شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا يجب أن تتوقف

لماذا يجب أن تتوقف "جريمة" نشر أخبار اعتناق شخص للإسلام أو المسيحية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 9 فبراير 202111:14 ص

في الكتابة الصحفية، لكل كلمة معناها ودلالتها، لذلك حين نصدّر في العناوين الإخبارية كلمة "إشهار" لمن يعتنق الدين الإسلامي، و"ارتداد" لمن يعتنق الدين المسيحي، فإننا، بقصد أو دون قصد، نرتكب جريمة بتصويرنا أن هناك ديناً يدعو للفخر بأن نعلن الانتماء إليه، وديناً آخر لا يستحق، وهو ما يتعارض مع مفهوم الدولة أصلاً، ناهيك أن مصطلح "الردة" عن الإسلام له دلالة عند كثيرين بأن صاحبه يستحق "القتل".

أقول ذلك بمناسبة ما حدث خلال الأيام الماضية، من اعتناق نجم السلة الأمريكي، ستيفن جاكسون، للإسلام، واعتناق المذيع الكويتي، محمد المؤمن، المسيحية، وفي حين تمّ التهليل والتكبير للحادثة الأولى، من منطلق أن هذا "فتح مبين"، تم التعامل مع الحادثة الثانية بكثير من الاستهجان، وبالطبع تم استخدام ثنائية "إشهار" و"ارتداد".

لكن الأمر أكبر من فكرة استخدام مصطلحات، فالجريمة في النشر من الأساس، ومصطلح "جريمة" هنا ليس من قبيل المبالغة، بل هي قانونية تماماً ويستحق من يرتكبها العقاب. 

فالمادة 20 من لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام في مصر، تحظر التعرّض للحياة الخاصة للمواطنين أو المشتغلين بالعمل العام، والسؤال: أليس اعتناق فرد لأي دين أو تركه هو أمر خاص بين الإنسان وربه؟ وكقارئ قبل أن أكون صحفي، ماذا يعنيني في هذا؟ وإذا كان هذا يتعلق بمسؤول، فماذا يضيرني في دينه؟ ففي النهاية هناك واجبات وحقوق إذا كانوا يريدون دولة مواطنة كما يرددون.

بمجرد نشر أخبار اعتناق المذيع الكويتي محمد المؤمن للدين المسيحي، تحول الرجل إلى شخصية منبوذة، وانهالت عليه اللعنات، كما شاهدت في كثير من تعليقات الأصدقاء، وقد ذهبت تقارير صحفية إلى تصوير الرجل كـ "مريض" ويجب معالجته لمجرد اختيار ديني

الأمر لا يتوقف عن طرح تلك الأسئلة، فبرغم أخبار انتهاك الحرية الشخصية التي تزدحم بها وسائل إعلام مصرية وعربية، فإن أخبار اعتناق شخص للإسلام أو المسيحية هو الأخطر من نوعه، لما يترتب عليه من نتائج.

فبمجرد نشر أخبار اعتناق المذيع الكويتي محمد المؤمن للدين المسيحي، تحول الرجل إلى شخصية منبوذة، وانهالت عليه اللعنات، كما شاهدت في كثير من تعليقات الأصدقاء، وقد ذهبت تقارير صحفية إلى تصوير الرجل كـ "مريض" ويجب معالجته لمجرد اختيار ديني.

بالطبع تلك الحالة ليست قاصرة على هذا الرجل، ففي مجتمع تغلب عليه الديانة الإسلامية، وتتبنى المؤسسات الدينية الرسمية فيه وجهة نظر أن من يترك الدين الإسلامي يستحق "القتل"، فإن تلك الأخبار تعتبر تحريضاً صريحاً على الكراهية وأعمال العنف، وهو أيضاً أمر تجرّمه قوانين النشر المصرية، وأعتقد أن التجريم في كافة القوانين العالمية، وهذا ما يؤكد أن ذلك جريمة.

لن يختلف الأمر كثيراً في حالة اعتناق شخص ما للإسلام، بصفتي مسلماً أضع نفسي مكان مواطن مسيحي يرى أن هناك احتفاء بشخص ترك دينه، أي "المسيحية"، معتبرين ذلك عودة إلى "الصواب"... أليس هذا كافياً لكي يجعلني أشعر بالتمييز والاضطهاد؟

الجريمة لا تقتصر على وسائل إعلام مصرية أو عربية، بل تشارك فيها مؤسسات دينية أيضاً، فدار الإفتاء مثلاً اعتادت على نشر أخبار تعلن فيها من اعتنقوا الدين الإسلامي، وبالطبع تستخدم كافة الكلمات الدالة على الترحيب والتفخيم، في حين ليس هناك أي بيان رسمي حول من يعتنق المسيحية، في تصرف يؤكد التمييز الديني الممارس من المؤسسات الرسمية التي تنتمي لدولة تنصّ في دستورها أن كافة المواطنين سواء، ولهم كافة الحقوق والحريات.

تلك الحالة توضح كيف يتم النظر إلى الحرية الشخصية، سواء من خلال الدولة أو من مواطنين عاديين، وهي نظرة تتلخص في أن الحرية الشخصية متاحة بشرط ألا تتعارض مع مفهومهم للدين أو القيم والعادات، أو ما يريده الحاكم من الناحية السياسية، وإذا كان هذا هو المفهوم الذي تؤكد عليه الأفعال، فماذا تبقى من الحرية الشخصية المزعومة؟ إذا كان أول حق للإنسان هو اعتناق الدين الذي يريد، دون أن يتعرض لأذى أو اضطهاد، ولو حدث ذلك فالمفترض من الدولة أن تحميه، لا أن تكون سبباً في قذفه في مهبّ الريح.

لن يختلف الأمر كثيراً في حالة اعتناق شخص ما للإسلام، بصفتي مسلماً أضع نفسي مكان مواطن مسيحي يرى أن هناك احتفاء بشخص ترك دينه، أي "المسيحية"، معتبرين ذلك عودة إلى "الصواب"... أليس هذا كافياً لكي يجعلني أشعر بالتمييز والاضطهاد؟

المثير أن ذلك لا يختلف عما تفعله الجماعات الإرهابية، التي ترى أن الحرية الشخصية هو اختيارك اتباع أي مذهب من المذاهب الفقهية الأربعة مثلاً، لكنك لو اخترت عدم الاعتراف بتلك المذاهب ستهدر دمك!

نعم يجب أن نتوقف عن نشر أخبار شخص اعتنق الإسلام، المسيحية أو ديانة أخرى، لأن هذا أمر لا يخصنا، ولأن هذا جريمة يُعاقب عليها القانون، ولأننا نزعم أننا نحارب الإرهاب، ومثل تلك الأمور تمهّد الطريق لبيئة إرهابية بامتياز، والأهم، لأن الحرية الشخصية غير قابلة للتجزئة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image