سنوات طويلة قضوها في البحث عن وثيقة قديمة أو صورة نادرة، أموال طائلة أنفقوها عن طيب خاطر لاقتناص الهدف، وإضافته لمجموعة نادرة، أصبحت مع مرور العمر، ثروة حقيقية وإرثاً ثميناً.
أحدهم لم يتخيل حياته بعيداً عن أكوام الملفات وأرفف الكتب والمجلات، وآخر يبحث عن مشترٍ يقدر ثروته حق قدرها. لا رغبة في تفريط، ولكن بحثاً عن مهتم يواصل الرحلة بعد أن اقترب ميعاد الرحيل. بينما يفضل ثالث بيعها وإنفاق عوائدها على الأيتام، محتقراً الدنيا بشكل عام.
باحثو التراث وعشاق الاقتناء في مصر عالم قائم بذاته.
مكرم: "أبحث عن المقدّرين"
منذ أكثر من خمسين عاماً ويزيد، وقع مكرم سلامة في غرام السينما، فقرر أن يقضى أيامه معها، يبحث في كل مكان عن كل شيء يحمل رائحتها، فأصبح واحداً من أشهر جامعي الوثائق السينمائية في مصر.
بدأت الحكاية مع مكرم كهواية في شبابه، ثم سرعان ما تحول الأمر إلى مهنة تخصص فيها. منذ عام 1965، عندما كان يأتي من الاسكندرية، حيث يقيم حتى الآن، إلى حي التوفيقية بالقاهرة الذي كان يضم كل شركات الإنتاج في الفترة ما بين 1930 و1950، فاستطاع مكرم أن يجمع منها أقدم الأفيشات السينمائية، التي صار يمتلك منها أكثر من 2000 بوستر سينمائي، يعود أقدمها لعام 1920.
"الحكومة رمته زمان، فمش هاترجع تشتريه، أنا دفعت فيه عمري وكل فلوسي، ومش عايز أبيعه لحد ما يعرفش قيمته"
يقول مكرم لرصيف22: "أحتفظ بالمجموعة النادرة للفنانة عزيزة أمير، تحتوي على أفيشات أهم أفلامها، ومنها (كفري عن خطيئتك) الذي يعود تاريخه لعام 1932، كذلك الأفيشات الخاصة بأفلام (دنانير، سلامة في خير، انتصار الشباب)، لكن يظل أول أرشيف متكامل حصلت عليه هو أرشيف (توجو مزراحي) وسلسلة أفلام ليلى الشهيرة، والتي حصلت معها على النيجاتيف الخاص بصور كادرات الأفلام وكواليسها، فيما يعرف بلقطات خلف الكاميرا".
كذلك يمتلك مكرم مجموعة كاملة لأفلام أنور وجدي، سواء كانت أفيشات أفلامه، أو نيجاتيف الصور الخاصة، والذي كان زجاجاً في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، ثم أصبح مصنوعاً من البلاستيك في الخمسينيات، لذلك قام مكرم بشراء جهاز خاص من أمريكا لتحميضه بشكل أفضل".
إلى جانب الأفيشات السينمائية القديمة، يمتلك مكرم سلامة مجموعة نادرة من الخطابات الخاصة بيوسف وهبي، فاطمة رشدي، عزيزة أمير، بهيجة حافظ، بدر لاما، آسيا، ماري كوين، حسين صدقي، حسن الإمام، حلمي رفلة وعبد الحليم نصر.
وعلى الرغم من الكنوز القيمة التي يمتلكها، وتحولت بسببها شقته في الإسكندرية إلى متحف من نوع خاص، إلا إنه لم يلتفت إليه أحد من القائمين على التوثيق السينمائي، بحسب حديثه لرصيف22.
لذلك (بعد أن تخطى عمره السبعين عاماً) قرر مكرم سلامة عرض مقتنياته للبيع، وهو الأمر الذي أحزن الكثيرين، وطرح العديد من الأسئلة حول مصير هذه المقتنيات، يقول مكرم: "لقد اقترب عمري من نهايته، ولا يوجد من أبنائي من يهوى الأمر، وأخشى أن يضيع من بعدي"، وأضاف بحزن واضح: "والحكومة رمته زمان، فمش هاترجع تشتريه، أنا دفعت فيه عمري وكل فلوسي، ومش عايز أبيعه لحد ما يعرفش قيمته".
يؤكد مكرم أنه لم يعرض مقتنياته للبيع بحثاً عن مكسب مادي، فهو لا يحتاج لأموال، على حد قوله.
وإن كان يبحث عن ذلك، فقد جاءته عدة عروض مغرية من تجار بداخل مصر وهيئات فنية عربية، لكنه يرى أنهم غير أمناء عليه، لذلك رفضها جميعاً، وأوصى ابنه بالحفاظ عليها قدر استطاعته.
اعتاد مكرم منذ سنوات قليلة نشر بعض مقتنياته من صور ووثائق فنية، عبر موقع فيسبوك، وهو الأمر الذي لاقى اهتماماً واسعاً، وتابعه الكثيرون من فئات عمرية وثقافية مختلفة، لكن تعرضه للسرقة أكثر من مرة بإزالة اسمه من على الصور، أو عدم الإشارة إليه، أغضبه كثيراً وجعله أكثر من مرة يقرر التوقف عن النشر، لكنه سرعان ما يعود إليه تقديراً لباقي المتابعين.
فاروق ينصت للدكتور طه حسين وزير المعارف فبراير ١٩٥٠
Posted by Shaaban Yusuf on Thursday, 11 February 2021
شعبان يوسف: "لن أفرط في تراثي الخاص"
لأكثر من أربعين عاماً، ينقب الشاعر المصري شعبان يوسف، الذي اقترب عمره من الستين عاماً، عن كل ما هو قديم لدى تجار الكتب في سور الأزبكية وغيره، باحثاً عن طبعة أولى نادرة من كتاب، أو عن نسخة من مجلة أو جريدة توقفت عن الصدور.
ينقب يوسف عن مقالات تعكس آراء لكتاب كانوا معارضين وصاروا موالين، عن أعمال لم تحظ باهتمام فيسلط عليها الضوء.
يمتلئ منزل شعبان يوسف (المكون من أربعة طوابق) بالكتب والوثائق. يؤكد لرصيف22 أن بها مطبوعات ليست موجودة في دار الكتب نفسها، كما أنه يمتلك العديد من السيناريوهات التي فاق عددها الستين، أغلبها نسخ أولية تحمل خطوط وملاحظات صناعها، كسيناريو فيلم "المومياء" للمخرج شادي عبد السلام، الذي يحمل ملاحظات بخط يده، وختم الرقابة وتقريرها بتاريخ 1967.
يقتني شعبان يوسف أيضاً مجموعة من الإهداءات النادرة، كإهداء طه حسين لمصطفى النحاس، والذي كان بمناسبة الصلح بين الكاتب الكبير وحزب الوفد في عام 1934.
ويلفت شعبان الانتباه إلى أن إهداءات طه حسين لم تكن بخط يده بالطبع، لكنها كانت تكتب له ثم يوضع عليها ختمه الخاص.
شعبان يوسف لا يقتني القديم للمعرفة والثقافة الشخصية فقط، لكنه باحث دؤوب يستنبط الفكرة ويطورها ويسعى ورائها حتى تكتمل الصورة الحقيقية للأشخاص والأحداث.
يقول شعبان لرصيف22: "المجلات القديمة كنز فريد بالنسبة لي. كاشفة، مليئة بالأسرار، تعكس التاريخ الحقيقي للحياة في مصر، بشخوصها وتفاصيلها، منها قمت بتجميع ونشر رواية لشهدي عطية، ونشر مسرحية لنبوية موسى، كانت قد صدرت في عام 1932 لأول مرة، كذلك قمت بعمل كتاب عن خيري شلبي، إبراهيم أصلان، فتحي غانم من كتابات نادرة لهم".
الطبعة الأولى ..1955..دكتور لويس عوض
Posted by Shaaban Yusuf on Wednesday, 10 February 2021
هل يمكن أن يفكر الشاعر شعبان يوسف في عرض مقتنياته التراثية للبيع كما فعل مكرم سلامة؟
يجيب بحسم: "لا طبعاً، كل مقتنياتي دفعت فيها سنوات عمري قبل أموالي، كنت أستدين أحياناً لشراء بعض الكتب او الوثائق، كل ورقة فيهم لها ذكرى عندي، وأعتبر نفسي سعيد الحظ لأن أبنائي يهتمون بالشأن الثقافي بكل فروعه، كما أنهم من عشاق القراءة بشكل عام".
بعد أن قضى عمره في اقتناء أشياء ذات قيمة، وحول بيته لمتحف، أحس بأن الحياة بشكل عام لا تستحق الاحتفاظ بأي شيء. يقول: "خلاص كفاية هوايات، الدنيا دي كلها كلام فارغ"
لم يفكر شعبان يوسف في مصير مقتنياته بعد الرحيل أبداً، فكل ما يفعله اتجاهها هو أن يوصي أبناءه بالحفاظ عليها، وعدم التفريط فيها لأي سبب، فهي كنزه الثمين التي يرفض إهداءها لإحدى الجهات المعنية، كما فعل يحيى حقي مثلاً، الذي تبرع بمكتبته الخاصة لجامعة القاهرة.
وأضاف شعبان أن الكاتب الكبير صنع الله ابراهيم كان قد نصحه منذ فترة بضرورة التفكير في مصير هذه المقتنيات بعد رحيله، فهي تراث نادر، لكن شعبان يرفض أن يتطرق لهذه المسألة بشكل أو بآخر، مشدداً على أنه الوحيد القادر على الحفاظ عليه.
أطلس الخدمات 1955
136 صفحة
السعر = 100 جنيه
Posted by كواكب للكتب on Sunday, 14 February 2021
عبد الباري: "سأنفق عوائده على الأيتام"
عشق اقتناء القديم ليس حكراً على المصريين فحسب، لكنه أصاب عبد الباري الأمين، سوداني عمره (55 عاماً) يعيش في مصر.
أسس الأمين صفحة على موقع فيسبوك لبيع مستندات ومقتنيات قديمة، لكنه في الأساس مغرم بكل قديم، يجيد تقييم القطعة، ويتقن فن الاحتفاظ بالجيد والتفريط في عديم القيمة.
بدأت رحلة عبد البارئ مع جمع المقتنيات خلال سنوات قضاها في أمريكا، لذلك أغلب مقتنياته تتعلق بالتاريخ الأمريكي، وعلى رأسها صور وتوقيعات مشاهير أمريكا، من أهل الفن والرياضة والسياسة، وكذلك خريطة يدوية لرحالة شهير بتوقيعه، تعود لمنتصف القرن السابع عشر 1665.
Posted by كواكب للكتب on Sunday, 7 February 2021
أسس عبدالباري، الذي يعمل بالمحاسبة كمهنة أساسية، متحفاً خاصاً به في العاصمة السودانية الخرطوم، يضم كل مقتنياته، ويستقبل فيه محبي القديم، وعشاق المقتنيات النادرة، وخصوصاً من الدبلوماسيين الأجانب.
على عكس شعبان ومكرم، يفكر عبد الباري في بيع مقتنياتها رغم عشقه لها، وتوزيع عوائدها المالية على الأيتام والأهل، إذ أحس بأن الحياة بشكل عام لا تستحق الاحتفاظ بأي شيء. يقول، منهياً حديثه لرصيف22: "خلاص كفاية هوايات، الدنيا دي كلها كلام فارغ في فارغ".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع