إدارة الحكم بالجزائر ممكن إن توفرت النية، فقط الأمر يستلزم 20 نائباً يتقدمون بمشروع قانون يُعرض على البرلمان بغرفتيه للمناقشة، لاسترجاع هيبة المجالس المنتخبة وتمكينها من كامل صلاحياتها.
حادثة انتحار "لزهر تياب" رئيس المجلس الشعبي البلدي لـ"عين ببوش"، أثارت من جديد أزمة ما يصفه البعض بـ"إرهاب الولاة"، والتي في عمقها تمثل تعبيراً دقيقاً عن عوار يعتري نظام الإدارة الجزائرية، والذي بدون إصلاحه لا أمل في استقرار الولايات، وتجنب السخط الشعبي الذي لا يتوقف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...