شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
فيلم

فيلم "وقفة رجالة"... 4 أبعاد للمجتمع الذكوري المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 26 فبراير 202105:18 م

يعيش المجتمع المصري داخل كم كبير من التناقضات، يتناسب وعدد السكان الضخم واختلاف مشاربهم الثقافية، أبرز هذه التناقضات الممتدة، هي ذكوريته رغم احتفائه بالمرأة في أحيانٍ كثيرة، والتي نوقشت في مختلف الأزمان بشتى المستويات، لكن القرن العشرين شهد صخباً خاصاً خلال مناقشة للمنظومة الذكورية، نتيجة المدّ التحرري الذي بدأ من مصانع أمريكا وانتهى في عمق الصعيد المصري، مع ثورة الاتصالات وانتشار السينما والصحافة، ثم الإنترنت في النهاية.

على الرغم من ضرر اتساع رقعة نقاش القضية حتى ضمت عباءتها غوغاء ومرضى، لكن هذا الاتساع كشف أبعادها شيئاً فشيئاً. وفي السينما، بدأت المناقشة ساذجة ثم على استحياء ثم فجّة، ثم تفرق دمها بين الأغراض التجارية، وبدأت تعالج القضية من منظور الجنس والنسوية والتسلط الأبوي، لجذب جمهور ومشاهدات فقط دون حلول، لتأخذ الترع ما ألقته المصارف في نهر القضية، ويصل رائقاً جاهزاً لنقاش مهضوم على فترة من التجريب.

يدور الفيلم حول أربعة أصدقاء، يعانون ضغوط الحياة بأشكال مختلفة، ويقررون القيام برحلة ترفيهية بأحد الشواطئ، وهناك يكتشف كل منهم سبب مشكلته ويحاول علاجها بطريقة مختلفة، في إطار كوميدي خفيف


السخرية من الموروث

"الكذب لا يكون محسوساً، إذا لم تستشعر خطورة الحقيقة"، ألفرد إدلر.

حقيقة، كل تلك العتبات قد يعتبرها البعض ثقيلة على مراجعة لفيلم سينمائي، لكن بجملة، تحمل أن ترى النقد بعيداً عن الذائقة الشائعة، فهذا أنسب ما يكون للتحدث عن فيلم أخرجه مخرج له مشروعه الثقافي الخاص، أحمد الجندي، أو هادم الإفيهات ومفرق الموروثات، فمن أجل رؤية فيلم "وقفة رجالة" كعمل فني، يجب وضعه في سياقاته الصحيحة، ليبرز لنا النمط الأنسب للتعامل معه.

مخرج الفيلم هو صاحب سلسلة طويلة من نقد الموروث الشعبي والفني، بداية من "طير إنت"، لا يترك الجندي حجراً في برّ مصر إلا وسخر منه، أو على استعداد أن يسخر منه، لا على سبيل إهدار قيمة، لكن على طريقة نقد الذات، أو أقرب لطريقة عمرو بن كلثوم: "ألا لا يألشن أحد علينا فنألش فوق ألش الآلشينا".

 وكاتب الفيلم، هيثم دبور، هو سيناريست متميز في "التغطية" بالمعنى الصحفي، أي كشف جميع الخيوط بحيادية تامة، وترك المشاهد أمام احتمالات متعددة مع كل مشهد، دون مصادرة رأي أو تخيل أو استنتاج، نجح في ذلك تراجيدياً بقسوة في فيلم "عيار ناري"، وها هو ينجح في ذلك بخفة في "وقفة رجالة"، والتي حملت أغلب إيفيهاته "الإطلاق الدلالي"، كما ربط بقصد أو دون قصد بين ختام "فوتو كوبي" وافتتاح "وقفة رجالة"، تلك العلاقة بين رجل وزوجته مريضة السرطان، التي تعني له شيئاً أكبر من الحياة.

هذه السياقات تنقل الفيلم من شباك السينما، ومن فيديوهات "يوتيوبرز" يقفون على باب الله في انتظار Subscriptions، إلى طاولة النقد والتشريح، كمنتج فني بصري شفاهي.

أبعاد الذكورية وأمراض التعميم

في رأيي، الفيلم مقسم لأربع لوحات، لا بسبب أبطاله الأربعة، فهذا التصنيف "يقصف" عمر الفيلم بداءة، بل لوحاته الأربع بهيئة "مواقف"، يتناوب عليها الأبطال ذهاباً وإياباً، والأجزاء الأربعة متعلقة بالعنوان "وقفة رجالة".

يدور الفيلم حول أربعة أصدقاء، يعانون ضغوط الحياة بأشكال مختلفة، ويقررون القيام برحلة ترفيهية بأحد الشواطئ، وهناك يكتشف كل منهم سبب مشكلته ويحاول علاجها بطريقة مختلفة، في إطار كوميدي خفيف.

 الأرض

أو خلفية "الإفيه" الذي ذُكر في ثاني أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية، فيلم "الأرض" (1970) للمخرج يوسف شاهين، الأفيه هو "كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة"، وذلك لوصف المقاومة المصرية في وجه الاحتلال، ثم لم يعد هناك احتلال، ثم لم يعد هناك المليجي أو يوسف شاهين. سار الزمن ودخلت المقولة مرحلة السخرية، بإسقاط جزء غاية في الجدية على موقف غاية في الهزلية، ليصنع مفارقة مضحكة بالفعل، ثم دعت الحاجة لتدوير المقولة مرة أخرى. هنا، عام 2021، نصف وجهها كوميدي، والنصف الآخر تراجيدي قاس، فنجح العنوان في استغلال الخلفية الثقافية للجملة بكل جوانبها، الجاد والساخر وما بينهما، من واقع المجتمع المصري الذي يشبه المزيج بين الجدية والسخرية.

شعبية

ما تزال الثقافة الشعبية التي تخللتها دعوات المساواة بين الرجل والمرأة، تعترف في أقصى جزء بداخلها، بأن الرجال خلقوا للمواجهة والمبادرة، خلقوا لـ"الوقفة" الجادة في وجه الظروف، كما التفّوا حول "عادل" بعد وفاة "عبير"،  أو في خلق الظروف، كما وقف أصدقاؤه بجواره ليخرجوه من حالته النفسية، أو كما تشاجر "عادل" دفاعاً عن "شهدي"، أو كما سهرت "هناء" جوار "شهدي" في المستشفى، خلقوا للوقوف في المواصلات والطوابير، خلقوا للوقوف كي تمر المرأة نحو باب السيارة أو نحو مستقبلها، كما فعل "مصطفى" مع "ماهي"، خلقوا للوقوف بجوار بعضهم البعض وبجوار الغريب، مازالت الثقافة المصرية تحمل الرجل مسؤولية "الوقفة" في كل الطبقات والفئات، وفي خضم الجدل حول المجتمع الذكوري، تظل "وقفة الرجالة" محل اتفاق بين الجميع.

هذه الأبعاد الأربعة يمكنها أن تملأ لوحة "وقفة رجالة"، في سياقات محددة كعمل فني يجب أن ينال حقه من النقد، بعيداً عن مراجعات سطحية أو مقارنات لاستعراض حصيلة ثقافية من الأفلام المشابهة، فما "غادر السينمائيون من متردم"

نسوي

في لقطات مخملية تلخص القضية الشائكة بين ذكورية المجتمع و"وقفة الرجالة"، قدم محمد سلام دور "مصطفى" بشكل محترف، يمكن أن يسمى "ارتباكاً قديراً". راعت وقفة "مصطفى" مع "ماهي" كل معايير الرجولة من المنظور النسوي، فهو خلوق غير متحرش، لا يفرض نفسه، يقدم كل فروض التقرب الحديثة، لا يتصنع التجاهل، يحترم نجاحها المهني ويدفعها للمزيد من النجاح، وأهم وقفة له كرجل متحضر، هو قبول "التعددية النسائية"، أن تفاضل "ماهي" بينه وبين "شهدي"، حتى يكون قرار ارتباطها مبنياً على يقين قوي بصفتها كياناً مستقلاً وليست تابعاً.

فيزيائياً

فيزيائياً، الرجل يجب أن يقف، حتى أثناء التبول، فطرة الله التي فطر عليها البشر، لكن كل رجل يوجهها كما يحب. فغلاف العلاقة بين "عادل" و"عبير" هي الحب، وبين "هناء" و"شيرين" الكبرياء، وبين حسين وزوجته العشرة والعزوة والإنجاب بدون حساب، أما شهدي فسلك طريقاً واقعياً آخر يمارس فيه "وقفاته".

هذه الأبعاد الأربعة يمكنها أن تملأ لوحة "وقفة رجالة"، في سياقات محددة كعمل فني يجب أن ينال حقه من النقد، بعيداً عن مراجعات سطحية أو مقارنات لاستعراض حصيلة ثقافية من الأفلام المشابهة، فما "غادر السينمائيون من متردم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image