شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لقمان سليم والشيخ نمر النمر... التحدّي حتى الموت

لقمان سليم والشيخ نمر النمر... التحدّي حتى الموت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 13 فبراير 202105:57 م

عندما علمت بمقتل لقمان سليم في جنوب لبنان، خطرت على بالي مباشرةً واقعة إعدام الشيخ نمر باقر النمر. كلا الرجلين يجمعهما المذهب نفسه، أي المذهب الشيعي، وكلاهما اختارا رحلة خوض تحدٍّ أدّت في نهاية الأمر إلى إنهاء حياتهما مبكراً.

اختُطف لقمان سليم، وهو من المنتقدين البارزين في الطائفة الشيعية لحزب الله، وعُثر عليه مقتولاً في سيارته في الرابع من شباط/ فبراير 2021، في منطقة خاضعة لسيطرة هذا الحزب. وأعدَمت السلطات السعودية الشيخ نمر النمر، وهو شخصية معارضة، في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2016، بعد محاكمة غير عادلة، ووفق إجراءات لا تتماىشى مع المعايير الدولية للمحاكمات.

كان كلا الرجلين اجتماعيين، ودودين، وحاضرين بشكل مستمر. حظي الشيخ نمر النمر بدعم وتقدير ومحبة العديد من أبناء الطائفة الشيعية، خاصة في مسقط رأسه، في العوامية، في المنطقة الشرقية حيث كان يعيش، وذلك بسبب تعبيره الدائم عن مظالمهم والمطالبة بحقوقهم بصوت عالٍ وواضح، في دولة عُرفت بقمعها المستمر للأقلية الشيعية منذ تأسيسها عام 1932.

من ناحية أخرى، لم تكن السمة الشخصية الودودة للقمان سليم كافية لاجتذاب الشيعة في لبنان، بسبب معارضته لحزب الله الذي يعزو المجتمع الشيعي إليه الفضل في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وتحويل الشيعة من طبقة دنيا مهمَلة ومحرومة تاريخياً إلى أقوى قوة سياسية في لبنان.

مع ذلك، فإن التشابه الملحوظ بين الرجلين هو أنهما سعيا إلى تعزيز التعددية والتنوّع، كل من موقعه ووفق ظروف وخصوصيات واقع بلده: الشيخ النمر من خلال المطالبة بالحقوق الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية للشيعة في السعودية والتي تم تفصيلها في "عريضة العزّة والكرامة" التي قدّمها إلى الحاكم الإداري للمنطقة الشرقية عام 2007، ولقمان سليم من خلال الدعوة إلى خلق بيئة شيعية داخل المجتمع الشيعي بمبادئ وآراء تختلف عن تلك التي يحملها حزب الله القوي وحليفه الشيعي الآخر، حركة أمل.

كان كل من لقمان سليم والشيخ نمر النمر يتحدثان بصوت عالٍ عن عدائهما لخصومهما. كان سليم يناقش ويبحث علناً عن طرق لهزيمة حزب الله، فيما دعا الشيخ النمر علناً إلى عدم طاعة آل سعود لأنهم "ظلمة" وإسقاطهم.

"سواء وافق المرء أم لم يوافق على ما نادى به الشيخ النمر... أو على "تحييد" لبنان عن النفوذ الإقليمي كما دعا لقمان سليم، فإن هذه الدعوات تقع ضمن حقهما في ممارسة حرية التعبير. ورغم ذلك، اغتالهما الإعلام معنوياً وهيّأ الرأي العام لتقبّل إقصائهما جسدياً"

كلا الرجلين كانت لديه أهداف سياسية طويلة المدى: كان لقمان يدعو إلى العمل على إنشاء مؤسسات شيعية موازية للمؤسسات التي أنشأها حزب الله ودعم صعود الشيعة المعارضين في وجه الجماعة المسلحة لتتغيّر طبيعة ممثلي الطائفة الشيعية في النظام السياسي اللبناني. ونادى الشيخ النمر بتحكيم ولاية الفقيه المشروط بعدالته، وإعطاء الشيعة حصة منصفة تتناسب وعددهم في مناصب الدولة ومؤسساتها والسماح للناس بممارسة جميع الشعائر الدينية.

تعرّض كل من الشيخ نمر النمر ولقمان سليم لحملات إعلامية وتشهير أطلقها خصومهما السياسيون في مراحل مختلفة من نشاطهما. فصوّرت صحف سعودية موالية للحكومة الشيخ النمر على أنه إرهابي ووصفته بـ"رأس الفتنة" و"عميل إيران" واتهمته بشق صف الوحدة الوطنية والتحريض على العنف وذلك في حملات ضده سبقت اعتقاله عام 2012، وأثناء محاكمته، وبعد الحكم عليه بالإعدام في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وحتى مباشرة بعد إعدامه في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2016.

"عندما علمت بمقتل لقمان سليم في جنوب لبنان، خطرت على بالي مباشرةً واقعة إعدام الشيخ نمر باقر النمر. كلا الرجلين يجمعهما المذهب نفسه، أي المذهب الشيعي، وكلاهما اختارا رحلة خوض تحدٍّ أدّت في نهاية الأمر إلى إنهاء حياتهما مبكراً"

وزعم مقال، نُشر قبل أقل من خمسة أسابيع من إعدام الشيخ النمر في صحيفة "الشرق الأوسط" اليومية الموالية للحكومة للسعودية، أنه وعضو تنظيم القاعدة فارس الشويل "منظرا الإرهاب من مذهبين"، و"بينهما روابط مشتركة... وانتهجا الخيانة"، وروّجت لنفس الفكرة مؤسسات إعلامية أخرى.

أدين الشيخ النمر بعدة تهم، من بينها تلك التي لا ينبغي أن تكون جرائم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان لأنها تجرّم الحق في حرية التعبير، مثل دعواته لعصيان الحاكم، وإسقاط الأنظمة في المملكة العربية السعودية والبحرين وتحكيم ولاية الفقيه.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن الأدلة على التهم التي أدين بها جاءت من الخطب الدينية التي ألقاها والمقابلات المنسوبة إليه والتي خلت في مضمونها من التحريض على العنف وبالتالي فهي تقع ضمن حقه في حرية التعبير. كما أدين بتهم أخرى متعلقة بأعمال عنف دون تقديم أي دليل مادي على ذلك.

من ناحية أخرى، صوّرت وسائل الإعلام الموالية لحزب الله لقمان سليم على أنه عميل يخدم مصالح للولايات المتحدة. وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 2019، دخلت مجموعة من الرجال حديقة منزل عائلته في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث كان يعيش، وأطلقت هتافات ضدّه تتهمه بالخيانة، بعد أن نظّم مناظرة حول "تحييد" لبنان عن السياسة الإقليمية، اعتبر خصومه أنها تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي اليوم التالي، أُلصقت أوراق على جدران منزل عائلته كُتب عليها: "لقمان سليم الخاين العميل" و"المجد لكاتم الصوت" و"جاييك الدور".

وكانت صحيفة "الأخبار" الموالية لحزب الله قد وصفته في السابق بأنه "نجم" شيعة السفارة، في إشارة إلى شخصيات لبنانية شيعية معادية لحزب الله ولها علاقة بالسفارة الأمريكية. واستند المقال إلى وثائق من ويكيليكس حول اجتماعاته مع مسؤولي السفارة الأمريكية في لبنان.

لكن الصحيفة نفسها نشرت مقالاً بعنوان "الصحافة السعودية: حملة مكارثية على النمر"، في إشارة إلى سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة استخدمه السناتور الأمريكي جوزيف ريمون مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي ضد خصومه السياسيين بدعوى أنهم عملاء للاتحاد السوفياتي.

في الحقيقة، وثائق ويكيليكس كشفت عن لقاء جمع الشيخ نمر النمر مع مسؤولين في السفارة الأمريكية، عام 2008، لكن هذا اللقاء لم يُسلَّط الضوء عليه من قبل وسائل الإعلام الموالية لحزب الله وأنصاره. وأعرب الشيخ النمر خلال اللقاء عن إيمانه الراسخ بحق الطائفة الشيعية في السعودية في تلقي المساعدة الأجنبية في حال وقوع حرب في المملكة. وذكرت نفس البرقية أنه خلال الاجتماع ابتعد عن إيران وتحدث "نوعاً ما" بشكل إيجابي عن الولايات المتحدة.

مزاج مؤيدي حزب الله على وسائل التواصل الاجتماعي والمصطلحات المهينة التي استخدموها عند الإشارة إلى لقمان سليم ومقتله، كشفت عن بشاعة أثر الحملات الإعلامية التي تستهدف أشخاصاً يحملون رأياً مخالفاً، تصل إلى درجة الاحتفاء بالقتل. نفس الأمر حدث قبل خمس سنوات، حين احتفل موالو الحكومة السعودية بإعدام الشيخ نمر النمر.

وسواء وافق المرء أم لم يوافق على ما نادى به الشيخ النمر من إسقاط النظام الحاكم في السعودية أو على "تحييد" لبنان عن النفوذ الإقليمي كما دعا لقمان سليم، فإن هذه الدعوات تقع ضمن حقهما في ممارسة حرية التعبير. ورغم ذلك، فإن الإعلام اغتالهما معنوياً وهيّأ الرأي العام لتقبّل إقصائهما جسدياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard