شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الجمال درع واقية للوزيرة السودانية

الجمال درع واقية للوزيرة السودانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 10 فبراير 202104:12 م

في السودان، جرى إعفاء الطاقم الوزاري القديم، وتشكيل حكومة جديدة. وهذا أمر مفهوم في سياق التغيير، أو التدافع السياسي، أو الاستجابة لمتطلبات مرحلية. وفي الحالة السودانية، يحدث ذلك أيضاً لإلحاق الحركات المسلحة التي كانت تخوض حروباً مسلحة ضد حكومة المخلوع عمر البشير بالعملية السياسية الجارية، من خلال إفساح المجال أمام قادتها للالتحاق بمراكز صنع القرار.

بيد أن اللافت أنه ضمن عدة قضايا واسماء طرحها التشكيل الجديد، برزت حالة بكائية خاصة على مغادرة وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي، المكلفة شؤون الوزارة د. هبة محمد علي.

وصلت هبة للمنصب عقب استقالة الوزير الأول، إبراهيم البدوي، منتصف العام الماضي لتباينات في وجهات النظر مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ولانتقادات سياساته بصورة مفرطة من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم)، بل كذلك من رجل الشارع العادي.

المفارقة أن التحسر على غياب هبة عن التشكيل الوزاري، لم يكن مرده بالأساس إلى أدائها الاقتصادي المغاير لسلفها البدوي، ولكن تكمن المفاجأة في أن الكثير من التعليقات أتت على وسائل التواصل الاجتماعي معزيةً ذلك الحزن لجمال الوزيرة وأناقتها التي أسرت قلوب عدد كبير من السودانيين.

نظرة للوضع الاقتصادي

لتقييم الوزيرة تقييماً علمياً، يستوجب النظر للأوضاع الاقتصادية الراهنة، هكذا يقول الواقع.

باختصار شديد لصورة ما يجري، نذكر أن التضخم قد سجل في آخر إحصائية حكومية معدل 269% وتهاوت العملة المحلية مقابل الدولار في السوق الموازية لما دون 350 جنيهاً، وتنامت ظاهرة صفوف الخبز والمحروقات بصورة كبيرة، وخرج الكثير من الأهالي في كبريات المدن السودانية للتنديد بالغلاء، ووصل الأمر في بعض أمثلة هذا الحراك الاحتجاجي لنهب مخازن السلع الغذائية، وهو ما يصنفه العامة بمسلكين: إما أنه ثورة الجوعى، أو تحركات من فلول النظام البائد لإشاعة الفوضى.

حصل ذلك كله في عهد استوزار هبة التي جعلها التغيير على خزائن السودان.

ويتطلب إكمال المشهد التذكير بمضيها –هبة- بقوة في سياسات سلفها البدوي، الناحية إلى التحرير الاقتصادي، ووقف الدعم السلعي، وتعويم الجنيه، إذ قطعت أشواطاً كبيرة في هذا المضمار.

لكن يلزمنا قبل الإجابة عن تساؤل لماذا ضغط الشعب والحكومة لدفع البدوي لتقديم استقالته جراء سياساته المتماشية مع روشتات البنك الدولي، وغضّ الطرف عن تلميذته النجيبة في تنفيذ هذه الروشتة القاسية، نأخذكم في طائفة من البكائيات التي انتشرت في منصات التواصل الاجتماعي على رحيل هبة.

التحسر على غياب هبة عن التشكيل الوزاري، لم يكن مرده بالأساس إلى أدائها الاقتصادي المغاير لسلفها البدوي، ولكن تكمن المفاجأة في أن الكثير من التعليقات أتت على وسائل التواصل الاجتماعي معزيةً ذلك الحزن لجمال الوزيرة وأناقتها التي أسرت قلوب عدد كبير من السودانيين

باب البكاء

تمتلك هبة محمد علي سيرة ذاتية وأكاديمية مدججة وفخيمة، فهي خريجة كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم (أعرق جامعة سودانية) وأنجزت الدراسات العليا بكل من جامعتي ميتشغان وهارفارد، وتنقلت في عدد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي.

وبعد الإطاحة بالبشير، تولّت هيئة الاستثمار وتنمية القطاع الخاص، ثم كلفت تسيير وزارة المالية عقب استقالة البدوي.

ولكن مع الزمن لمادة تندر في منصات التواصل، ولم يعد مجدياً اجتهادهم طالما تشكلت صورة ذهنية سيئة عنهم في العقل الجمعي الذي تغذيه المنصات الاجتماعية.

وخلقت هبة الترند، فهي تارة الجميلة، الأنيقة، (اللبيسة)، ذات قصات الشعر المعكوفة بطريقة (الكعكة) وهو ما يفسر لقبها لدى البعض بـ(هبة كعكعات). وفي إحدى المرات ظهرت في فعالية بزي (هندي) فتم وصفها بلقب (ملكة جانسي).

وتمتلك هبة مكتبة للصور في أرشيف وكالة السودان للأنباء (سونا)، إذ تجد لها صوراً بالزي الرسمي (الفورمال)، وبالأزياء التقليدية. وصوراً أخرى وهي تتحدث، وهي صامتة، وفي أثناء انفعالاتها المختلفة. صورة وهي تلتزم إجراءات السلامة من كوفيد 19، وأخرى تعلق الكمامة على أذنيها بطريقة خاصة. ستجد لها صوراً بلقطات مقربة، وأخرى بعيدة، وصوراً أمامية، وأخرى من زاويا جانبية. وصوراً وهي تستقبل الوفود، وتوقع الاتفاقيات. في المقابل لن ترى ظهوراً لبقية الوزيرات، وإن وجدتها فتجد صورة مكرورة ومستعادة من الأرشيف ولا تحمل –عادةً- عنصر الجِدة.

ما بعد الرحيل

قبل إعلان التشكيل الوزاري، جرى بث منشورات تتباكى على رحيل الوزيرة. بمنشورات تنادي بتوجيه كلمات في حق الأنيقة واللبيسة.

وعقب إعلان التشكيل، ظهرت كلمات (وداعاً هبوية) في عدد من منشورات منصات التواصل، ربما هي كلمات مواساة في تشييع جمال الوزيرة.

صاحب (ريس الساري) أكد أنهم لن ينسوا الوزيرة، مهما حدث

وآخرون ذهبوا منذ وقت طويل إلى ضرورة استمرار الوزيرة، منادين بمنحها مقعداً في المجلس السيادي، أحد أهم مستويات السلطة في البلاد حالياً.

التغريدة الأطرف، في هذا السياق، أتت من خارج الحدود، في إشارة إلى أن الجمال هو صفة عابرة للجغرافيا.

فحص أداء الوزيرة

لتقييم أداء هبة من الناحية الاقتصادية، تواصلنا مع الباحث الاقتصادي أحمد ناجي سعيد، الذي قال لرصيف22 إن هبة تلميذة وفية لسياسات وزير المالية السابق البدوي، وذلك بحكم أنهما من خريجي مؤسسة البنك الدولي وتقاليده الراسخة. وبالتالي فهما صاحبا رؤية لمعالجة المشكل الاقتصادي قائمة على السوق الحرة، وترفض أية أنشطة حكومية ذات صلة بتقديم دعم مباشر للاقتصاد، اللهم إِلَّا بوضع السياسات العامة.

وأضاف: "هو اقتصاد دعه يعمل دعه يمر".

لماذا لم تنلْ هبة قسطاً وافراً من انتقادات السودانيين الذين يعدّ الاقتصاد إحدى أكبر مشكلاتهم حالياً؟ ولماذا دفعوا البدوي للاستقالة ولم يفعلوا مع هبة التي سارت في طريقه حذو النعل بالنعل؟

لكن هل يحتمل الاقتصاد المحلي هذه الإجراءات الاقتصادية. سؤال يرد عليه سعيد بالقول إن ذلك يتطلب خزينة عامة مليئة بالاحتياطات النقدية، والأهم قدرة الناس على احتمال هذه الإجراءات التي يظهر أثرها بعد فترة.

ويختم سعيد مداخلته بأن الاحتجاجات التي تتنامى ضد الغلاء حالياً، تعطي مؤشراً إلى أن سياسات البنك الدولي ستزيد الأوضاع تأزيماً وقد تطيح الحكومة بكامل طاقمها.

الأسئلة الجميلة

إذاً، لماذا لم تنلْ هبة قسطاً وافراً من انتقادات السودانيين الذين يعدّ الاقتصاد إحدى أكبر مشكلاتهم حالياً؟ ولماذا دفعوا البدوي للاستقالة ولم يفعلوا مع هبة التي سارت في طريقه حذو النعل بالنعل؟ ولماذا تغافلوا عن تصريحاتها المبرئة لقوات الدعم السريع من الولوج في الأنشطة الاقتصادية رغم الشكوى من سيطرة الشركات الأمنية على مفاصل الاقتصاد؟ ثم هل يمكن أن يتحول الجمال والأناقة لخدمة الوظيفة الوزارية؟

ردت على هذه التساؤلات أستاذة علم النفس السياسي، براءة سيف الدين، وقالت لرصيف22 إن الجمال عامل مهم في خلق الصورة الذهنية للسياسي، ولكنه لا يكفي بمفرده، ويحتاج إلى عنصر الكفاءة.

بيد أن سيف الدين عادت وأشارت لنقطة في غاية الأهمية، هي أن الجمال وملاحقاته قد يكون سبباً في غض الطرف عن بعض الهفوات، وقد يكون مصدراً لتشتيت الناس عن قضايا رئيسة، ولفتت إلى أن جولة صغيرة على منصات التواصل الاجتماعي ستوضح هذه الحقيقة، مؤكدة أن السودانيين في شغفهم بهبة ليسوا بدعاً.

السؤال الأهم الذي ادخرناه لسيف الدين، هل يمكن أن يكون الجمال مفسراً لسلوك التعويض عن الأوضاع المعيشية القاسية، بل مسامحة من هم وراءها؟

فردت قائلة إن الإجابة يمكن وضعها في فسطاطين، أولهما سياسي وقد يكون من باب أهمية احتمال الوضع القائم دعماً للحكومة وسياساتها. وثانيهما شق نفسي تنحاز أطرافه لعوامل أخرى لمقاومة الواقع من باب (فليسعد النطق إن لم يسعد الحال).

عنصر حسم

هل يخدم الجمال الوزارة. للجواب نحيلك فقط إلى المقارنات التي بدأت تنهض بين وزيرة المالية السابقة ووزيرة الخارجية الجديدة د. مريم الصادق المهدي.

وانتشر بوست، هو عبارة عن مقطع غنائي يقول (شال "السيدة" وخلاّ "حرم"/ يا ناس القوز علينا ظلم) وفي تفسير البيت حسرة على رحيل السيدة وهي هنا (هبة)، وذم حرم التي هي في مقامنا (مريم).

وإن سألت هل يمكن أن يتغير تعاطي الناس مع وزير المالية الجديد، د. جبريل إبراهيم، لتجول في حفلات الشواء التي انعقدت له حتى قبل أن يؤدي اليمين الدستورية، إذ بدأ التشكيك مبكراً في الرجل، فهو تارة منتمٍ لمدرسة الإسلاميين الذين أطاحتهم الثورة، وتارة هو طبيب لا يفقه شيئاً في الاقتصاد، ومرات هو مجرد قائد حركة مسلحة يريد أن يحوز امتيازات السلطة.

إذاً بمجرد جولة صغيرة في رثاء هبة، وحلول جبريل، تعرف أن الأولى قد يغفر لها جمالها، أما الثاني فلا مجال له للخطأ أو التباطؤ في إنقاذ الوضع الاقتصادي، الذي ورثه، ويا للمفارقة، من هبة نفسها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image