شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"هو موجود وأنا حرة في جسدي"... شباب وفتيات "اكتشفوا/ن" الله عبر أسئلتهم الخاصة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 20 يناير 202104:26 م

في غرفة منعزلة عن أركان المنزل في الطابق العلوي، يقضي الشاب عوني منيب (27 عاماً) يعمل محامياً في قطاع غزة، معظم أوقاته، يفكر عبر الآراء التي يقرأها، ويحاور ذاته، باحثاً عن "حقيقة" وجود الله، عبر معطيات يستطيع أن يتعاطى ذهنه معها.

الإقناع بلا فرض

ينزعج عوني من الأشياء التي اكتشفها في غرفته، لاحظ أن الناس في بلاده مجبرون على اتباع آبائهم، ونمط حياتهم بشكل عام، والمعتقدات الدينية خاصة، دون منحه مساحة معقولة في تدبر كل تلك الأمور.

يفكر عوني في أنه لو كان الآباء مسلمين لوجب أن يصلي ويصوم ويمارس العبادات الإسلامية، دون معرفة الأسباب، ولو كانوا مسيحيين، فسيعيش الواقع ذاته، يقول لرصيف22: "ولكن ليست الحياة كذلك، بل يجب أن يمنحنا آباؤنا مساحة لمعرفة الحياة، وحقيقة الله، بتمعن الأمور، وليس بالفرض".

يعود عوني بذاكرته إلى الوراء، فيكتشف أنه من الأساس لم يكن مقتنعاً بكلام والديه، أو المعلمين داخل المدرسة أو الأصدقاء، "من أحاديث حول الله ووجوده وحكمته"، ولكنه التزم تأدية الصلاة، ليبعد عن نفسه شكوك الآخرين بأنه ألحد، أو لم يعد مؤمناً بالله، حتى لا يتعرض للوصم الاجتماعي.

جرّب أن يقترب من الخطاب الديني الذي يبثه المشايخ في الجوامع، ولكنه أحس بالنفور، إذ حاول بعض المشايخ إقناعه بالعودة إلى الله قبل ثلاثة أعوام، لم يحب الخطب الدينية الممزوجة بالمصالح السياسية، واعتبر الخطب الرمضانية منفرة، بل سبباً لتركه الصلاة والصيام.

اكتشف أحد أصدقاء عوني عدم صيامه، وحاول التأثير عليه عبر استخدام حجج منطقية، فاقتنع عوني، ولكن بعد انشغال صديقه بحياته الخاصة، عاد إلى تساؤلاته، خاصة عقب الضغط الذي شعر به من أهله، حول ضرورة الالتزام الديني.

"يجب أن يمنحنا آباؤنا مساحة لمعرفة الحياة، وحقيقة الله، بتمعن الأمور، وليس بالفرض"

يستيقظ عوني من فراشه وسط الليل، يفتح جهاز الحاسوب باحثاً عن كتب ذات علاقة بإثبات وجود الله، ليزداد شغفه في قراءة العلوم، عله يجد عندها الإجابات، بدلاً من الخطاب الديني لرجال الدين أو للأهل والأصدقاء.

قابلت عوني صدفة أمام الشاطئ، داخل سيارتي الخاصة، سألته عن الإجابة التي توصل إليها بعد كل ذلك، رد وهو يسمعني مقطوعات موسيقية من هاتفه، قائلاً: "توصلت إلى وجود الله، ولكن أرغب في منح نفسي المزيد من الوقت للإيمان بكل الأمور الأخرى، عبر قناعتي الذاتية".

متعة بلا خوف

لا يزال الشاب الأردني يسري الهادي، اسم مستعار (28 عاماً) هو الآخر في مرحلة بحث.

يعمل يسري شيف في أحد المطاعم بمحافظة الزرقاء في الأردن، ولا يؤمن بوجود الله، إذ يقوم بالبحث معمقاً في أفكاره، وتدبره للأمور بنمط خاص به.

"سعيت إلى شراء الكتاب المقدس، وإخفائه في أحد أركان غرفتي".

يقول لرصيف22: "قرأت العشرات من الكتب، لم تتولد لدي أي قناعة في حقيقة وجود الله، ما دفعني إلى الجلوس في خلوتي أتحرى بأفكاري، ثم سعيت إلى شراء الكتاب المقدس، وإخفائه في أحد أركان غرفتي، وبعض كتب الديانات الأخرى مثل: الهندوسية، واليهودية، وبدأت قراءتها، كل على حدة، مدة ثمانية أشهر وأنا أقرأ تلك الكتب، إضافة إلى القرآن، ولكن وجدت في النهاية أن لا إجابة حقيقة تجمع بينها، بل جلها ينتقد الآخر، ولا توافق بين كتب الأديان".

لم يكتف يسري بذاك الحد، بل بدأ البحث عبر الإنترنت على تسجيلات للشيوخ ورجال الدين حول وجود الله، ليجد نفسه في نهاية المطاف، بعد تحقيق دام ما يزيد عن عام ونصف، أنه لم يحصل على إجابة وافية حول أفكاره لينطلق بحياته كما يراها دون قيود، شاكاً في وجود الله.

أما سوسن يحيى (31 عاماً)، تعمل فنانة تشكيلية في الضفة الغربية، ومثلية الميول الجنسية، فتخفي أفكارها وتساؤلاتها الدينية، لأنها تخشى أخاها المتشدد دينياً، وهو من بين أربعة إخوة، وأما أخوها الأوسط، الذي تجد تقارباً بينه وبينها في الأفكار، كونه متحرراً من القيود الدينية والفكرية، تتناقش معه دون الإفصاح بشكل كبير عما تفكر به، حتى تسير الأمور على طبيعتها.

تغيرت مشاعر الحسن حيال المساجد، فامتنع عن دخولها، لأنه بات يرى استغلال رجال الدين لها، ليمرروا مفاهيم سياسية وحزبية عبر "أكاذيبهم"

تقول سوسن لرصيف22: "أؤمن بوجود الله، ولكن لا أؤمن بكافة المعتقدات الفكرية التي نسمعها وتعلمناها خلال حياتنا، فليس هنالك عقاب وحساب، فذلك ما يعني أنني حرة في جسدي، وما أفعل به لأنه ملكي وليس ملك أحد".

تذهب سوسن لإحدى صديقاتها، وتمارسان الحب في منزلها بعيداً عن أهلها، بسبب انفتاح عائلة صديقتها، وتقبلت صديقتها تساؤلاتها وشكلها، وشجعت تلك الشكوك صديقتها على "التمعن في الحياة بمتعة"، بعيداً عن أجواء الرهبة التي تبثها المشاعر الدينية، وعلقت في وجدانها، وعقلها منذ الصغر.

المسجد والسياسة

"وإنما يخشى الله من عباده العلماء" آية قرآنية يستشهد بها الحسن أسامة (29 عاماً)، يعمل مصمم جرافيك في غزة، على عكس سوسن، يقول إنه بدأ في البحث حول وجود الله انطلاقاً من هذه الآية، إذ شجعته على التحقق من الأمر بنفسه.

ومع مضي ستة أعوام من البحث، توصل إلى قناعة بأن الله موجود، ولكن "ليس كما يقال ويروج لنا عنه، فالأمور مختلفة بشكل كامل، وفهم الحياة مختلف عن حقيقة الحياة والروح والموت والعذاب، كل تلك الأفكار التي يتم الترويج لها أكاذيب ينشرها رجال الدين لكي يخشاهم البشر، ويتبعوا أفكارهم الفئوية"، يقول الحسن لرصيف22.

تغيرت مشاعر الحسن حيال المساجد هو الآخر، فامتنع عن دخولها، لأنه بات يرى استغلال رجال الدين لها، ليمرروا مفاهيم سياسية وحزبية عبر "أكاذيبهم"، بحسب تعبيره.

المشترك في تجربة عوني وسوسن والحسن، أنهم لم يتخلوا عن وجود الله، ولم يتبنوا مذهباً دينياً، أو فلسفياً بديلاً، وعندما عاد إليهم معتقدهم الأول في وجود الذات الإلهية، تحرروا من المؤسسات الدينية، والتقاليد الأخلاقية، والمشاعر المرتبطة بها، ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة تشير إلى أعداد المتشككين، والباحثين، ولكن يشعر المرء كما لو أن المناطق الرمادية بين التدين الذي عهدناه، والإلحاد الذي ألفناه، قد زادت، واتسعت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image