شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مقاربة خطرة... خطة إغلاق المخيّمات في العراق قد تغذّي موجة ثانية من الإرهاب

مقاربة خطرة... خطة إغلاق المخيّمات في العراق قد تغذّي موجة ثانية من الإرهاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 16 فبراير 202102:09 م

في الفترة الماضية، شرعت الحكومة العراقية في سياسة إغلاق مخيمات النازحين، استناداً إلى مقاربة مفادها أن عودتهم إلى ديارهم ستسهل عملية إعادة إعمار المدن المتضررة من الحرب مع تنظيم داعش. ولكن هذه المقاربة لم تكن شاملة للجوانب الإنسانية والاقتصادية والقانونية كافة.

فقد أدى إغلاق مخيم السلامية، في كانون الثاني/ يناير 2021، ومخيمي حمام العليل و"الجدعة 1"، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، داخل محافظة نينوى، إلى خلق مخيمات عشوائية تنتشر على جانبي مدينة الموصل، ونقل الكثيرين من النازحين إلى مخيم "الجدعة 5".

الحال نفسه في محافظات كركوك وصلاح الدين. أما في الأنبار، فقد أدّى إغلاق مخيم الحبانية، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، إلى ارتفاع عدد العوائل في مخيم عامرية الفلوجة إلى ما يقارب الـ3000 عائلة، ما فاقم الأزمات الإنسانية.

تبعات غير محسوبة

أقرّت السلطات المركزية والمحلية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، مبدأ التبرئة، كخطوة أساسية في محافظة نينوى، لمنح الفئة الاجتماعية التي يُصطلح على تسميتها بـ"عوائل داعش"، والتي يُعتقد بانتماء أحد أفرادها إلى التنظيم الإرهابي، تصريحاً أمنياً يخوّلها العودة إلى المناطق التي هُجّرت منها.

وبرغم تبني هذا المبدأ الإجباري، لم تتمكن أعداد كبيرة من العوائل من الاستفادة منه لأسباب قانونية تتمثل في أن هذا المبدأ يمثّل دليل إدانة بحق أفراد الأسر، إذ يتضمّن الإقرار بأنهم مارسوا أعمالاً إرهابية، وإنْ كان الفرد المذكور غير منتمٍ للتنظيم أو إنْ كانت أدلة الإدانة غير مكتملة، وأخرى اقتصادية تتمثل في أن إنجاز معاملة التبرئة تمرّ بحلقات استحوذ عليها صغار الفاسدين الذين يبتزون العوائل بمبالغ تراوح بين 500 و1000$.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تتفاقم الأزمة عندما يضطر النازحون الذين فقدوا وثائقهم الثبوتية لمواجهة إجراءات بيروقراطية معقدة للغاية، يشوبها الفساد أيضاً، عند سعيهم لإصدار وثائق جديدة للمباشرة في إصدار التصريح الأمني.

وتتعقد الأزمة أكثر في حالة الأطفال حديثي الولادة، بحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ويقدِّر المجلس النرويجي للاجئين عدد الذين لا يملكون على الأقل شكلاً واحداً من أشكال الوثائق المدنية، داخل وخارج مخيمات العراق، بنحو 500 ألف عائلة، كما يقدّر أن هنالك 45000 طفل عراقي في مخيمات النزوح لا يملكون شهادة ميلاد.

قد يبدو المشهد أقل حدة في محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار ولكنه لا يخلو من التعقيدات. فعلى الرغم من إغلاق جميع المخيمات في كركوك وصلاح الدين، إلا أن عدداً كبيراً من النازحين خارج المخيمات لا يزالون يعانون من سيطرة الميليشيات على أراضيهم، بهدف إحداث تغيير ديموغرافي من جهة، والانتفاع الاقتصادي من جهة أخرى.

أما في محافظة الأنبار، فقد اتخذت السلطات المحلية من مخيم عامرية الفلوجة مركزاً لاحتواء النازحين المتدفقين من مخيمات أغلقت، ومَن لم يتم استيعابهم أقاموا مخيمات عشوائية في محيط المدينة السياحية، غرب الفلوجة.

"تتطلّب ضرورات الأمن الوطني العراقي إجراءات عاجلة ومسؤولة تسهّل بشكل كبير احتواء المحرومين والمهمشين عبر آليات قضائية وأخرى اقتصادية، لتمكينهم من العودة إلى ديارهم واحتوائهم وعدم التضحية بهم كلقمة سائغة للإرهاب مرة أخرى"

المشهد الحالك الذي لا تلوح في أفقه أية مؤشرات إيجابية هو وضع آلاف العوائل النازحة من ناحية جرف الصخر، شمال بابل، بسبب احتلال فصائل عراقية وقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له لأراضيهم، وتحويل الناحية إلى نقطة ارتكاز للعمليات الإيرانية في العراق والمنطقة من خلال انتشار معسكرات تدريب ومعامل ومخازن أسلحة وصواريخ وطائرات مسيّرة، ليبقى أهالي الناحية منتشرين بين مخيم عامرية الفلوجة وباقي محافظات العراق.

حرمان وتهميش وانعدام الجنسية

وفقاً لمفاهيم بناء السلام، يُعَدّ وصف "عوائل داعش" وصفاً عنصرياً، كونه يحمّل العائلة بالكامل جريرة فعل أشخاص مدانين بالانتماء للتنظيم الإرهابي أو قد يكونون فقط متهمين بالانتماء إليه بناءً على معلومات من "المخبر السرّي".

وفقاً للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، فإن عدد هؤلاء الأشخاص، منذ عام 2017 حتى كانون الثاني/ يناير 2021، يبلغ 14188 معتقلاً في سجني الفيصلية وتلكيف في محافظة نينوى وحدها، و90% منهم متهمون بالانتماء للإرهاب بناءً على معلومة غير مؤكدة من مخبر سري أو بناءً على شكوى كيدية أو مشاجرة شخصية، و4% محكومون بالأدلة بانتمائهم إلى التنظيم الإرهابي، و5% مدانون بالحكم المؤبد، و1% محكومون بالإعدام.

"المشهد الحالك الذي لا تلوح في أفقه أية مؤشرات إيجابية هو وضع آلاف العوائل النازحة من ناحية جرف الصخر، بسبب احتلال فصائل عراقية وقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له لأراضيهم، وتحويل الناحية إلى نقطة ارتكاز للعمليات الإيرانية"

يشكّل هذا الأمر تهديداً خطيراً لمستقبل العراق، إذ أسهم في إيجاد فئة اجتماعية من المحرومين من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وما يزيد الأمر خطورة أن محاربة الإرهاب منذ حكومة حيدر العبادي حتى الآن، اعتمدت على أساس العلاج العسكري فقط، والذي كان ينبغي أن يُعزَّز بسياسات اقتصادية واجتماعية تسهم في إعادة الإعمار والاندماج المجتمعي.

هنالك ضرورة لاعتماد مبدأ العدالة الانتقالية الذي يقضي على أي شكل من أشكال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بشكل يسهم في استئصال مسببات الإرهاب في العراق لبناء السلام الشامل اللازم للتنمية والتقدم الذي ينشده أبناء الشعب العراقي منذ عقود.

صيد سهل ينذر بموجة ثانية للإرهاب

منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، عاد نشاط بعض الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي، لضرب أهداف متعددة في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، فيما كانت العملية الأكبر خلال هذه الفترة هي الحادث الإرهابي الذي استهدف ساحة الطيران في بغداد في 21 كانون الثاني/ يناير 2021.

في المقابل، تصاعدت بشكل كبير نجاحات قيادة العمليات المشتركة والأجهزة الاستخبارية وجهاز مكافحة الإرهاب في تنفيذ عمليات استباقية كان أبرزها قتل والي العراق جبار سلمان علي العيساوي في 28 كانون الثاني/ يناير 2021.

وبينما تجهد القوات المسلحة والأجهزة الاستخبارية العراقية في تعقّب التنظيم الإرهابي وفق مقاربة أمنية لم تشمل فقط مراكز المدن، بل امتدت إلى ضبط الحدود العراقية-السورية، فإن الآليات السانِدة للجانب العسكري-الاستخباري لم تقم بواجباتها الكفيلة بإدامة زخم هذا النجاح.

فالآليات القضائية وانتشار الميليشيات وسيطرتها على قطاعات واسعة في محافظة نينوى، وعزل أعداد تُقدَّر بعشرات الآلاف دون عودة طبيعية أو وثائق ثبوتية، قد يخلق لديهم إحباطاً يدفعهم للارتماء في حضن داعش، سيما وأن نسب الانتحار والتهديد به تصاعد في مخيم "الجدعة 5" وبعض المخيمات العشوائية، فضلاً عن استعادة التنظيم الإرهابي نشاط عناصره في الكسب والتجنيد، ما ينذر بمدّ التنظيم بموجة من الموارد البشرية الناقمة على السلطات وإجراءاتها.

على الأرجح سيعاود داعش نشاطه نحو عمليات مؤثرة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية. وتتطلّب ضرورات الأمن الوطني العراقي إجراءات عاجلة ومسؤولة تسهّل بشكل كبير احتواء المحرومين والمهمشين عبر آليات قضائية وأخرى اقتصادية، لتمكينهم من العودة إلى ديارهم واحتوائهم وعدم التضحية بهم كلقمة سائغة للإرهاب مرة أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image