بوتيرة متسارعة، يتجه العراق نحو إغلاق المخيمات الأخيرة الباقية للعائلات التي نزحت إبّان المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، وسط اتهامات للسلطات بـ"تجاهل سلامة النازحين" وبتنفيذ "ترحيل قسري" تُرك على إثره آلاف العراقيين فرائس للفقر والتشرد.
ولا يزال عشرات آلاف المدنيين العراقيين عالقين في مخيمات النزوح في جميع أنحاء البلاد بعد ثلاث سنوات من هزيمة العراق لداعش رسمياً، لعدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم إما لتعرضها للهدم أو خشيتهم أن يكونوا عرضة للانتقام لصلاتهم العائلية بأعضاء في التنظيم الذي ارتكب جرائم مروعة في مجتمعاتهم السابقة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2020، شكّل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لجنة رسمية لإغلاق نحو 17 مخيماً تؤوي ما لا يقل عن 60.337 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال، واعداً بإيجاد طرق لإعادة دمج النازحين في مجتمعهم الأوسع.
لكن الوتيرة المتسارعة لإغلاق المخيمات أثارت قلق المنظمات الإنسانية التي وجدت أن السكان لا يتلقون في كثير من الأحيان تنبيهات كافية بشكل يصبحون معه غير قادرين على العثور على ملاذ آمن، بل يضطر بعضهم إلى النوم على جوانب الطرق أو على أسطح المنازل تحت المطر.
"الحكومة لم تدرس الواقع على الأرض"... نازحون عراقيون يتهمون الحكومة بإجبارهم على مغادرة المخيمات قسراً من دون وجود مأوى آمن بديل، ومسؤول يرد: "الناس يكذبون ويحاولون إفساد عملنا. لا توجد عودة قسرية، عودة طوعية فقط"
إخلاء قسري؟
في 1 شباط/ فبراير، ذكر عدد من سكان مخيم "الجدعة 5" للنازحين الذي يقطنه 7000 شخص في محافظة نينوى لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الأمن العراقي دهم المكان وطالب العائلات النازحة من ثلاث قرى في المحافظة المغادرة قبل أن يطردهم.
أبلغ أحد النازحين الصحيفة هاتفياً: "قالوا لي أن أغادر بكرامة أو أُطرد من خيمتي عنوةً". ولفت الرجل، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته خشية التعرض للتنكيل من الأمن، إلى أنه حاول بيع أقراط زوجته لجمع ما يكفي من المال لاستئجار شاحنة ونقل عائلته المكونة من 12 فرداً من المخيم، موضحاً أنه لا يعرف أين سيقيم أو كيف سيدفع بدل الإيجار.
قال نازح آخر إن العائلات كانت تبكي أثناء حزم أمتعتها، مضيفاً "نحن لا نطلب أي شيء سوى البقاء في هذه الخيمة"، علماً أن "الجو بارد جداً هنا". وأضاف: "طالما كان العراق بلداً رحباً، لكن تشعر وكأنه بات ضيقاً اليوم. لم يعد لنا مكان هنا بعد الآن".
برغم ذلك، ادعى متحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في تصريح للصحيفة، أن كل الذين غادروا المخيم غادروه بالتراضي، مضيفاً "الناس يكذبون ويحاولون إفساد عملنا. لا توجد عودة قسرية، عودة طوعية فقط".
منظمات إنسانية اتهمت الحكومة بـ"تجاهل سلامة المقيمين"... الوتيرة المتسارعة لإغلاق المخيمات في العراق تنذر بكارثة. نحو 100 ألف نازح قد يصبحون مشردين وسط جائحة الفيروس التاجي رهن برودة الشتاء
وضع هش
في معركته من أجل السيطرة على الأرض وفرض منهجه الديني، قتل داعش عشرات الآلاف من العراقيين ونفّذ إبادة جماعية ضد الأقلية الأيزيدية، وهذا ما أدى إلى نزح نحو ستة ملايين شخص. عقب هزيمة التنظيم، عاد غالبية النازحين إلى ديارهم أو انتقلوا إلى مجتمعات جديدة (4.7 مليون شخص)، فيما بقي نحو 1.3 مليون شخص في مخيمات النزوح، وفق تقديرات المنظمة الدولية للهجرة.
وفي ظل حملات الدولة لإغلاق المخيمات، أعرب عشرات النازحين عن شعورهم بالرعب والقلق بشأن مستقبلهم غير المؤكد. في "الجدعة 5"، على سبيل المثال، قال نازحون إنهم ناقشوا مع الأصدقاء إمكانية الانتحار.
ويفتقر الكثير من هؤلاء النازحين إلى الوثائق الرسمية اللازمة للوصول إلى خدمات الدولة إن هم غادروا المخيم. لكن المخاوف حيال العائلات التي لها صلات بداعش وقد تشكل خطراً أمنياً، في المجتمعات التي ينبغي أن يعاد دمجها فيها، لا يمكن الاستهانة بها أيضاً.
قال خضر أحمد من مدينة الدجيل بمحافظة صلاح الدين: "ليس غريباً أن نكون خائفين. نعلم ماذا فعلوا بنا. الضرر كبير للغاية".
بعضهم فكر في الانتحار… على الحكومة العراقية الوفاء بالتزاماتها الدولية نحو اللاجئين سيّما "حماية واحترام الحق في مستوى معيشي لائق" و"أن تكفل لكل شخص في العراق حق استصدار وثائقه المدنية وأن توقف جميع مساعي طرد النازحين حتى تجدد وثائق هويتهم"
تحذيرات متكررة
قال حسن العلاف، نائب محافظ نينوى، إنه أبلغ مسؤولين كباراً أن إغلاق المخيم ينذر بمشاكل في المستقبل، شارحاً "الحكومة لم تدرس الواقع على الأرض. لدينا مخاوف جديّة بشأن عواقب هذا القرار. ربما يبدو ظاهر القرار إيجابياً، لكن التأثير سيكون كارثياً".
ومطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حذّر المجلس النرويجي للاجئين - إحدى المنظمات الإغاثية العاملة في العراق - من أن سكان المخيمات في سبع محافظات عراقية (بغداد وكربلاء وديالى والسليمانية والأنبار وكركوك ونينوى) يُجبرون على المغادرة من دون إعطائهم مهلة كافية للقيام بذلك، لافتاً إلى أن قرابة 100 ألف نازح قد يصبحون مشردين وسط جائحة الفيروس التاجي وفي موسم الشتاء بفعل الإغلاق السريع للمخيمات.
ومطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إن عمليات إغلاق المخيمات "تتجاهل سلامة المقيمين فيها" وتؤدي ببعضهم حتماً إلى "الفقر والتشرد". وطالبت الحكومةَ العراقية بالوفاء بالتزاماتها الدولية لا سيما "حماية واحترام الحق في مستوى معيشي لائق" و"أن تكفل لكل شخص في العراق حق استصدار وثائقه المدنية وأن توقف جميع المساعي الرامية إلى طرد السكان من المخيمات حتى تجدد السلطات وثائق هويتهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...