في كتابه Red: The History of a Color، وصف المؤرخ الفرنسي والمتخصص في تاريخ الألوان، ميشيل باستوريو، اللون الأحمر بأنه "أول لون اكتشفه الإنسان وصنعه، وأعاد صناعته وتحويله إلى درجات عديدة"، معتبراً أن هذا اللون يشير إلى الحياة، الحب، الشهوة الجنسية والغضب، وبذلك سيطر على الثقافة البصرية لعدة قرون.
مع ظهور البروتستانتية، بدأ الناس ينظرون إلى اللون الأحمر على أنه لون صارخ وحتى غير أخلاقي، إلا أن هذا اللون الجريء، بدرجاته القرمزية والزنفجرية وغيرها، بقي محتفظاً بقوته، بحيث لا تزال تحظى اللوحات الفنية الحمراء بأسعار عالية في المزادات العلنية.
يعود تاريخ اللون الأحمر إلى عصور ما قبل التاريخ، ومع الوقت اكتسب أهمية خاصة في العديد من الثقافات في جميع أنحاء العالم.
والواقع، غالباً ما يتم ربط اللون الأحمر بالحب والرومانسية، كما أنه يرمز في العديد من الثقافات إلى الفرح والحظ السعيد، كما هو الحال في عدد من البلدان الآسيوية، بحيث ترتدي العرائس في الصين مثلاً اللون الأحمر كرمز للخصوبة والحظ، أما في أوروبا، فارتبط اللون الأحمر بالطبقة الأرستقراطية ورجال الدين.
لا يعتبر اللون الأحمر أحد الألوان الأساسية فحسب، ولكنه من الألوان الأولى التي استخدمها عشاق الفن.
إليكم/نّ نظرة على بعض أهم ظلال اللون الأحمر في الفن، بهدف معرفة المزيد عن التاريخ الرائع لهذا اللون المميز.
المغرة الحمراء
أحد أقدم أشكال اللون الأحمر يأتي من الطين، وتحديداً من الهيماتيت أو المغرة الحمراء، وهو معدن شائع للغاية يتكون من أكسيد الحديد.
وقد استخدم الهيماتيت، الملقب بـ "حجر الدم"، كصباغ رئيسي للوحات الكهوف التي غالباً ما كان لونها قريباً من الأحمر.
في الواقع، تم العثور على أدلة تشير إلى أنه في العصر الحجري كان الأفراد يطحنون المغرة الحمراء لطلاء أجسادهم ووجوههم في الاحتفالات.
مع ظهور البروتستانتية، بدأ الناس ينظرون إلى اللون الأحمر على أنه لون صارخ وحتى غير أخلاقي، إلا أن هذا اللون الجريء، بقي محتفظاً بقوته، بحيث لا تزال تحظى اللوحات الفنية الحمراء بأسعار عالية في المزادات العلني
إلى جانب الأبيض والأسود، استخدم الفنانون في العصر الحجري اللون الأحمر بشكل أساسي، لأنه كان من السهل الحصول عليه في الطبيعة، هذا وتعد لوحات الكهوف التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في إسبانيا، من الأمثلة البارزة على وجود اللوحات ذات المغرة الحمراء، فالثيران الصغيرة التي تغطي جدران التاميرا في إسبانيا هي من أقدم أنواع اللوحات التي يعود تاريخها بين 20000 و14000 عام.
وفي السياق نفسه، برز اللون الأحمر أيضاً في الصين القديمة مع مجموعة من الفخاريات التي يعود تاريخها إلى ما بين 5000 و3000 قبل الميلاد، كما تم العثور على آثار مغرة حمراء على لوحة من داخل قبر الملك توت في مصر.
معلومة ممتعة: في مصر القديمة، تم استخدام المغرة الحمراء كمستحضر تجميل للنساء لتلوين الشفاه والوجنتين، كما ارتبط اللون الأحمر في الثقافة المصرية بالحياة والصحة والنصر.
الزنجفر أو السنابار
سمي اللون الزنجفر على اسم المعدن الذي صنع منه، وهو سولفيد الزئبق الذي يعدّ مادة كيميائية سامة.
تم تفضيل اللون اللامع من قبل الرومان القدماء الذين استخدموا الزنجفر على نطاق واسع في الزخرفة، وهو أمر يمكن ملاحظته في اللوحات الجدارية في بومبي.
اكتسب الزنجفر قيمة عالية في العصر الروماني، لدرجة أنه كان يكلف أكثر من المغرة الزرقاء والحمراء من إفريقيا، كما تم استخدام الزنجفر على نطاق واسع في أدوات الطلاء الصينية المنحوتة من القرن الثاني عشر.
معلومة إضافية: في العصر الروماني، كان يتم استخراج الزنجفر بشكل رئيسي من المناجم الإسبانية، وللأسف كان معظم العمال آنذاك من السجناء الذي أجبروا على العمل في بيئة سامة.
القرمزي
يُعتقد أن الصينيين كانوا أول من أنتج الفريمليون (القرمزي) في القرن الرابع قبل الميلاد.
تم استخدام هذا الطلاء الذي جلبه الكيميائيون العرب إلى أوروبا، على نطاق واسع من قبل رسامي عصر النهضة، وخاصة تيتيان الذي كان معروفاً بطبقاته المكونة من الألوان اللامعة.
في حين أن الصبغة عادة ما تكون حمراء برتقالية، إلا أن أحد العيوب المعروفة هو أنها قد تميل إلى أن تصبح حمراء داكنة في ضوء الشمس.
في الصين، يرمز اللون القرمزي إلى الحياة والحظ السعيد، وكان يستخدم لطلاء المعابد وعربة الإمبراطور.
معلومة ممتعة: في العصور الوسطى، كان القرمزي الاصطناعي مكلفاً مثل أوراق الذهب، لذا تم استخدامه فقط في جوانب المخطوطات المضيئة والمهمة.
كارمين
كما هو الحال مع معظم الأصباغ، فإن صبغة كارمين مصنوعة من مادة عضوية، وتحديداً من حشرات قرمزية صغيرة الحجم، تعيش على أسطح نبات الصبار.
شقت هذه الصبغة طريقها إلى أوروبا في أوائل القرن السادس عشر، عندما لاحظ الغزاة الإسبان اللون الأحمر اللامع الذي استخدمه الأزتك.
معظم الرسامين العظماء في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، استخدموا صبغة كارمين للحصول على لون أحمر غني، إنما تبيّن بأنه يجب استخدام هذه الصبغة بعناية، بحيث يمكن أن يتغير لونها عند تعرضها للضوء.
معلومة ممتعة: كانت الدودة القرمزية من الواردات الأوروبية القيّمة في القرن السادس عشر، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد الذهب والفضة، أما اللون الأحمر الناتج عنها فيعتبر رمزاً للثروة.
الرصاص الأحمر
الرصاص الأحمر مادة سامة، تم تصنيعها لأول مرة من قبل الصينيين.
تعتبر هذه المادة من أولى الصبغات المصنّعة كيميائياً، حيث يتم تصنيعها عن طريق تسخين صبغة الرصاص البيضاء.
وقد استخدم الرصاص الأحمر على نطاق واسع في مخطوطات العصور الوسطى لكتابة النصوص الروحانية، وكذلك استخدم هذا اللون في الرسومات الفارسية والهندية.
كان الفنان الشهير فان غوغ معجباً بالرصاص الأحمر، فاستخدمه بشكل كبير في أعماله الفنية، إلا أنه ولسوء الحظ، مع مرور الوقت والتعرض للضوء، تلاشى اللون الأحمر في بعض لوحاته.
الأحمر في الموضة
تم تبجيل مجموعة متنوعة من درجات اللون الأحمر في الموضة عبر التاريخ، لكن المصمم العالمي كريستيان لوبوتان، جعل لوناً واحداً محدداً من اختياره، وهو الأحمر الصيني الذي يجب عدم الخلط بينه وبين اللون القرمزي الذي يشار إليه أحياناً باللون الأحمر الصيني.
في العام 1992، رفع لوبوتان النقاب عن حذائه الذي يتميز بالنعل الأحمر، والذي سرعان ما أصبح الأسلوب المميز لعلامته التجارية.
في مصر القديمة، تم استخدام المغرة الحمراء كمستحضر تجميل للنساء لتلوين الشفاه والوجنتين، كما ارتبط اللون الأحمر في الثقافة المصرية بالحياة والصحة والنصر
واللافت أن الأحذية ذات النعل الأحمر باتت علامة على الفخامة والأناقة، وغالباً ما ترتديها نخبة الموضة والمشاهير في المناسبات التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، ما يعني بأن الأحمر هو أكثر من مجرد لون، وأصبح رمزاً للثروة والأناقة.
معلومة ممتعة: اخترع كريستيان لوبوتان النعل الأحمر المميز عن طريق الصدفة، فأثناء العمل على نموذج أولي، شعر بأنه يفتقد شيئاً ما، وعندما لاحظ أن مساعدته تطلي أظافرها باللون الأحمر، قرر تغطية النعل الأسود باللون الأحمر أيضاً.
يمكن القول إن الأحمر هو لون الثورة، الإغراء، الشغف والفخامة، ولا يمكن أن تخمد قوته أبداً، بحيث يبقى "فوق كل الألوان". فالعلماء الذين أعلنوا مؤخراً عن اكتشاف صبغة جديدة من اللون الأزرق، يبحثون الآن عن درجة من اللون الأحمر لم يسبق لها مثيل، مما يعني بأن قصة اللون الأحمر لن تنتهي وليس محصورة فقط بمظاهر عيد العشاق، بل يعود تاريخ هذا اللون في الفن إلى أكثر من 20000 عام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...