أظهرت صور أقمار صناعية، حللتها وكالة أسوشيتد برس، عملية إنشاءات في منشأة نووية قرب مدينة ديمونا الإسرائيلية التي يُفرض عليها سياج من السرية باعتبارها قلب البرنامج النووي الإسرائيلي، فيما يبدو أنها أكبر مشروع إنشائي لها منذ عقود.
ووفق ما نشرته أسوشيتد برس في 25 شباط/ فبراير، ثمة حفرة حديثة بحجم ملعب كرة قدم. ومن المحتمل أن تكون بعمق عدة طوابق، تقع الآن على بعد أمتار (ياردات) من المفاعل القديم في مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية القريب من مدينة ديمونا.
المنشأة الشهيرة الواقعة في صحراء النقب، ظلت منذ عقود موطناً لمختبرات تحت الأرض، مهمتها إعادة معالجة قضبان المفاعل المستهلكة للحصول على بلوتونيوم يستخدم في صنع الأسلحة لبرنامج القنبلة النووية الإسرائيلي.
وتنتهج تل أبيب سياسة الغموض حيال برنامجها النووي، فلا تؤكد أو تنفي أي أنباء حوله، لذا لا يزال سبب البناء غير واضح. ويجدر ذكر أن إسرائيل لا تزال واحدة من أربع دول فقط لم تنضم إلى المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية.
في ظل البرامج المتصلة باستخدام البلوتونيوم من ديمونا، يُعتقد، على نطاق واسع دولياً، أن إسرائيل واحدة من تسع دول مسلحة نووياً في العالم. ونظراً لسرية برنامجها، هناك غموض حول عدد الأسلحة التي تمتلكها، غير أن محللين يقدرون أن لديها ما لا يقل عن 80 رأساً نووياً قابلاً للتحميل على صواريخ باليستية أرضية، أو طائرات مقاتلة أو غواصات.
ما خفي عن أمريكا
وبدأت إسرائيل سراً في إنشاء الموقع النووي المعروف إعلامياً بـ"مفاعل ديمونا" ً في أواخر خمسينيات القرن الماضي، مستعينةً بخبرات فرنسية، وذلك في موقع بصحراء النقب قرب مدينة ديمونا، ويقع المفاعل على بعد 90 كيلومتراً جنوب القدس المحتلة. أخفى المسؤولون الإسرائيليون الغرض العسكري من الموقع سنوات عديدة عن أمريكا، الحليف الرئيسي لإسرائيل الآن، بل زعموا أن المكان ليس سوى مصنع نسيج.
"بناء جديد مهم" لوحظ الأسبوع الماضي وبدأ مطلع عام 2019… سيناريوهات عديدة محتملة رسمها الخبراء لأعمال البناء التي تنفذها إسرائيل قرب مفاعل ديمونا، بينها "التخويف" و"التحايل"
لعقود من الزمن، لم يتغير تصميم مفاعل ديمونا. في الأثناء، أعلن الفريق الدولي المعني بالمواد الانشطارية في جامعة برينستون الأمريكية، الأسبوع الماضي، عن مشاهدته "بناءً جديداً مهماً" في الموقع عبر صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً. كشفت تلك اللقطات القليلة عن عمليات الإنشاء الجارية لبناء غامض.
أما صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها، الاثنين 22 شباط/ فبراير الجاري، من قبل شركة "بلانيت لابس" (Planet Labs Inc)، بناءً على طلب من أسوشيتد برس فتقدم "أوضح عرض" لهذا النشاط حتى الآن، وفق الوكالة الدولية.
في الصور التي رافقت تقرير أسوشيتد برس، يمكننا أن نرى في منطقة جنوب غربي المفاعل مباشرة، حفرة يبلغ طولها نحو 150 متراً (165 ياردة) وعرضها 60 متراً (65 ياردة). كما يمكن رؤية بقايا الحفريات بجوار الموقع، ويوجد خندق على بعد 330 متراً (360 ياردة) يمتد قرب الحفر.
وعلى بعد نحو كيلومتريْن غرب المفاعل، 1.25 ميل تقريباً، شوهدت صناديق مكدسة في فتحتين مستطيلتين، ويبدو أن الفتحتين لهما قواعد خرسانية. وأشارت الوكالة إلى أنه غالباً ما تستخدم منصات خرسانية مماثلة لدفن النفايات النووية.
صور أخرى لـ"بلانيت لابس" تشير إلى أن الحفر بالقرب من المفاعل بدأ مطلع العام 2019 وتقدم ببطء منذ ذلك الحين.
تفسيرات عديدة محتملة
يعمل مفاعل الماء الثقيل في المركز منذ ستينيات القرن الماضي، وهو أقدم بكثير من معظم المفاعلات التي تزامنت معه، ما يثير تساؤلات حول الفعالية والسلامة. وقال محللون لـ"أ. ب" إن مثل هذه المخاوف ربما دفعت السلطات لوقف مفاعل ديمونا عن العمل أو تعديله ليدار بطريقة أخرى.
المحللون الذين أطلعتهم الوكالة على الصور اقترحوا تفسيرات محتملة عديدة لما تكشفه هذه الصور. أفنير كوهين، أستاذ دراسات منع الانتشار النووي في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية في مونتيري - جامعة خاصة مقرها كاليفورنيا- قال: "أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية مهتمة بالحفاظ على القدرات النووية الحالية للدولة والحفاظ عليها".
وأضاف الأكاديمي الذي كتب عن ديمونا على نطاق واسع سابقاً: "إذا كان مفاعل ديمونا يقترب بالفعل من التوقف عن العمل، كما أعتقد، فإنني أتوقع أن إسرائيل تحاول التأكد من استبدال وظائف معينة للمفاعل لا يمكن الاستغناء عنها (لدى توقفه)".
ما تريد إسرائيل أن تُبقيه سراً تُبقيه سراً، فلماذا خاطرت بنشاط ضخم ملحوظ في منشأتها النووية المراقبة جيداً عبر الأقمار الصناعية؟
أما داريل ج. كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من التسلح، ومقرها واشنطن، فلفت إلى أن البناء قد يؤشّر إلى رغبة إسرائيل في إنتاج المزيد من التريتيوم، وهو منتج ثانوي مشع سريع التحلل نسبياً، يستخدم لتعزيز القدرة التفجيرية لبعض الرؤوس الحربية النووية. وأوضح أن إسرائيل ربما تكون ساعيةً أيضاً إلى بلوتونيوم جديد "ليحل محل أو يطيل عمر الرؤوس الحربية الموجودة في الترسانة النووية الإسرائيلية".
من المستهدف هذه المرة؟
قاد شيمون بيريز، رئيس الوزراء ورئيس الدولة الأسبق، البرنامج النووي الإسرائيلي قبل صعوده السياسي. وقد صرّح عام 1998: "بنينا خياراً نووياً، ليس من أجل تكرار (الانفجار النووي في ) هيروشيما، وإنما للحصول على أوسلو"، في إشارة إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
لكن إستراتيجية إسرائيل في التعتيم طالما أثارت الانتقادات ومخاوف أعداء تل أبيب، فضلاً عن تكرار التكهنات حول طرح المسؤولين استخدام هذا السلاح الفتّاك.
ويأتي البناء في وقت تواصل إسرائيل، بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الانتقاد اللاذع والتحريض ضد إيران بسبب برنامجها النووي الذي لا يزال تحت مراقبة مفتشي الأمم المتحدة، على عكس البرنامج النووي الغسرائيلي الذي لا يخضع لرقابة حقيقية. وهذا ما جدد الدعوات من الخبراء لإسرائيل للإعلان عن تفاصيل برنامجها.
وقد استغل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، العمل الجاري حالياً في ديمونا، والذي يأتي بينما تستعد بلاده لتقييد وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها النووية، وسط توترات مع الغرب بشأن اتفاقها النووي المنهار. وكان قد صرّح لتلفزيون "برس تي في" الحكومي الناطق باللغة الإنكليزية هذا الأسبوع: "أي حديث عن القلق بشأن برنامج إيران النووي هو محض هراء. لنكن صريحين بشأن ذلك: إنه نفاق".
من جهتها، عبّرت فاليري لينكي، المديرة التنفيذية لمشروع ويسكونس بشأن الحد من الأسلحة النووية، ومقره واشنطن، عن دهشتها حيال التحرك الإسرائيلي. وقالت: "أعتقد أن الأمر الأكثر إثارة للحيرة هو أن لديك بلداً يدرك تماماً قوة صور الأقمار الصناعية (تقصد إسرائيل) وخاصة طريقة مراقبة أهداف الانتشار باستخدام تلك الصور".
وأضافت: "في إسرائيل، لديك هدف نووي واحد معروف تتم مراقبته، وهو مفاعل ديمونا. لذلك أعتقد أن أي شيء يريدون الاحتفاظ به ‘سراّ‘ يبقى ‘سراً‘". في تلميح إلى أن إسرائيل ربما تستهدف انكشاف منشآتها النووية الجديدة لتوصيل رسالة ردع إلى عدو ما.
وقال جيفري لويس، أستاذ قضايا حظر الانتشار النووي في ميدلبوري أيضاً: "إذا كنت أنت إسرائيل ومضطراً إلى تنفيذ مشروع بناء كبير في ديمونا من شأنه أن يجذب الانتباه، فمن المحتمل أن يكون هذا هو الوقت الذي قد تصرخ فيه كثيراً بشأن الإيرانيين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...